السياسةالصومالبحوث ودراساتمقالات

الصراع السياسي فى الصومال: الاستعمار والبعد التاريخي (2)

ميلاد الدولة و تبدد حلم الصومال الكبير:

تم إنشاء الدولة الصومالية الحالية على أنقاض اقتسام القرن الأفريقي بين الإمبراطورية البريطانية والفرنسية، والإيطالية، والأثيوبية في الحقب التاريخية المعروفة بفترة تدافع الأوربيين لاقتسام أفريقيا في القرن التاسع عشر، وتم ترسيم الحدود السياسية الحالية لجمهورية الصومال تنفيذاً لمعاهدات بين قوى الاستعمار المحتلة لوطن الصومال؛ وبالتالي لا تشكل هذه الحدود المصطنعة الحدود الطبيعية لمجتمع الصومال الكبير. ونتيجة طبيعية لذلك الاحتلال الغاشم وما ترتب عليه من تشوهات في الاستقلال المنشود لكل أجزاء الصومال أدت هذه الحدود السياسية المصطنعة التي رسمها المستعمر إلي تمزيق موطن المجتمع الصومالي الطبيعي إلي خمسة أشلاء هي جمهورية الصومال الحالية، وتمثل هذا المنطقة موطن غالبية أفراد المجتمع الصومالي الكبير، بينما توزع باقي أفراد المجتمع الصومالي في أراضي واقعة داخل الحدود السياسية لكل من كينيا، أثيوبيا وجيبوتي. لم تكن لجمهورية الصومال وجود سياسي كدولة ذات سيادة على أرضها خلال الفترة الاستعمارية وما قبلها، وإنما تشكلت أساساً من توحيد أراضي ما كان يعرف بمحمية الصومال البريطاني، والتي استقلت في 26 يونيو في عام 1960م، مع أراضي ما كان يعرف بالصومال الايطالي والتي استقلت في 1 يوليو 1960م. علما أن غرة يوليو هو نفسه يوم إعلان توحيد شطري الوطن شماله وجنوبه وقيام جمهورية الصومال الموحدة.

كان حلم الصوماليون في تحقيق الوحدة بين أجزاء الصومال كبيرا فيما قبل ميلاد الدولة الصومالية لاسيما تحت علم ودولة واحدة، ولذلك نشطت الحركات الوطنية في كل شبر من الأراضي الصومالية في القرن الأفريقي، ظهرت أحزاب هنا وهنالك تنادى بالوحدة وتناضل من أجل ذلك، ولقد كان للصوماليين ارتباطات مع بعضهم البعض في الأقاليم المختلفة يشارك عناصرها بأفكار القومية الوحدوية، خاصة إن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كان شعور القومية الصومالية قد بلغ مبلغه بعد تبني بريطانيا فكرة مشروع الصومال الكبير. ففي الجنوب مثلا برزت حركة سياسية مركزية شبابية صومالية استطاعت أن تستقطب ولاء الصوماليين في صومالهم الكبير، وعرفت باسم “حزب وحدة الشباب الصومالي”SYL”.

وقد تكون الحزب من لقاء ثلاثة عشر شاب صومالي في مايو 1943م ، في مقديشو، وفي ظل إدارتها الإنجليزية عكست انتماءات هؤلاء الشباب معظم قبائل الصومال، اتخذ الحزب رمزا له يتكون من خمس نجوم بيضاء، منثورة في مساحة العلم ممثلة الأقسام الخمسة التي تتجزأ إليها الأراضي الصومالية. و نشأ حزب وحدة الشباب في ظروف الانفراج التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كما اتفقت نشأته مع ترويج السياسة الإنجليزية لفكرة الصومال الكبير والتي يعتبر وزير الخارجية البريطانية أرنست يبفن أحد مهندسيها، وركز الحزب على أيامه الأولى إنشاء الفروع في مختلف أنحاء الصومال الكبير وتعميق الإحساس بقضية القومية الصومالية. وعلى الرغم من أن الحزب قد اتخذ في بداية الأمر صورة نادي ثقافي واجتماعي، إلا أنه تحول إلى حزب سياسي في عام 1947م . وفي نفس الوقت ظل الحزب الرئيسي والأهم في تاريخ الأحزاب في الصومال الحديث.

وثمة أحزاب أخرى لعبت أدوارا مختلفة في الصومال الإيطالي كحزب وحدة صوماليا الكبرى الذي تأسس في يونيو عام 1958م بعد خلافات حدثت داخل حزب وحدة الشباب لأسباب أيديولوجية تطورت فيما بعد حتى أدت إلى فصل السيد : محمد حسين حامد من الحزب، وهو الذي قاد الحزب ” وحدة صوماليا الكبرى” لاحقا، وقد عرف هذا الحزب وقيادته بعدائهم المفرط للإيطاليين وكل ماله صله بالغرب، وناضل الحزب من أجل تحقيق الاستقلال والتحرر من التبعية الاستعمارية وتوحيد كافة الوطن الصومالي.

ويلحق بالأحزاب التي نشطت في المحمية الإيطالية حزب الدستور المستقل ” H.D.M ” حيث ظهر إلى الوجود في مارس 1947م، ويعتبر الشيخ عبد الله شيخ محمد ” بغدي ” مؤسس هذا الحزب، وقد سعى الحزب بجانب أهدافه القومية المتمثلة في الحصول على الحرية والاستقلال إلى إيجاد معايير عملية نحو تشجيع الزراعة والتجارة والعمل على ما يعيد النفع والخير والسعادة على المجتمع الصومالي.

وعلى الرغم من أن القبلية قد لصقت بالحزب من قبل البعض مبكرا مع بداية ظهوره، إلا أنه لم يكن على تلك الهيئة بالمفهوم المتعارف عليه داخل المجتمعات القبلية، وإن بدا من اسمه أولا أنه حزب فبلي محض إلا أنه قد تبنى أهدافا قومية اقترح خلالها اللامركزية الإقليمية أساسا في الحكم وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية. وقد حقق نجاحات محددة في الانتخابات المختلفة، خاصة نتائج الانتخابات السياسية في صوماليا 1956م. إذ فاز بثلاثة عشر مقعدا محصلا بذلك أعلى نتيجة بعد حزب وحدة الشباب الصومالي الذي صارت عدد مقاعده 43 مقعدا من مجموع المقاعد المقدرة للصوماليين بـ 60 مقعدا .

ومن الأحزاب التي برزت في ساحة الصومال الإيطالي اتحاد شباب حمر الذي تركزت نشاطاته في إقليم الساحل ” ساحل بنادر ” وكانت اتجاهاته تمثل نواحي اجتماعية واقتصادية أكثر من غيرها، وسعى الاتحاد إلى الحفاظ على المصالح الاقتصادية للبنادريين . وقد شهد عام 1947 م أحزابا ذات نزعات قبلية بحتة أمثال: اتحاد شباب أبجال 13 /فبراير 1947م، وهداية الإسلام شيدلى وموبلين ” 5/ أكتوبر 1947م ، واتحاد بيمال ” ا يوليو  1947م، وغيرها، وكل هذه الأحزاب كانت تتركز أهدافها في مسائل قبلية بحتة بيد أنها تحالفت فيما بعد في مسمى حزب المؤتمر الصومالي ” 18 سبتمبر 1947م ” والذي كان عبارة عن تحالف أحزاب شعرت التهديد من سيطرة قبائل معينة في حزب وحدة الشباب الصومالي.

أما في شمال الصومال فقد بدأت الحركة الوطنية التي نادت بوحدة الصومال الكبير بالتزامن مع الحركات الوطنية في باقي أجزاء الصومال ” الصومال الإيطالي، الفرنسي، الغربي ” وكانت الرابطة الوطنية الصومالية التي تأسست في عام 1947 م هي الأكثر حضورا في الساحة الشمالية لتكون الحزب الثاني على مستوى جمهورية الصومال فيما بعد الإتحاد. وقد تبنى حزب الرابطة رؤية مبنية على أهداف سامية من بينها الاستقلال التام وتوحيد أجزاء الصومال الخمسة تحت راية واحدة، ورفع مستوى المعيشة وتنمية الاقتصاد الوطني، ومحو الأمية عبر نشر التعليم الإسلامي وأفكار حديثة، إضافة إلى محاربة القبلية ذلك المرض العضال الذي يعوق كل الجهود النضالية والأعمال الوطنية الأخرى، فصار الحزب نواة حقيقية للتحرك الوطني من أجل الاستقلال. كانت هنالك أيضا أحزاب أخرى في الشمال مثل الجبهة الوطنية المتحدة والحزب الصومالي الموحد وفي الوقت نفسه ظلت القبلية والعشائرية تمارس تأثيرا قويا على حركة التفاعلات السياسية؛ حيث إن الأحزاب الثلاث التي نشأت في شمال الصومال كانت تستمد قوتها ونفوذها السياسي من كونها تعبيرا سياسيا وحزبيا عن جماعات إثنية معينة في الإقليم.

وكذلك تحركت نفس المشاعر في الصومال الفرنسي بقيادة المناضل: محمد حربي، والذي أسس لاحقا حزب التحرير الديمقراطي الذي جعل مبادئه الرئيسية قيادة الشعب نحو استقلال تام، والسعي إلى الوحدة بين محميات الصومال وجمعها تحت راية واحدة بجانب نبذ القبلية، وتشجيع وتوحيد أسس النضال في الأجزاء الصومالية الباقية.

وبطبيعة الحال استمر النضال ضد الاستعمار بمسمياته المختلفة وفي كل المحميات الصومالية مع إيجاد هدفين رئيسيين، محاربة المستعمر وتوحيد الصومال الكبير . وظل حزب وحدة الشباب هو الأكثر كفاءة في قيادة مشروع الوحدة لانتشاره في ربوع الأراضي الصومالية كافة والدعم الذي تحصل من السلطات الإنجليزية، والتي كان هدفها المستقبلي الانفراد في الساحة واستمرار الاحتلال للبلاد من خلال وضع وصاية تستند إلى شرعية دولية بعد تأمين الموافقة الداخلية لتعاملها الإيجابي مع القوى الوطنية المتمثلة بحزب وحدة الشباب الصومالي.

حدثت حوادث متفرقة ومفصلية في عامي 1948 و 1949م مثل معركة “عاشت” التي بدأت بمظاهرات عمت في أرجاء مقديشو وذلك يوم 11 يناير 1948 م قتل فيها شهداء صوماليون من بينهم المناضلة ” حواء تاكو” التي اعترفت لاحقا رمزا للنضال والإباء . وقد صادفت تلك المظاهرات في نفس ذلك التاريخ زيارة لجنة أممية تابعة للأمم المتحدة مكونة من دول الحلفاء المنتصرة في الجرب العالمية الثانية بريطانيا وفرنسا وروسيا للبلاد بهدف تقصى الحقائق. ” إذ دارت المعركة بين الصوماليين والبريطانيين Dhagaxtuur إضافة إلى الحادثة المشهورة بـ طغحتور “

استخدم فيها الأخير القوة المفرطة ولكن الصوماليون نجحوا كذلك بشن هجمات شرسة على المستعمر مما مهد الطريق إلى فتح نقاش في الجلسة العامة للأمم المتحدة في سبتمبر عام 1949م، حول مصير الدول التي استعمرتها ايطاليا سابقا ومن بينها الصومال .وقد بعث حزب وحدة الشباب السيد عبد الله عيسى إلى جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك ليلقي خطابا يعبر فيه موقف المجتمع الصومالي. أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة 21 نوفمبر عام 1949م قرارا يقضى تسليم الصومال لإيطاليا لمدة 10 سنوات من أاجل الوصاية وبرعاية الأمم المتحدة.

ففي إبريل من عام 1950 تسلم الإيطاليون إدارة البلاد تشرفها على ذلك الدول الثلاث مصر والفلبين وكولومبيا ممثلين للأمم المتحدة. كان موقع إيطاليا الجديد في مستعمراتها السابقة في الصومال دقيقا ووثيقا تم تحديده في اتفاقية الوصاية بالأمم المتحدة التي تحملت المسئولية عن الأراضي الصومالية، و طلب من الإدارة الايطالية الموكلة لأمر الوصاية تعزيز التنمية ودعم إيجاد مؤسسات سياسية حرة، وكذلك التنمية السكانية للأراضي مما يقود إلى استقلال حقيقي. ولتحقيق ذلك يلزم على الإدارة الايطالية توزيع المسئولية السياسية والإدارية والرقابية للصوماليين على وطنهم بهدف تدريبهم تحت إدارة وخبرات الايطاليين المخولين للوصاية. تضمنت كذلك الاتفاقية المنصوصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 ديسمبر عام 1950م، مرفقا يوضح المبادئ الدستورية الضامنة لحقوق الصوماليين وتنفيذها بيد أن الايطاليين لم يلتزموا منها إلا اليسير. ولكن الإصرار من قبل المجتمع الصومالي بإيجاد دولة صومالية بالكامل أدى إلى تشكيل حكومة ذاتية من قبل حزب وحدة الشباب بقيادة السيد عبد الله عيسى في عام 1956م وواجهت حكومته معظم مشاكل البلاد بإرادة حرة وصارمة أثناء الحكم الذاتي.

وجملة القول: إن الحكم الذاتي أدى إلى استقلال الصومال بجزأيه الشمالي والجنوبي في عام 1960م محققا بذلك نوعا من الإنجاز في توحيد الشطرين، ولكن ما تم الإخفاق فيه هو طرد المستعمر من الأجزاء الأخرى الصومالية وجمعها في راية واحدة . جهود مضنية بذلت في سبيل ذلك ما قبل الاستقلال وما بعده ولكنها لم تكلل بالنجاح بأسباب تأتى في مقدمتها رفض البريطانيين التعاون مع الرغبة الصومالية في أمر الوحدة وما أقدمت عليه دول الجوار (إثيوبيا و كينيا ) من ابتلاع أجزاء صومالية وثم ضمها إلى أراضيها لئلا تقوم للصومال الكبير المزعوم في نظرهم قائمة، بعد ذلك التقسيم المصبوغ بصفة شرعية دولية. وبذلك قد تتبد حلم تحقيق الصومال الكبير . ولقد تجسد التقسيم ببشاعته بصورة كبرى في مسألة الحدود بين الصومال وإثيوبيا، و قد أثيرت في هيئة الأمم المتحدة التي كانت تشرف على الوصاية الدولية على الصومال منذ عام 1950م حتى عام 1960م، لا من الصومال فحسب، بل من رجال دوليين محايدين يخدمون روح مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها، وحملوا رسالتها إلى هذه الأرض المجزأة، وقد أدركوا بأنفسهم خطورة هذه التجزئة وما قد ينتج عنها على مر الزمان من خطر يهدد السلم والسلام العالمي الذي هو من أهداف الأمم المتحدة.

أما الوحدة التي تمت بين الشمال والجنوب فقد تمت برغبة شعبية عارمة والتي تجاوزت بعض الأصوات الشمالية المنادية بعدم الوحدة مع الصومال الجنوبي إضافة إلى الدعم من قبل بريطانيا والذي ساهم في تسهيل المفاوضات للوحدة، خاصة بين المحميتين البريطانية والايطالية بعد ما ينالان استقلالهما من المستعمر. وفعلا جرت نقاشات غير رسمية بين القيادة السياسيين في المحميتين ” أرض الصومال وجنوب الصومال ” في نفس العام والتي حفزت بدورها أن تتشكل توجهات عامة لدى المجتمع الصومالي نحو حركات وطنية صومالية. واتفق معظم القادة السياسيين في الصومال والمحمية السعي إلى هدف موحد وهو توحيد الصومال الكبير.

أهم المراجع :

  1. ـJudith Gradner & Judy el Bushra: ( eds) Somalia The untold Story, The war through the eyes of Somali women, (London:1 published ,2004 by Pluto Press).
  2. الصراع الدولي في الصومال :عبدي يوسف .
  3. حسن مكي أحمد : السياسات الثقافية في الصومال الكبير
  4. محمد حاج مختار حسن : الصومال الإيطالي في فترة الوصاية حتى الاستقلال 1950، 1960م , رسالة دكتوراه في التاريخ الحديث، يحث غير منشورة، جامعة الأزهر. القاهرة، 1983م
  5. حمدي السيد سالم : الصومال قديما وحديثا
  6. احمد إبراهيم محمود: الصومال بين انهيار الدولة والمصالحة الوطنية،(القاهرة : مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام 2005م )
  7. محمود على توريرى : الحياد الإيجابي وسياسة الصومال الخارجية
  8. انظر الرابط التالي : (wardoon)8. موقع http://wardoon.net/2017/05/akhriso-taariikhda-syl/
  1. I.M.Lewis: A modern History of the Somalia nation and state in the horn of Africa . 4 Edition (James Currey, Ohio University press, 2002.

آدم شيخ حسن

باحث وكاتب فى الشان السياسى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى