الأخبارالتقرير الشهريالسياسةتحليلاتمقالات

الخلاف البحري بين الصومال وكينيا: آليات تنفيذ قرار المحكمة الدولية وتداعياته

تمهيد :

للاطلاع على ملف التقرير بصيغة بي دي إف اضغط هنا

 يرجع تاريخ الخلاف البحري بين الصومال وكينيا إلى عام 2005 عندما غيرت كينيا مسار خط الحدود البحرية من جانب واحد خلافا للخط الحدودي البري بين البلدين، محاولة الاستفادة من ظروف الصومال العصيبة في ذلك الوقت، وعدم وجود معاهدة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين مودعة لدى الأمم المتحدة.

وبعد أن تنبه الصومال على الإجراءات الكينية وإصرارها في احتلال جزء من المياه الإقليمية اضطر الصومال بعد استنفاذ حل القضية بالمفاوضات إلى تقديم دعوى قضائية ضد كينيا لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن تحريف مسار الخط البحري الفاصل بين الحدود البحرية الصومالية – الكينية.

رفع الدعوى القضائية

في 28 آب/أغسطس 2014، أودع الصومال عريضة يقيم بها دعوى ضد كينيا تتعلق بنزاع تحديد المناطق البحرية التي تطالب بها الدولتان في المحيط الهندي. وطلب الصومال في هذه العريضة من المحكمة: “أن تحدد، استنادا إلى القانون الدولي، كامل مسار خط الحدود البحرية الوحيد الذي يفصل بين جميع المناطق البحرية التابعة لكل من الصومال وكينيا في المحيط الهندي، بما في ذلك الجرف القاري فيما وراء مسافة 200 ميل بحري.” ولإقامة اختصاص المحكمة، دفع الطرف المدعي بأحكام الفقرة 2 من المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة، وأشار إلى تصريحي قبول الولاية الإجبارية للمحكمة الصادرين وفقا لتلك الأحكام عن الصومال في 11 نيسان/أبريل 1963 وعن كينيا في 19 نيسان أبريل1965،بالإضافة إلى ذلك دفع الصومال بأن اختصاص المحكمة بموجب الفقرة 2 من المادة 36 من النظام الأساسي تؤكده المادة 282 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار” التي صادق عليها كلا الطرفين في عام 1989.

وبموجب أمر مؤرخ 16 تشـرين الأول/أكتوبر 2014، حدد رئيس المحكمة تاريخ 13 تموز/ يوليو 2015 أجلا لإيداع الصومال مذكرته وتاريخ 27 أيار/مايو 2016 أجلا لإيداع كينيا مذكرتها المضادة. وقد أودع الصومال مذكرته في غضون الأجل المحدد. وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر 2015، قدمت كينيا بعض الدفوع الابتدائية بشأن عدم اختصاص المحكمة وعدم مقبولية العريضة.

وفي 2 شباط/فبراير 2017، أصدرت المحكمة قرارها بشأن الدفوع الابتدائية التي أثارتها كينيا. وبعد أن رفضت المحكمة هذه الدفوع الابتدائية، “قضت بأن لها اختصاص النظر في العريضة التي أودعتها جمهورية الصومال الفيدرالية في 28 آب/أغسطس 2014 وبأن العريضة مقبولة”.وقد أجلت جلسات الاستماع العلنية بشأن موضوع الدعوى التي كان من المقرر عقدها في البداية في الفترة من 9 إلى 13 أيلول/سبتمبر 2019، تباعا إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وحزيران/يونيو 2020 وآذار/مارس 2021، على إثر طلبات التأجيل التي تقدمت بها كينيا. وعقدت جلسات الاستماع في شكل مختلط ما بين 15 و 18 آذار/مارس 2021 بمشاركة وفد الصومال. وأصدرت المحكمة قرارها في جلسة علنية في 12 أكتوبر 2021م وحكمت لصالح الصومال في القضية البحرية المتنازع عليها بين البلدين، وهي منطقة يُرجَّح أن تكون غنية باحتياطات هائلة من النفط والغاز.

ويُذكر أن المحكمة قد قبلت معظم الطلبات المقدَّمة إليها من الصومال، كما رسمت المحكمة حدودا نهائية للبلدين وفقا للقانون الدولي “معاهدة القانون البحار ١٩٨٢م”.

نص قرار المحكمة:

بعد مشاورة الخبراء المعنيين أصدرت المحكمة حكما من ستة بنود بإجماع القضاة البالغ عددهم خمسة عشر مع القاضي غيلاوم – حامي مصالح كينيا – ومن جملة بنود القرار الحاسم ما يلي:

حكمت المحكمة بالإجماع

  1. تقضي المحكمة بعدم وجود حدود بحرية متفق عليها بين جمهورية الصومال الفيدرالية وجمهورية كينيا تتبع خط العرض الموصوف في الفقرة 35 من الحكم.
  2. تقرر المحكمة أن نقطة الانطلاق للحد البحري الوحيد الذي يحدد المناطق البحرية المعنية بين جمهورية الصومال الفيدرالية وجمهورية كينيا هو تقاطع الخط المستقيم الممتد من منارة الحدود الأرضية النهائية الموسومة ب (PB 29) بزاوية قائمة على الاتجاه العام للساحل مع خط المياه المنخفضة، عند النقطة ذات الإحداثيين 1 ° 39 ‘44.0 “جنوبًا و 41 ° 33’ 34.4” شرقًا (WGS 84)
  3. قررت المحكمة أن نقطة البداية من القياس؛ حيث قررت أن تتبع خط الوسط الموصوف في الفقرة117 من الحكم عن قياس حدود البحر الإقليمي إلى حد 12 ميلًا بحريًا عند النقطة ذات الإحداثيات 1 ° 47 ‘39.1 “جنوباً و 41 ° 43 ‘46.8 “شرقًا ((WGS 84
  4. قررت المحكمة رفضها الكامل لمطالب الصومال التي قدمتها جمهورية الصومال الاتحادية في مطالبتها النهائية رقم4 عند مرافعتها الشفوية وهي مطالبة التعويض، وطلب اعتراف المحكمة بالتجاوزات الكينية لسيادة مياه الصومال البحرية.

“حكمت المحكمة بالأغلبية عشرة مقابل خمسة أو عشرة مقابل أربعة

  1. بأغلبية عشرة أصوات مقابل أربعة قررت المحكمة -اعتبارًا من نهاية الحدود في البحر الإقليمي ” النقطة أ” – يكون الحد البحري الوحيد الذي يحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري بين جمهورية الصومال وكينيا حتى 200 ميل بحري بالخط الجيوديسي بدءًا من السمت 114 درجة إلى حد 200 ميل بحري المقاس من خطوط الأساس؛ حيث يقاس عرض البحر الإقليمي لجمهورية كينيا عند نقطة إحداثيات 3 ° 4 . وعارض هذا البند كل من القاضي ابراهام من فرنسا وعبد القوى يوسف من الصومال وبنداري من الهند وسلام من لبنان.

“بأغلبية تسعة أصوات مقابل خمسة

  1. قررت المحكمة بدءا من “نقطة باء ” أن تستمر الحدود البحرية التي تحدد الجرف القاري على طول نفس الخط الجيوديسي حتى تصل إلى الحدود الخارجية للجرف القاري أو المنطقة التي قد تتأثر حقوق دولة ثالثة. ؛ 21.3 “جنوبًا و 44 درجة 35 دقيقة 30.7” شرقًا (WGS 84) (النقطة B)) وعارض هذا الرأي كل من القاضي أبراهام من فرنسا، عبد القوى يوسف من الصومال ، بهانداري من الهند ، روبنسون من جميكا، وسلام من لبنان .

الرأي الانفرادي للقاضي عبد القوي؛

عبد القوي يوسف – رئيس محكمة العدل الدولية السابق- اتفق مع القضاة في أربعة بنود كما أسلفنا وقدَّم رأيا منفصلا بشأن بنود عارض فيها الأغلبية وفقا للمادة “٥٧” من النظام الأساسي للمحكمة، والمادة “٩٥/٢” من لائحة المحكمة ١٩٧٨م.

ويقع رأي القاضي في خمسة عشر سطرا ، عارض بشدة ما سماه “إعادة صياغة قضائية للجغرافيا” والتي لا يمكن اعتبارها إلا محاولة لتشكيل جغرافي جديد .كما عارض على تفسير المحكمة في تعيين خط الوسط باتجاه البحر الإقليمي؛ مستشهدا باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي نصت على أن طريقة القياس لخط الأساس العادي يجب أن تكون “خط المياه المنخفضة على طول الساحل في قياس أنفاس البحر الإقليمي – في ترسيم الحدود” .

وذكر “عبد القوي” أن المحكمة لم تأخذ في الاعتبار حقيقة اتفاق كينيا مع تنزانيا، و لم يتم تقديم أي أساس قانوني لتبرير حكم المحكمة في تعديل الخط المؤقت المتساوي البعد باستثناء ما يسمى “الفصل الخطير”.وعارض عبد القوي ما عنوته المحكمة “التكوين الجغرافي وتأثيراته على الخطوط المتساوية البعد” حيث وصفها بـ “الاستخدام غير المسبوق للكلمات”.

حذر القاضي عبد القوى في رأيه الانفرادي من أن تتلقى دولة جزءًا من مياه دولة ضد ادعاء لا أساس له من القانون فيكون ذلك عرفا دوليا دون وثائق مقدمة للمحكمة، وانخراط المحكمة في تقدير ظروف سياسية على حساب القانون الدولي.

الأبعاد القانونية للقرار:

إن القرار يعطي دفعة قوية للصومال، ويزيد من يقظة كوادرها القانونية من خلال خبرتهم المكتسبة في هذا النزاع حول مراجعة حدودها البرية والبحرية، وفتح ملف ترسيم حدودها البحرية مع كل من جيبوتي واليمن مما يفتح بابا جديدا للقارة يكون القضاء الدولي مدخلا حصريا لتسوية النزاعات بين الدول.

أما من ناحية كينيا فمع خيبة أملها في مسعاها إلا أنه لم تعد خالية الوفاض؛ حيث حصلت على نصيب من الأرض بعيدا عن قواعد القانون الدولي المعروفة وإنما أخذ القضاة في الاعتبار مبدأين أحدهما سياسي وهو تأمين رضا الطرفين، والآخر قانوني وهو أن تجد كينيا منفذا لأعالي البحار، وهذا حق مشروع لكل الدول الشاطئية، وهو ما لم يكن بالإمكان الحصول عليه إلا من خلال القضاء الدولي.

وتجدر الإشارة إلى أنه إذا أصرت كينيا على رفضها للشرعية الدولية فقد تفقد أكثر مما تسعى إليه باعتبار أن الصومال قادر على فتح ملف الإقليم الصومالي المتروك لها، والذي لم يُحسم أمره من الجانب الصومالي.

التداعيات السياسية للقرار

ألقت الأوضاع السياسية السائدة في الدولتين وفي الإقليم ظلالها على النزاع الحدودي بين البلدين، وأفرزت حالة من الحشد الشعبي وشحذ الهمم وخطب سياسية ساخنة، وتزامن كل ذلك مع موسم الانتخابات الرئاسية في الصومال وقرب الاستحقاق الانتخابي الكيني، وهذا يفسر حالة الاستقطاب والرفض الكيني لقرار المحكمة الدولية بسبب تأثير الضغوط السياسية للمعارضة الكينية على الرئيس ومناكفات سياسية أخرى، بينما في الصومال أتى الحكم بردا وسلاما على الفرقاء السياسيين، وأنهى حالة من الجدل والتخوين السياسي واللغط الإعلامي الذي رافق ملف النزاع البحري مع كينيا. ولكن بالنظر إلي الأمد البعيد يظل الصومال وكينيا بلدين جارين، ويتشاركان الكثير من المصالح والصلات الاجتماعية والاقتصادية. وليس من الوارد أن يعيق حكم المحكمة التعاون المشترك بين البلدين لحاجة كل منهما الآخر، ومن الممكن إدارة الخلافات بينهما، وأن ما يتفق عليه البلدان أكبر من الخلاف الحدودي أو أي عارض آخر .

وبطبيعة الحال يفرض قرار محكمة العدل الدولية تداعيات عدة على الأطراف المعنية بالأزمة، وما سيأتي في المستقبل من التفاعلات الداخلية في كل من الصومال وكينيا، وانعكاسات ذلك على الصعيد الإقليمي في القرن الأفريقي بشكل عام، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- الأوراق الصومالية: 

نجح الصومال دبلوماسيا بإمكانياته المتواضعة مقارنة بالجانب الكيني؛ حيث قام بإدارة ملف النزاع الحدودي البحري باقتدار وحكمة وبدبلوماسية هادئة امتصت الضغوط الدولية والإقليمية التي مورست ضده لثنيه من تقديم الدعوى القضائية، ومحاوله سحب القضية من أروقة القضاء الدولي والتشكيك بقدرات الصومال باستعادة إقليمها باللجوء لمحكمة العدل الدولية؛ ولكن الصومال نجح بمراهناته على القضاء الدولي.

وعزز سياسيا توحيد الجبهة الداخلية التي وضعت خلافاتها جانبا، ووقفت صفا واحدا للدفاع عن وحدة وسلامة وسيادة البلاد. والفضل في ذلك يعود إلى الأنظمة المتعاقبة بدءا من نظام الرئيس السابق شريف شيخ أحمد الذي اعترض على الادعاء الكيني بملكية المثلث الحدودي، ونظام الرئيس السابق حسن شيخ محمود الذي لجأ للقضاء الدولي بعد فشل المفاوضات بين البلدين، ونظام الرئيس محمد فرماجو الذي رفض الرضوخ للضغوط الدولية والإقليمية لسحب الدعوى.

وسيستفيد اقتصاديا من مساحة بحرية من إقليمه غنية بالموارد والثروات النفطية والسمكية، مما قد يسمح لها بتوقيع عقود وامتيازات جديدة مع الشركات الدولية للتنقيب عن النفط والثروات الأخرى في المنطقة.

2- كينيا: يسعى الرئيس “كينياتا” إلى إثارة الرأي العام الكيني ضد القرار، وتشتيت الانتباه على الفشل، والتخبط في إدارة ملف النزاع مع الصومال؛ وذلك لتخفيف الضغوط على النظام الحاكم بشأن خسارة القضية، وحتى لا تستفيد المعارضة من هذا الملف، وخاصة بعد تسريبات وثائق باندورا حول امتلاك عائلته حسابات وأصولا خارجية وشبكة شركات سرية تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات، والتي قد تؤثر عليه سلبا على حظوظ حزبه خلال الانتخابات المقبلة في البلاد.

وستحاول كينيا توظيف عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي لتعطيل أي قرارات تخص هذه الأزمة خلال الفترة المقبلة، ولكن من المستبعد أن تؤتي تلك الخطوة أي نتائج قد تخدم كينيا. ومن تبعات قرار المحكمة الدولية فسخ العقود التي أبرمتها الحكومة الكينية مع الشركات الدولية بهدف استغلال ثروات المنطقة التي كانت متنازع عليها مما سيتسبب بخسائر وتعويضات تطالب بها الشركات التي منحتها كينيا امتيازات للتنقيب عن النفط في المنطقة.

3- منطقة القرن الأفريقي: قد تتطور النزاعات الحدودية في المنطقة إلى صراعات دموية على غرار النزاع الحدودي بين إثيوبيا وإريتريا على منطقة “بادمي” منذ عام 1998 ، في حال عدم تنفيذ القرار وانصياع كينيا للقانون الدولي، الأمر الذي يقوض الاستقرار الإقليمي ويعصف بتطلعات شعوب القرن الأفريقي بالتكامل الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، فضلًا عن تصاعد توتر العلاقات الثنائية بين البلدين والانعكاسات السلبية على الأوضاع الأمنية في البلدين، وتراجع الجهود الثنائية فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب، والحد من الهجرة والجرائم المنظمة.

آليات تنفيذ القرار:

معلوم أن الأحكام القضائية الدولية ملزمة ونهائية، ولكن ليست هناك سلطة تنفيذية مختصة لإنفاذ القرارات على غرار القوانين الداخلية بمعنى ليس هناك سيادة تعلو فوق سيادة الدول كما أقر القانون الدولي. ومع هذا هناك من الآليات ما يكفي لتنفيذ الأحكام الدولية لاسيما أن التعاون الدولي والمصالح المشتركة تطغي على المصالح الفردية لكل دولة؛ حيث أصبحت المنظمات الإقليمية والدولية تراعى المصالح المشتركة بين الدول وتنفيد الأحكام الدولية، وتقرب وجهات النظر بين الدول بشأن النزاعات الدولية.

وعلى هذا الأساس يجمع المراقبون على أن قرار المحكمة العدل الدولية سينفذ في نهاية المطاف، وخاصة بعد إسدال الستار على الاستحقاق الرئاسي في كينيا أسوة لما حدث في تجارب مماثلة في أفريقيا مثل نيجيريا في نزاعها مع الكاميرون في بكاسي بنسلا، وفي العالم مثل الولايات المتحدة في نزاعها مع نيكاراغوا عام 1986، وفي حال أصرت كينيا على رفضها القرار فهناك من الآليات الدولية ما يكفي لجعلها تنصاع وتمتثل للقرار الدولي وإلا ستصبح دولة مارقة وخارجة عن الشرعية الدولية،

“فالمادة 94/1 من ميثاق الأمم المتحدة تفرض على الدول احترام المحكمة”

“يتعهد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها. بينما الفقرة الثانية من المادة 94/2 من الميثاق تحدد تنفيد القرار كأحد مهام مجلس الأمن.

“اذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته أو يصدر قرار بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذاالحكم”.

“الولايات المتحدة تقبل قرار الدولية لصالح نيكاراغوا عبر ضغوط أممية”

نيكاراغوا: قدمت شكوى إلى محكمة العدل الدولية في 9 أبريل 1984تفيد أن الولايات المتحدة تنتهك القانون الدولي باستخدام القوة العسكرية ضد نيكاراغوا والتدخل في الشؤون الداخلية لنيكاراغوا، وذلك في انتهاك لسيادتها وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي. في الوهلة الأولي دفعت الولايات المتحدة بأن المحكمة لم يكن لديها اختصاص للنظر في القضية كما فعلت كينيا، لكنها قوبلت بالرفض؛ حيث قررت المحكمة اختصاصها في الدعوى وفق للفقرتين 2 و 5 من المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة.

وفي نهاية المطاف قررت المحكمة خرق الولايات المتحدة للقانون الدولي من خلال دعم المعارضة المسلحة في الحرب ضد حكومة نيكاراغوا وتفخيخ الموانئ في نيكاراغوا؛ حيث حكمت المحكمة لصالح نيكاراغوا -ضد الولايات المتحدة الأمريكية- مما دفع أمريكا إلى رفض الحكم الصادر، وأقرت المحكمة بأن الولايات المتحدة قامت باستخدام القوة بشكل غير شرعي. ورفضت الولايات المتحدة بدورها قرار المحكمة؛ حيث كانت تدافع نفسها بأن العمليات الأمريكية ضد نيكاراغوا كانت دفاعًا عن النفس، وأن المسألة تقع خارج صلاحيات المحكمة ، وأن الولايات المتحدة من الدول الموقعة على معاهدة إنشاء المحكمة باستثناءات وشروط خاصة مما يجعل بعض القرارات غير ملزمة، ومع كل هذا أصدرت المحكمة قرارها بشأن القضية بأغلبية 11 مقابل 4.

وضح الحكم عدة مبادئ تتعلق بمنع استخدام القوة وحق الدفاع عن النفس. و اعتبر تسليح وتدريب المعارضة نوعاً من خرق مبادئ عدم التدخل والإخلال بمبدأ عدم استخدام القوة، في تلغيم المياه الإقليمية.

كان على الولايات المتحدة امتثال قرار المحكمة كما تنص المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة.

“يتعهد كل عضو في “الأمم المتحدة” بالامتثال لقرار محكمة العدل الدولية في أي قضية يكون طرفا فيها” في أية حالة أخفق أي طرف في قضية ما في الوفاء بالالتزامات الواقعة عليه بموجب حكم صادر عن المحكمة ، فيجوز للطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، كما أشرنا سابقا.

بحث القضية عن أورقة الأمم المتحدة:

بشأن قضية الولايات المتحدة مع نيكاراغوا لم تتخذ أجهزة الأمم المتحدة أي قرار يتعلق بالمادة 94، ومع ذلك بعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بشأن موضوع الدعوى المتعلقة بالأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا غير ملزم بهدف الضغط على أمريكا لتسديد الغرامات المالية التي فرضها قرار المحكمة؛ حيث وجدت المحكمة أن الولايات المتحدة قد انتهكت عددًا من التزاماتها بموجب القانون الدولي العرفي ومعاهدة 1956 للصداقة والتجارة والملاحة مع نيكاراغوا، وقد صوتت إلى جانب أمريكا كل من إسرائيل والسلفادور التي كانت تواجه خلافات ونزاعات خاصة مع نيكاراغوا، في حين صوت بقية الأعضاء لصالح نيكاراغوا.

إحالة القضية إلى مجلس الأمن

وجه الممثل الدائم لنيكاراغوا لدى الأمم المتحدة رسالتين إلى رئيس مجلس الأمن ذكر فيها أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تفِ بالتزاماتها الناشئة عن حكم المحكمة في جلسته المعقودة في ٣١ تموز / يوليه ١٩٨٦ ، شرع المجلس في العمل للتصويت على مشروع قرار مقدم من الإمارات العربية المتحدة والكونغو وغانا ومدغشقر ، والذي كان من الممكن بموجبه أن يوجه نداءً عاجلاً للامتثال الكامل لحكم محكمة العدل الدولية.

 بحث القضية في الجمعية العامة

في 3 تشرين الثاني / نوفمبر 1986 ، اتخذت الجمعية العامة القرار 41/31 ، الذي أشارت فيه إلى أن محكمة العدل الدولية ، بموجب ميثاق الأمم المتحدة ، هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة ، ويتعهد كل عضو للامتثال لقرار المحكمة في أي قضية يكون طرفاً فيها، ودعت على وجه الاستعجال إلى الامتثال الكامل والفوري للحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية في 27 حزيران / يونيه 1986 في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها ، وفقا للأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة .وأخيرا بعد كل تلك الضغوط سددت الولايات المتحدة الغرامات المستحقة بعد فترة طويلة من الامتناع.

“نيجيريا تقبل حكم العدل الدولية لصالح الكاميرون بتدخل أممي”

في 29 آذار / مارس 1994 ، أودعت الكاميرون في قلم المحكمة طلبًا لإقامة دعوى ضد نيجيريا فيما يتعلق بمسألة السيادة على باكاسي ، ويطلب من المحكمة تحديد مسار الحدود البحرية بين الدولتين بقدر ما لم يتم إنشاء تلك الحدود في عام 1975. وكأساس لاختصاص المحكمة ، أشارت الكاميرون إلى الإعلانات الصادرة عن الدولتين بموجب الفقرة 2 من المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة ، والتي قبلت بموجبها تلك الولاية القضائية باعتبارها لا يقاوم.

  • الكاميرون.. طلبت من المحكمة أن تقرر وتعلن أن السيادة على شبه جزيرة باكاسي كانت قائمة بحكم القانون الدولي ، وأن نيجيريا قد انتهكت المبدأ الأساسي لاحترام الحدود الموروثة من الاستعمار والقواعد الأخرى للقانون الدولي التقليدي والعرفي ، وأن المسؤولية الدولية لنيجيريا هي مسؤولية متضمن. وطلبت الكاميرون أيضا من المحكمة أن تمضي قدما في إطالة مسار حدودها البحرية مع نيجيريا حتى حدود المنطقة البحرية التي وضعها القانون الدولي تحت سلطة كل منهما.

في 6 يونيو 1994 ، أودعت الكاميرون في السجل طلبًا إضافيًا “لغرض توسيع موضوع النزاع” ليشمل نزاعًا آخر وُصِف بأنه يتعلق أساسًا “بمسألة السيادة على جزء من أراضي الكاميرون في منطقة بحيرة تشاد “، بينما طلبت أيضًا من المحكمة أن تحدد بشكل نهائي الحدود بين الكاميرون ونيجيريا من بحيرة تشاد إلى البحر.

في الوهلة الأولي رفضت نيجيريا اختصاص المحكمة في القضية، وعقدت المحكمة جلسات استماع في الفترة من 2 إلى 11 آذار / مارس 1998 بشأن الدفوع الابتدائية التي قدمتها نيجيريا. وخلصت المحكمة في حكمها المؤرخ 11 حزيران / يونيه 1998 ، إلى أن لها اختصاص الفصل في الأسس الموضوعية للنزاع، وأن طلبات الكاميرون مقبولة. ورفضت المحكمة سبعة من الدفوع الابتدائية التي قدمتها نيجيريا .

في حكمها المؤرخ 10 تشرين الأول / أكتوبر 2002 ، قررت المحكمة أن الحدود قد تم ترسيمها بموجب الاتفاق الأنجلو-ألماني المؤرخ 11 مارس 1913 (المواد من الثامن عشر إلى العشرين) وأن السيادة على شبه جزيرة باكاسي تقع على عاتق الكاميرون، وأن على نيجيريا سحب إدارتها وقواتها العسكرية، ورفضت نيجيريا حكم المحكمة المتعلقة بشأن تنفيذ حكم صادر عن محكمة العدل الدولية بتسليم شبه جزيرة (باكاسي) الغنية بالنفط والمتنازع عليها إلى الكاميرون؛ ولكنها في النهاية وافقت على قرار المحكمة بمنح الكاميرون السيادة على شبه جزيرة غنية بالنفط في خليج غينيا متنازع عليها بين البلدين منذ عشر سنوات بعد تدخل أممي في القضية.

الخاتمة

إن الصومال وكينيا عضوان في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية الأخرى، وأن ديباجة دستورهما تنص على احترام القانون الدولي والمعاهدات الدولية، والتي من بينها المعاهدات التي صادقا عليها، وبالتالي يُفترض منهما الالتزام بتعهداتهما القانونية، إضافة إلى مراعاة التاريخ المشترك وعلاقات حسن الجوار، وهذا بطبيعة الحال يقتضي التعاون المشترك وتنفيد الأحكام الدولية بحسن نية.

وعليه؛ تبدو احتمالات التصعيد بين الطرفين الصومالي والكيني ضئيلة، وإن لم تكن مستبعدة خلال الفترة المقبلة، خاصة أن الرفض الكيني لقرار محكمة العدل الدولية وإصرار الحكومة الكينية على أحقيتها بالمناطق البحرية بعد صدور الحكم يمكن تفهُّمه في سياق الاستحقاق الانتخابي القادم، وأن انقشاع سحابة الحملات الانتخابية كفيل بعودة المياه إلى مجاريها والأوضاع إلى طبيعتها.

وللحفاظ على حالة الهدوء السائدة بين الطرفين يجب ممارسة ضغوط دبلوماسية من خلال الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي على كينيا؛ وذلك بهدف إلزام الجانب الكيني بالحكم الصادر من القضاء الدولي.

ومن جهة ثانية فإن كسب الصومال القضية لصالحه يعد نصرا قانونيا مهما إلا أنه ليس نهاية النزاع القائم حول المياه من الناحية الواقعية حتى ترضخ كينيا للشرعية الدولية وتحترم التزاماتها القانونية والدولية؛ وذلك لتفادي إحداث حالة من عدم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وفتح الأبواب لنزاعات جديدة في القارة السمراء التي لم تُرسم حددوها بعد.

المصادر والمراجع :

1- الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وكينيا: قراءة في الخلفيات واستشراف المآلات

https://somaliacenter.com/2019/03/25/الأزمة-الدبلوماسية-بين-الصومال-وكيني/

2- MARITIME DELIMITATION IN THE INDIAN OCEAN

(SOMALIA v. KENYA) 12, October 2021.

https://www.icj-cij.org/en/case/161

3- SEPARATE OPINION OF JUDGE YUSUF, 12, October 2021.

https://www.icj-cij.org/public/files/case-related/161/161-20211012-JUD-01-03-EN.pdf

4- Implementing the International Judicial Ruling, Manar Salim 20

5- The United Nations Convention on the Law of the Sea (UNCLOS), 10 December 1982.

https://www.un.org/depts/los/convention_agreements/texts/unclos/unclos_e.pdf

6- Charter of the United Nations, Signed: 26 June 1945.

https://www.un.org/en/about-us/un-charter

7- Statute of the International Court of Justice, Signed: 26 June 1945.

https://www.icj-cij.org/en/statute

8- RULES OF COURT (1978) ADOPTED ON 14 APRIL 1978 AND ENTERED INTO FORCE ON 1 JULY 1978.

https://docentes.fd.unl.pt/docentes_docs/ma/sis_MA_31678.pdf

9- تقرير محكمة العدل الدولية،أغسطس 2019- يوليو 2020

https://www.icj-cij.org/public/files/annual-reports/2019-2020-ar.pdf

10- كيف يبدو مستقبل العلاقات الصومالية – الكينية؟ – مركز الأهرام

https://acpss.ahram.org.eg/News/17311.aspx

11- حكم محكمة العدل الدولية نيكارغوا ضد الولايات المتحدة

https://www.icj-cij.org/public/files/case-related/70/070-19841126-JUD-01-00-EN.pdf

12- حكم محكمة العدل الدولية نيجيريا ضد الكاميرون

https://www.icj-cij.org/public/files/case-related/70/070-19841126-JUD-01-00-EN.pdf

علي شيخ يوسف

باحث ومستشار قانوني

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تقرير مهم ومفيذ اجتهد الاخ العزيز وهذا التقرير يدل على مدى متابعة الاخ الموضوع وفهم العميق في لب الموضوع شكرا لكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى