السياسةالصومالتحليلاتمقالات الرأيوجهات نظر

تهور آبي أحمد …وأطماع إثيوبيا بسواحل دول الجوار

حدث مع مطلع هذا العام زلزال سياسي في القرن الأفريقي لا زال صداه يتردد في المنطقة بإبرام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مذكرة تفاهم مع حاكم صوماليلاند متجاهلا حقيقة أن هذا الإقليم جزء لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية وذلك لاستغلال شريط ساحلي ممتد ل20 كلم كميناء وقاعدة عسكرية لمدة 50 عاما وهو ما يتناقض مع سيادة ووحدة أراضي الصومال؛ وهو الأمر الذي رفضته مقديشو جملة وتفصيلا بقرار البرلمان القاضي ببطلان مذكرة التفاهم وصادق الرئيس الصومالي علي القرار وحوله إلي مرسوم رئاسي بقانون يؤكد اعتبار هذه المذكرة لاغية ولا قيمة لها سياسيا وقانونيا وتجاريا.

ولا تقتصر أطماع إثيوبيا علي السواحل الصومالية فحسب وإنما تشمل الدول المجاورة قاطبة بدليل الخطاب الذي ألقاه آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي في يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عبر فيه عن سعي بلاده إلي منفذ بحري من دول الجوار ! وقال: (نريدُ بحراً بأي ثمن بغض النظر عن العواقب ) وقد استشهد آبي أحمد في معرض حديثه بمقولة “علولا أنغيدا” (المعروف بـ”آبا نيغا”)، القائد العسكري الإثيوبي في القرن التاسع عشر، الذي قال إن “البحر الأحمر هو الحدود الطبيعية لإثيوبيا والغريب في الأمر أن رئيس الوزراء يعلنها صراحة أنه سيسيطر علي أراضي دول ذات سيادة وبأي طريقة ! والأغرب من هذا أنه يذكر أسماء الدول وموانئها مرتبة حسب أولوياته علنا ودون خجل قائلاً : زيلع أولوية قصوى ثم يليها ميناء جيبوتي ثم موانئ إرتريا وكأن هذه الأراضي لا سيادة لها ويستطيع أيا كان وضع يده عليها وضمها إلي أراضيه  والعجيب أيضاً أن يصدر هذا الكلام من شخصية بهذا الوزن كزعيم دولة، فذلك الجنون بعينه والجنون فنون، وقد برر آبي أحمد أطماعه في أراض خارج سيادة بلاده بأن إثيوبيا منحت جيبوتي الماء والكهرباء ! ويحق لها أن تحصل علي ما تطلبه، – يعني البحر- وهي مستعدة أن تعطي هذه الدول حوافز اقتصادية كأن تمنحهم نسبة 30 % من أسهم خطوط طيران الإثيوبية أو شركة اتصالات الإثيوبية.

 الخطاب اتسم بالعدوانية والمغالطات والمبررات الواهية ، كقوله أن البحر حق للجميع ولا يجوز أن تحتكره سبع دول فقط، وقد وضح رئيس الوزراء في تصريحه المثير للجدل أنهم يمدون جيبوتي بالمياه والكهرباء دون أن تحصل إثيوبيا لتر ماء من هذه الدول! ولكن من المعلوم أن جيبوتي تدفع مقابل المياه والكهرباء أموالاً طائلة وليس منحة أو عطاء مما يدر إلى خزينة الدولة الإثيوبية ملايين من دولارات، ولم تطلب منه يوماً أن يعطيه أراضي منطقة هداجالا التي تستخرج منها المياه الجوفية أو بيعها لنا ، لأن فكرة بيع الأراضي فكرة سخيفة وساذجة لا يقبلها العقل والمنطق السليم .! ماذا يقصد من ذلك ؟ ألا يعترف آبي أحمد بحدود الدول والقانون الدولي ؟ يبدو أنه لا يوجد في  قاموس آبي أحمد وأدبياته السياسية مبدأ سيادة الدول ! هل سيقبل لو طلبت منه دولة السودان إقليم بني شنغول ؟  وتحركت الصومال لضم الإقليم الخامس المعروف بـ (الصومال الغربي ) ؟ وماذا لو سعت جيبوتي إقليم (سيتي )؟؛ فتلك أراضي تاريخية تابعة لهذه الدول وقد منحها المحتل الغربي لإثيوبيا في خمسينيات القرن الماضي ظلماً وجوراً، رغم أن النسيج الاجتماعي والثقافي لسكان هذه المناطق يختلف عن إثيوبيا ويطالب بالانفصال عنها والعودة إلى البلد الأم .

 من المرجح أن إثيوبيا ذات الإرث التوسعي تنوي احتلال السواحل الصومالية واسترجاع إرتريا إلي حضنها وإخضاع جيبوتي لتحصل علي منفذ بحري وميناء كزيلع بإقليم صوماللاند في الصومال أو موانئ جيبوتي وإرتريا! وتحاول بكل الطرق الممكنة للنفاذ للبحر بما في ذلك محاولة شراء الأرض من الدول الساحلية المجاورة ؟ أو مبادلة أراضي بأراضي أخرى أو تقديم حوافز مالية أو مشاريع استثمارية ضاربة عرض الحائط بأن العالم تحكمه قوانين عالمية واتفاقات دولية ومعاهدات تنظم البحار والممرات المائية وتفصل وتقيد المرور فيها وتوضح حدود الدول فيها، ويجدر برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن يقرأ ويتمعن فيها جيداً. شتان بين الحوافز المالية والأراضي يا زعيمpp ، الملك السابع لإثيوبيا كما وصف نفسه أو حلمت به أمه ، اصح من النوم وليسعك بيتك وتعلم فنون الدبلوماسية وحسن الجوار وتواصل مع الزعماء من خلال القنوات الرسمية أو الدبلوماسية ! لقد صدقت وثيقة مسربة من خارجية إحدى الدول عندما وصفت آبي أحمد بــ(متهور)! . وكان ذلك قبل سنوات .

 سبق أن رفض آبي أحمد القوانين العالمية التي تحكم الأنهار وافتعل أزمة سد النهضة مع دول المنبع من غير سبب سوي الإضرار بمصالح هذه الدول وارضاء غروره المدفوع بالأطماع المغرضة في المنطقة وقد بدأ مخططه بالصومال ولن يتوقف عندها في حال نجح في مساعيه العدوانية لاعتقاده أن إثيوبيا في وضع صعب ينذر بتفجر الأوضاع الداخلية وتعاني من انهيار اقتصادي وتفكك وضياع وشبح المجاعة والجفاف؛ وعليه يحاول تحويل الانظار عن هذه الأزمة باحتلال أراضي الغير، ويبدو أن رئيس الوزراء يصدر هذه العنتريات للاستهلاك المحلي ويلفت أنظار شعبه عن المطالب الشعبية للأمن والاستقرار والعيش الكريم ويوجهه إلى سراب آخر أو يخلق له عدو وهمي أو يحاول تصدير أزماته إلى الخارج.  يطلق بعض المفكرين الصوماليين علي إثيوبيا بأنها إسرائيل منطقة القرن الأفريقي وهي تسمية في محلها حيث تتصرف إثيوبيا كدولة توسعية تخدم الغرب وتنفذ أجندته في منطقة القرن الإفريقي وهي خدمة قديمة جديدة دأبت عليها هذه الدولة الإمبريالية، فقد شاركت في تقسيم المنطقة وأخذت نصيب الأسد من أراضي الصومالية التاريخية . نرجو من الدول الساحلية في القرن الأفريقي أن تصحوا من السبات وأن تنتبه أن إثيوبيا لا تستهدف الصومال لوحده وإنما كل الدول واحدة تلو الأخرى، فكلامه انتهاك للأعراف الدبلوماسية والقوانين العالمية ويضر الاستقرار  ويزعزع التعايش السلمي بين شعوب المنطقة .

وخلاصة القول؛ أنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح؛ ولن تستطيع إثيوبيا تحقيق أطماعها الفجة والتي تتعارض مع مبدأ سيادة الدول علي إقليمها وتعد تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية حسب المواثيق الدولية؛ وقد أدان المجتمع الدولي برمته الخطوة الإثيوبية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي لما تخلفه هذه الخطوة من تداعيات خطيرة علي الأمن والسلم الدولي وعلي حركة التجارة الدولية والاقتصاد العالمي الذي يترنح تحت وطأة الأزمات والحروب ولا تتحمل المنطقة أزمة جديدة تضاف إلي التوترات القائمة.

عبد الرزاق عمر جيلدون

كاتب صحفي جيبوتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى