مقالاتمقالات الرأي

التدين المغشوش.. تمسكٌ بالقشور دون اللباب!

أضحت العبادة عبارة عن طقوس وشكليات مجردة من المقاصد الإسلامية وخالية من الروحانية والنفحات الإيمانية، صلاة تقليدية ذات طابع رياضي لا صلة لها بالخشوع والخضوع للمولى، صوم آبائي لا ينبثق من الداخل العميق، مظهر إسلامي وطوية غير إسلامية ولباس ولحي تحت غطاء ديني وفي الحقيقة تكمن وراءه فلسفات أخرى غير التي تتبادر في ذهن الناظر إليها لأول وهلة، إنه التدين المغشوش.

في كتابه علل وأدوية يقول الإمام الغزالي ” إن الاهتمام المبالغ فيه في المظهر على حساب الجوهر سبب في هزيمة الأمة هزيمة نكراء فيقول: وعندما يتحول التدين إلى حركات بدن، وإتقان شكل، فإن حقيقته تضيع وغايته تبعد أو تتلاشى.

المعنى الأصيل للتدين أن يكون حركة قلب، ويقظة فكر، أما المراسم الجوفاء والصورة الشاحبة فلا دلالة لها على شيء، ومن عجز عن تصحيح قلبه ولبه فهو عما سواهما أعجز، ويوم يتولى عملا ما في المجتمع فسوف يكون نموذجا للفشل؛ لأنه لن يدفع تيارات الحياة إلى حيث يجب، بل ستدفعه هذه التيارات إلى حيث تشاء. وهنا الهزيمة الشنعاء للدين والدنيا”.

لدينا سيل مظهري جارف هتك كل السبل وبات المظهر البديل الأوحد عن المضامين والجوهر، بيد أن الأول هامشي في منظور الإسلامي، حيث يمثل الجوهر أولوية العظمى وفق المعاير الدينية، وليس الأمر سلوكا بشريا معرضا للاختلاط بالخصائص البشرية كالأفكار والعادات والتربية والثقافة بقدر ما هو أمرا دينيا محتاجا إلى الأدلة والنصوص الشرعية.

إن الناظر في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة من حيثية التدين يجد الطابع السذاجي باديا عليه في منتهي الوضوح، يهتم المسلم بالجانب المظهري أكثر من اهتمامه بالجانب الجوهري والمضموني مما يوحي للمتأمل أن الناموس الديني لم يحل بعد إلى أعماقه، ومظاهر تلك لا تعد ولا تحصي، فالمسلم يصلي ويصوم في الوقت نفسه ظالم لحقوق الناس، يكذب ويسرق ويغش في المعاملات المالية، يحسد ويجسس ويبغض لأخيه المسلم، يؤم الناس ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر جهرا ويفعل الموبقات سرا (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله) حيث يمارس أقبح أنواع الأمراض الاجتماعية كالقبيلة والعنصرية وبث الأفكار المتطرفة لدى الشبان وما شاكلها من الرذائل.

 ومن أخطر الشرائح التي وقعت في هذا المزلق شريحة الدعاة ” رجال الدين” حيث أخذوا وهج المظهر وتركوا الجوهر الديني، رؤوس معممة تلبس بنطلون قصير وقمصان ذات أكمام واسع لها مظهر ديني جذاب، لكن الإشكالية في اعوجاج القلب الفارغ من الحلاوة الإيمانية، والجوهر مخالف لما في المظهر من التقمصات الفارغة، ويجيدون التلون والتقمص بقوالب متعددة، يقدمون المصلحة الدنيوية على المصلحة الدينية والمصلحة الشخصية والجهوية علي المصلحة العامة من غير مبرر أو مصلحة شرعية معتبرة، دائما مولعون بالتهام أموال الناس باسم التدين والتزهد، ويستخدمون الدين سلما لقطف الدنايا من حطام الدنيا.

والأغرب من ذلك يحسبون أنفسهم أنهم قدموا عند ربهم أطنانا من الحسنات والفضائل، وفي الحقيقة يشهدون هبوطا واضحا في الدقائق الإيمانية، فمنهم من يتبع هواه ويكون أمره فرطا، ومنهم من يبيع دينه بدراهم بخس معدودة رغم أن الغالبية تعتبر أفعالها صادرة من قبل رب العالمين ومرضية عند علام الغيوب.

وفي الختام نقول من شأن التدين أن يحل المشكلة ولا يفاقمها، وأن يلزم المسلم والمتدين علي الطريق الإلهي القويم متابعا المنوال القرآني؛ مخلصا لله ومهتديا بسنة النبي المهتدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وبالتأكيد كلامنا لا ينطبق على الجميع لكن للأسف ينطبق على الأغلبية الساحقة، ولسنا من المولعين بتنقيص الفضلاء ولكن الحق أحق أن يذكر ويتبع، والله من وراء قصدي.

محمود عثمان يوسف

طالب جامعي مقيم في مدينة لاسعانود بشمال الصومال

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى