السياسةالصومالتحليلاتمختاراتمقالاتمقالات الرأيوجهات نظر

الصومال: التعديلات الدستورية الجديدة والسيناريوهات المستقبلية المحتملة

ملخص تنفيذي

صادق البرلمان الفيدرالي في أواخر مارس 2024 بأغلبية ساحقة على التعديلات الدستورية المقترحة من لجنة مراجعة وتنفيذ الدستور، والتي بموجبها يفترض أن ينتخب الرئيس المقبل مباشرة من الشعب، وأن تتضمن صلاحيات الرئيس تعيين وعزل رئيس الوزراء، وأن تصبح مدة الحكم خمس سنوات بدلا من أربع، وقد أثارت هذه التعديلات معارضة السياسيين السابقين وبعض النّواب، كما لم يصرح أي من حكام الولايات بتأييده للتعديلات أو رفضها، إضافة إلى امتناع ولاية بونتلاند عن المشاركة في الجلسات الأخيرة في المجلس التشاوري الوطني وإعلانها سحب الثقة من الحكومة  بعد التعديلات الأخيرة، ومقاطعتها.  وفي هذه العجالة؛ سنحاول فهم حثيات التعديلات الحالية وأبعادها ومدى واقعيتها ومخاوف المعارضة وكيف يمكن أن تؤثر على النظام السياسي.

ويهدف هذا التقرير إلى فهم السياق التاريخي والسياسي للتعديلات الدستورية، وتحليل دوافع التعديلات وأهدافها المعلنة وغير المعلنة، وتقييم أبعاد التعديلات وتأثيرها المحتمل على النظام السياسي، ومناقشة مخاوف المعارضة ووجهات نظرها، وأخيراً استكشاف سيناريوهات مستقبلية محتملة في ضوء هذه التعديلات.

خلفية تاريخية

 على الرّغم من أن التعديل شمل  فقرات من أربع مواد ولكن ما استقطب الرأي العام كان ما يتعلق بصلاحيات الرئيس وانتخابه ومدة ولايته، لأن الصومال ومنذ الاستقلال اعتمد النظام البرلماني ولم يجر انتخاب أي رئيس صومالي بالاقتراع المباشر، والمقصود هنا هي فترة الحكم المدني ما بين الاستقلال 1960 وحتى استيلاء العسكر على الحكم 1969، إذ كان الشعب ينتخب النواب ومجالس المحافظات، ثم يختار الحزب الفائز  رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من أعضائه، لذلك ذّكرت هذه التعديلات وطريقة إجرائها قادة الرأي وبعض النّواب بالحكم العسكري الذي دام لعقدين دون برلمان ودون دستور فكان الحاكم المطلق للبلاد هو الرئيس، وخصوصا وأن السيد حسن شيخ محمود كان متمسكاً بإلغاء منصب رئيس الوزراء واستبداله بمنصب نائب الرئيس ولكنه تراجع بشرط نزع صلاحية البرلمان في سحب الثقة من رئيس الوزراء ومنحها له.

وبعد إسقاط حكم الرئيس محمد سياد في مستهل التسعينيات؛ وقع الصومال في حالة من الفراغ الإداري وجولات عديدة من مؤتمرات المصالحة التي استضفتها دول الطوق وجمهورية مصر العربية لمدة عقد من الزمن، لتبدأ حقبة الحكومات الانتقالية حتى مؤتمر عرته الذي اختير فيه الرئيس عبدي قاسم صلاد في عام 2000.  وعلى الرغم من عدم وجود مثياق وطني آنذاك، إلا النخبة أن  عادت وتبنت النظام البرلماني بالرّغم من سيطرة صورة الحكومة العسكرية على ذهن السياسيين واعتبارها الأكثر نفوذا وقوة ونجاحا، وميلهم إلى استنتاخها. وانصرفت الفصائل المتنافسة إلى مؤتمر آخر في كينيا بعد انتهاء فترة عبدي قاسم، وهناك اختير فيه عبد الله يوسف رئيسا في 2004، وصدر مثياق وطني يتبنى الفيدرالية وتنتهي صلاحيته بعد إنجاز دستور جديد، والذي استغرق  سنوات قبل صدور مسودة الدستور في عهد الرئيس شيخ شريف ثم صادق عليه مجموعة من وجهاء العشائر في أغسطس 2012  على أن تناقش الفقرات الخلافية ويعرض الدستور للاستفتاء الشعبي، وأسدل الستار عقب ذلك على المرحلة الانتقالية التي امتدّت لحوالي 12 عاما.

 صار هذا البطء والتراخي في حل  مشكلات بناء الدولة سمة الدولة الصومالية عقب سقوط النظام،  ليس رغبة في المماطلة بل سعيا لضم كافة الأطراف سواء كانت مسلحة أو من المجتمع المدني أو شيوخ الدين أو حتى الكيانات السياسية مثل بونتلاند، وحين وصل الرئيس الحالي لسدة الحكم لم ييق أي فصيل خارج الطاولة السياسية سوى حركة الشباب وإقليم صوماليلاند. وبخصوص الفيدرالية التي اعتمدها الصومال قبل عشرين عاما في مثياق الوطني لم تطبق سوى في تأسيس الولايات التي يشوب بعضها خلل دستوري أو بُنيت بضغط من الحكومة وكذلك تشكيل المجلس الأعلى (مجلس الشيوخ) للبرلمان والذي يمثل الولايات بينما يمثل مجلس الشعب العشائر لا الشعب حتى الآن، بينما لم تخضع بقية المؤسسات للفدرلة بعد. وكذاك ظل الدستور موضع نقاش وجدال وورقة تفاوض أو ابتزاز، لمدة اثنتا عشرة سنة أخرى، قبل أن تعلن الحكومة إجراء تعديلات راديكالية تغير من نظام الحكم وتوسّع صلاحيات الرئيس على حساب البرلمان ومكتب رئيس الوزراء.

وكما ذُكر آنفا، ظل السياسيون ينظرون بحنين إلى حكم محمد سياد بري وحاول كل رئيس الاستئثار بالسلطة وسيطرت عليهم الرغبة في عزل رئيس الوزراء أو الحدّ من صلاحياته وحتى وضع حد لصلاحيات الولايات، وعدّوا صلاحيات الحكومة الفيدرالية محدودة  وهي ما يتعلّق بالسيادة لأنها تتضمن الدّفاع والجنسية والعملة والشأن الخارجي بينما  الولايات تختص بالصلاحيات الخدمية كالتعليم والصحة والبنى التحتية وغيرها. وكلما حصل خلاف بين  رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أو بين الحكومة الفيدرالية وبين حكومات الولايات تُرمى اللائمة على الدّستور الذي لا يوضح صلاحيات كل طرف، ويُغضّ  الطرف عن ضرورة إنشاء المحكمة الدستورية  التي ترجئها الحكومات لسبب واحد هو أن من  صلاحيتها عزل الرئيس.

 

مناقشة مواقف الموالاة والمعارضة  

بالرغم من صعوبة تحديد المبرر الحقيقي لهذه التعديلات يسبب غلبة المصالح الشخصية والسياسية في عملية صنع القرار السياسي في بلد كالصومال إلا أن مواقف الموالاة والمعارضة واضحة وهي كالآتي:

موقف المولاة

 الموالاة هنا هم مجموعة من النواب وبعض من قادة الرأي ويرى هؤلاء أن هذه التعديلات من شأنها تعزيز الاستقرار السياسي لأن النظام البرلماني الحالي أدى إلى حالة من عدم الاستقرار بسبب الصراعات بين الرئيس ورئيس الوزراء والنزاعات بين الحكومة الفيدرالية والولايات. كما أنها تحسن كفاءة الحكومة لأن منح الرئيس صلاحيات أوسع سيمكنه من رفع كفاءة الحكومة وتنفيذ السياسات بفعالية أكبر، على عكس  النظام البرلماني الحالي الذي يتباطئ في اتخاذ القرار. وأن مكافحة الفساد أن تركيز السلطة في يد الرئيس سيساعد في مكافحة الفساد من خلال تحسين المساءلة والحد من فرص الفساد.

موقف المعارضة

وتشمل المعارضة هنا بعض النّواب والمثقفين والمسئولين السابقين من رؤساء سابقين ورؤساء الوزراء بالإضافة إلى ولاية بونتلاند، ويعتقد هؤلاء أن تكون الدوافع وراء التعديلات هي تعزيز قبضة الرئيس الحالي على السلطة وتحويل الصومال إلى نظام شبه رئاسي أو حتى  إلى حكومة دكتاتورية خاصة في ظل غياب مؤسسات ديمقراطية قوية، و تهميش دور المعارضة السياسية من خلال تقليص دور البرلمان ومنح الرئيس سلطة أكبر في تعيين وإقالة المسؤولين الحكوميين، ويزعم بعض المعارضين أن التعديلات مدفوعة بالمصالح الشخصية للرئيس مقابل حصول بعض أعضاء البرلمان على مكاسب سياسية أو مالية، هذا بالإضافة إلى وجود خلل تشريعي يخالف المادة 132 الفقرة  “6” النقطة  ”e ”  التي نصت على  إجراء استفتاء شعبي حال تعديل بعض المواد من الدّستور، مما يشير إلى عدم وجود إجماع شعبي حولها.

يبدو مما سبق أن الموالاة هنا تحاول دعم موقف الرئيس الساعي إلى فرض رأي شخصي دون الاكتراث بالشركاء السياسيين، فالاستقرار السياسي الذي يزعمونه غير واضح الملامح في ظل الصمت التّام من الولايات الموالية لقرابة شهرين من التعديلات بسبب استعجال الرئيس في توضيح نيته عندما أعلن أن الحكومة الفيدرالية تعطي لجنة الانتخابات صلاحية الإعداد لانتخابات الولايات والاشراف عليها، ما أدّى إلى عدم تلبية الدعوة لحضور المجلس التشاوري الوطني الذي يضم رؤوساء الولايات وعمدة بنادر ورئيس الجمهورية، وبالتالي تأجيل الجلسة إلى 14 مايو،  مع استمرار غياب بونتلاند أكبر الولايات وأكثرها تأثيرا في السياسية الصومالية، وخلال كتابة هذا التقرير، انعقد اجتماع المجلس التشاوري، وكان من أهم مخرجاته دعوة البرلمان الفيدرالي لإتمام التعديلات والوصول إلى عقد انتخابات عامة بعد انتهاء عهدة الرئيس حسن شيخ محمود. ما يهدد السمة الأبرز في رحلة بناء الدّولة وهي تداول السلطة كل أربع سنوات، ومراعاة الاجماع وضم فصائل أخرى كل فترة، ونسف جهود ربع قرن من بناء الدولة على أساس الحوار وعدم إقصاء أي طرف، والارتداد إلى عهد لوردات الحرب.

السيناريوهات المستقبلية المحتملة:

في حال اعتمدت التعديلات الدستورية الأخيرة، فإننا سنكون أمام  إحدى هذه السناريوهات الثلاث، نجاح تنفيذ التعديلات أو تفاقم التوترات السياسية والصراعات، أو التراجع عن بعض التعديلات أو حتى إلغائها.

السيناريو الأول: نجاح تنفيذ التعديلات

 إن نجحت الحكومة في تنفيذ التعديلات كما ينبغي، فسيتحقق الاستقرار السياسي في الصومال، لأن الرئيس الجديد سيتمتع بسلطة أكبر، ويخفف حدة الصراعات السياسية، وبالتالي التركيز على معالجة القضايا الملحة مثل الفساد وانعدام الأمن ما يساهم في جذب الاستثمارات الأجنببة، كما ستؤدي الانتخابات الرئاسية المباشرة إلى زيادة شرعية الرئيس وتعزيز السلام الأهلي،  ومن العوامل المساهمة في نجاح تنفيذ التعديلات كما يجب:

  1. الجلوس مع المعارضة وإقناعهم بالتعديلات الخاصة بالرئيس وصلاحياته وطرق انتخابه، وتعهد جميع الأطراف بالالتزام بها والتّعاون لتنفيذها.
  2. البدء بالمفاوضات مع الأطراف المعارضة، وتعيين لجنة الانتخابات، وتخصيص قسم من الميزانية للانتخابات.
  3. تحسين أداء الحكومة الاقتصادي، ومكافحة الفساد، وتوطيد الأمن -على الأقل- في المدن الكبرى كالعاصمة.
  4. الحصول على دعم ما يسمى المجتمع الدّولي الذي يدعم الحكومة الفيدرالية أمنيا واقتصاديا.
  5. تعزيز الفيدرالية وتحقيق سيادة القانون.

غير أن هذا السيناريو بعيد عن الواقعية بسبب الافتقار لعوامل نجاحها أجمع.

السيناريو الثاني: تفاقم التوترات السياسية والصراعات

أما إن نُفذت التعديلات دون إقناع المعارضة، فمن المتوقع أن تشهد البلاد توترات وصراعات، لأن المعارضة ستشعر بالتهميش أو الإقصاء،  كما قد يُساء استغلال السلطة الواسعة التي يتمتع بها الرئيس الجديد في إغلاق الساحة السياسية، وقمع الأصوات المعارضة، أو مصادرة الحقوق الأساسية للمواطنين، ما يعني الجنوح نحو الديكتاتورية. ومن العوامل المساهمة في تفاقم التوترات:

  1.  معارضة بعض الأطراف السياسية للتعديلات الجديدة أو مقاطعتها للعملية السياسية كما في حالة بونتلاند.
  2. الفشل في معالجة التحديات الرئيسية مثل الحرب مع حركة الشباب التي عُلّقت الحرب معها، وانشغال الحكومة وبالحصول على دعم دبلوماسي ضد إثيوبيا أعلنت عن مذكرة تفاهم مع صوماليلاند وبناء عليها ستحصل الجارة إثيوبيا على إطلالة على البحر الأحمر، وقاعدة عسكرية، مقابل الاعتراف بصوماليلاند جمهورية مستقلة مرة، وبالتعديلات الدستورية مرة  أخرى. وكذلك العمل في التخفيف من الفساد المستشري.
  3. ضعف المؤسسات الحكومية مثل القضاء والبرلمان ومجلس الوزراء، ما قد يعقدّ العودة لمسار بناء الدّولة.

ويبدو هذا السيناريو كارثيا ومحتمل الحدوث لأن الحكومة لم تظهر أي نية لتقريب وجهات النظر بينها وبين الأطراف المعارضة، ما يمكن أن ينتج عنه تأجيل للانتخابات وانقسامات سياسية عميقة، وحتى العودة للاحتراب الأهلي.

السيناريو الثالث:  التراجع عن التعديلات وإلغائها

وكما ذكرنا سابقاً، تواجه هذه التعديلات معارضة داخلية وقلقا دوليا، فالمجتمع الدّولي يشترط إشراك الأطراف السياسية، وبالتالي قد تضطر الحكومة إلى التراجع عن بعض بنود التعديلات أو إلغائها من الأساس، ومن العوامل المساهمة في ترجيح هذا السيناريو ما يلي:

  1. مقاطعة بعض الفصائل السياسية والمجتمع المدني العملية السياسية، مما يُعيق تنفيذ التعديلات.
  2. ضغوط دولية قد يمارس المجتمع الدّولي ضغوطًا على الحكومة الصومالية للتراجع عن بعض التعديلات أو إلغائها، خوفًا من تفاقم الصراعات وعدم الاستقرار في المنطقة.
  3. عدم الاستقرار السياسي: تواجه  التعديلات معارضة معتبرة قد تؤدي إلى  مظاهرات أو عودة المظاهر المسلحة للشوارع.

وهذا السيناريو هو الأقرب للواقع، والتراجع عن التعديلات يعني العودة للانتخابات غير المباشرة تجنبا للانقسامات المناطقية وارتفاع النعرات العشائرية. وأيّا يكن، فإن  مستقبل التعديلات يعتمد على إرادة ورغبة الحكومة الفيدرالية في معالجة التحديات المترافقة مع التعديلات وإيجاد الحلول التوافقية التي تشمل كافة الأطراف السياسية.

 وعلى العموم، فإن تنفيذ التعديلات الدستورية الجديدة في الصومال عملية معقدة تتطلب تعاونًا من جميع الأطراف لأن المجتمع الدّولي لن يقدّم الدعم المادي والمعنوي إلا بإجماع الأطراف الصومالية، وعليه فأن على الحكومة تبني هذه الخطوات:

  1. الحوار:  ينبغي على الحكومة الفيدرالية دعوة  أصحاب المصلحة بمن فيهم رؤساء الولايات والسياسيين السابقين والحاليين والمجتمع المدني، إلى حوار لا يُقصى منه أحد يهدف إلى الوصول لحلول توافقية تساعد على تنفيذ سلسل للتعديلات الدستورية الخاصة بالرئيس وصلاحياته وهذا على خلاف ما حدث في المجلس الوطني الاستشاري  الذين انعقد في 14 مايو.
  2. الشفافية والمساءلة:  على الحكومة الالتزام بالشفافية في كافة أعمالها بما في ذلك تنفيذ التعديلات، ومكافحة الفساد بجديّة، وتعزيز عمل البرلمان الفيدرالي وتكف يدها عن التّدخل فيما يخصّ مساءلة السلطة التنفيذية والتشريعية.
  3. معالجة مخاوف المعارضة:  يجب على الحكومة معالجة مخاوف المعارضة بشكل جدي والبحث عن حلول مشتركة تجنباً للانقسامات المناطقية وسعيا لتعزيز الوحدة الوطنية؛ما يؤدّي إلى  دعم إرساء السلام والديمقراطية.

خاتمة

في ختام هذا التقرير ندعو الحكومة والمعارضة إلى اللجوء للحوار البناء بين الحكومة والتوصل إلى حلول توافقية تُرضي جميع الأطراف، وأن يدرك الجميع أن مستقبل الصومال وأمنه واستمرار مسار بناء الدّولة مسئولية الجميع، وأن يلعب المجتمع المدني دوراً كالذي انخرط به في مؤتمر عرته وغيره، والخروج من حالته السلبية وأن يكون دور المجتمع المدني دوراً يحترم وحدة الأراضي الصومالية وعدم الانحياز لطرف ضد طرف. وأي خطوة عكس ذلك قد تؤدّي إلى انهيار رحلة ربع قرن من حل المشكلات بالحوار.

يمكن قراءة المدونة الأصلية من هذا الرابط :

https://somalissues.blogspot.com/2024/07/blog-post.html

سمية عبد القادر

كاتبة ومدونة صومالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى