القرن الأفريفيبحوث ودراساتمقالات

الحركة الدبلماسية في العصور الإسلامية ودور العلماء في منطقة القرن الإفريقي (10)

علاقة الحبشة الدبلوماسية مع القوى الأوروبية:

من خلال قراءة ما سبق نلاحظ أنّ الصراع بين السلطنات الإسلامية في منطقة القرن الإفريقي والمملكة الحبشية أخذ بُعداً خارجياً من خلال تدخل بعض القوى الخارجية في الصراع، سواء من جانب الإسلامي أو من جانب المسيحي، وأنّ رجال الدين بين الطرفين كانوا يؤدون أدواراً دبلوماسيةً ذات طابع ديني، ولاسيما من جانب الحبشي بحيث أنّهم كلما أحسّوا بأن الصراع سوف يترجح إلى جانب خصومهم المسلمين كانوا يحاولون نقل القضية إلى الخارج، ويتضح من ذلك محاولات ملك زرء يعقوب في الاتصال بالعالم المسيحي الخارجي وذلك ليناهض اتصال الإمارات الإسلامية في الحبشة بالعالم الإسلامي الخارجي وخاصة في اليمن ومصر، والمعروف أن يسحاق قد حاول هذه الخطوة حين كتب إلى ملوك الفرنجه يحثهم على معاونته لإزالة دولة الإسلام. في حين كان بعض حكام مصر – سواء من الدولة الفاطمية العبيدية أو من سلاطين المماليك – يضايقون الأقباط المسيحيين في بعض الأحيان. (إبراهيم علي طرخان: المرجع السابق، ص 62).

ولا يخفى على أحد كما ظهر في السطور الماضية بأنّ المملكة الحبشة النصرانية كانت متأثرة بالنزعة الصليبية العالمية التي سادت روح تلك العصور الماضية، والتي لا تزال آثارها واضحة حتى العصور الحديثة. وقد قام الملك الحبشي يوكونو أملاك الاتصال بالعالم المسيحي بغية مشاركة الحبشة بالحروب الصليبية والاحتكاك بالعالم المسيحي الغربي، وعلى سبيل المثال أنّ الملك أوفد وفداً عبارة عن سفارة إلى الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثامن باليولوجس ( 1261م – 1282م) محملة بالهدايا من ضمنها الزرافة، وكذا سلك ابنه ودم أرعد ( 699ه- 714ه/1299م – 1314م) مسلكه عند ما بعث رسالة إلى البابا كليمنت الخامس في أفنيون بفريس. ( وانظر نوال الصرفي: المرجع السابق، ص 66 ، 76).

ويعتقد أن الأحباش المسيحيين والأوربيين تعارفوا في أرض فلسطين من خلال الحج بحيث كان هناك الدير الصغير في بيت المقدس، والذي كان يحج إليه الأحباش سنوياً، وبدون أي شك نستطيع القول أنّ الرهبان الأحباش وحجاجهم لابد أنهم كانوا يتلقون بحجاج الدول الأوربية الأخرى، مما أعطى للأوربيين فكرة عامة عن وجود دولة مسيحية في جنوب مصر، رغم ما كان ينقصهم من معلومات دقيقة عن ذلك.

وعلى الرغم من معرفة بعضهم ببعض إلا أنّ ذلك لم يكن يؤثر في النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولعل ذلك بأنّ الحبشة كانت مرطبة بمصر عبر كنيستها، وبالتالي لم يكن بإمكانها الوقوف مع الأوربيين خلال الحروب الصليبية، وذلك أنّ الحبشة كانت تستمد قوتها الروحية من الكنيسة الأرثوذكسية في الإسكندرية التي كانت راعية ما كان للمسيحية على امتداد المنطقة بما فيها الحبشة، بل كانوا دائماً تحت مراقبة حكام مصر بسبب حاجة رهبان لرعاية كنيستها دون إذن مصريين بعد تقديم أجود الهدايا، علماً أنّه حدث أكثر من مرة اضطرابات في داخل الحبشة نتيجة عدم سماح المماليك لأي راهب أرثوذكسي بالسفر إلى الحبشة، ومن هنا كان يلزم على الأحباش مخادعة المصريين عند ما كانوا يقومون الاتصال إلى أوروبا تمويهاً لهم حتى لا تتضرر الكنيسة الحبشية، ومن ذلك كانوا بعض الأحيان يستخدمون غير الأحباش ولو كانوا مسلمين، كما فعلوا عند ما استخدموا تاجراً فارسياً يسمى الحاج نور الدين علي ليعمل واسطة بين يسحاق وبين ملوك الفرنجه خلال حملات المماليك على قبرص عام 829هـ/ 1425م – 1429م، كذلك كتب إلى الفونسو الخامس ملك أرغونة ( 1416م – 1458م) يقترح عليه التحالف ضد المسلمين الذين ينتسب إليهم مسلمو عدال المهددين لمملكته.. وأجاب الفونسو مقترحا المصاهرة بين الأسرتين لتدعيم أواصر التحالف والصداقة، ويستدل على وجود هذا التحالف من ذلك الخطاب الذي أرسله الفونسو إلى زرء يعقوب عام 1450م يشير فيه إلى العلاقة السابقة. .( إبراهيم علي طرخان: المرجع السابق، ص 62).

وهكذا كان الأحباش يتوددون بالعلاقة مع الفرنجى وتحالفهم ضد القوى الإسلامية، ومن هنا لم يكن غريباً عند ما كان الملك الحبشي يميل إلى اقتراحات الفونسو وعقد العلاقة مع الفرنج ، طمعاً أن يحصل التأييد الأوربي المسيحي له في محاربة المسلمين، وقد حملت الملك رغبته في القضاء على الخطر المسلمين في منقطة القرن الإفريقي، ورأي ربط كنيسة الحبشة بروما في نظير مساعدة البابا روحياً ، ومساعدة بعض الدول الأوربية الكاثوليكية مادياً، ومن الغرابة أن بطريق الإسكندرية واقف على وجهة نظره رغم اختلاف بين الكنيستين الأرذوكسية والكاثوليكية، ومن ثم قامت سفارتان من مصر إلى روما عام 1440م إحداهما برئاسة الارشمندريب – وهي وظيفة كهنوتية – أندرو من دير القديس أنطون، والأخرى برئاسة بطرس الشماس. ويضاف إلى ذلك ما قام به ملك الحبشي زرء يعقوب من إرسال راهبين من الدير الحبشي بالقدس لحضور مجمع فلورنسة (1431م- 1445م) المعقود برئاسة البابا ايو جين الرابع. ( إبراهيم علي طرخان: المرجع السابق، ص 62).

فالعلاقة بين الحبشة النصرانية والقوى الأوروبية كانت قديمة، بحيث كان هناك الدير الحبشي الموجود في القدس والذي كان مخصصاً للحجاج الأحباش الذين كانوا يحجون إلى القدس وبأعداد كبيرة. إذاً معنى ذلك أنّ هؤلاء الحجاج كانوا همزة الوصل بين مملكة الحبشة والحركة الصليبية الأوربية التي سادت ما بين القرنين السادس والتاسع الهجريين ( 12 – 14م ) حيث كان الملوك الأحباش على دراية بما يحدث في مصر والشام من معارك بين المسلمين والصليبيين.

ولا شك أن احتكاك الحجاج المسيحيين في القدس من أهم عوامل الاتصال والعلاقة بين الجانبين، ومن هنا قد حاولت الحبشة في عدة مناسبات المشاركة في هذه الحركة الاتصال بالعالم المسيحي العربي، فهذا الملك الحبشي يكونو أملاك – هو مؤسس الأسرة السلميانية – يوفد سفارة إلى الإمبراطور البيزنطي مخائيل الثامن باليولجس ( 1261م – 1282م ) محملة بالهدايا من ضمنها الزرافة. ومن هنا انطلقت هذه العلاقة ولم تتوقف، ولاسيما من جانب الحبشة. بدليل عندما الملك ودم أرعد ( 699هـ- 714هـ/ 1299م – 1314م) بعد أبيه يكونو أملاس المذكور بعث أيضا برسالة إلى البابا كليمنت الخامس أفنيون بفرنسا لتقوية العلاقة واستمرارها. (نوال الصرفي : الجهاد الإسلامي في شرق أفريقية في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ص 77).

وللحديث بقية..

محمد حسين معلم

د. محمد حسين معلم على كاتب له ميول تاريخية بحكم تخصصه في التاريخ والحضارة وله مؤلفات في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى