مقدمة
تتكون ولاية جوبلاند من ثلاثة محافظات أو أقاليم هي “غدو، جوبا الوسطى، جوبا السفلى”، ولكن الولاية لا تسيطر إلا على محافظة “غدو” ومدينة “كسمايو” وبعض المدن الحدودية، ومع ذلك مايزال إقليم “غدو” يئن من تحت وطأة الفقر والإهمال، رغم أنه كان يمثل مكسبا ماليا للولاية كونه يتمتع بمنافذ تجارية مهمة مع إثيوبيا وكينيا (دولو، بلد حاوا، عيل واق). يمثل إقليم غدو من الأقاليم المهملة تنمويا والبعيدة عن اهتمامات الساسة الصوماليين حتى في عصر الحكومة المركزية، ورغم كونه ثاني أكبر الأقاليم الصومالية ويتمتع بثروات طبيعية إلا أنه يعاني من عدم وجود بنية تحتية ومرافق تعليمية وصحية تتناسب مع حجمه وأهميته، وما زال يعاني من الفقر وسوء الإدارة فضلا عن الفوضى الأمنية التي حالت دون التواصل الطبيعي بين مدنه الرئيسية.
محافظة غدو بين ولاية جوبالاند والحكومة الفيدرالية:
لم يستفد الإقليم شيئا يذكر من انضمامه إلى ولاية جوبالاند منذ تأسيسها في عام 2012، ورغم أن إدارة الرئيس حسن الشيخ محمود حاولت عرقلة إنشاء تلك الولاية في بداية الأمر وتم توظيف الخلاف العشائري الموجود في الولاية كون رئيس وزرائها في ذلك الوقت كان ينتمي إلى الإقليم إلا أنها فشلت في مسعاها بسبب الدعم العسكري والسياسي الكيني والإثيوبي الذي كان يتمتع به زعيم مليشيات رأس كامبوني السابق والحاكم الحالي لولاية جوبالاند الذي أصبح فيما بعد صديقا مقربا للرئيس السابق حسن الشيخ محمود!. ومع اعتراف الحكومة الفيدرالية في ذلك الوقت بشرعية تشكيل الولاية رغما عنها إلا أن التدخل الكيني فيها لم يتوقف واستمر لصالح رجلها الأول والذي أصبح حاكما للولاية بانتخابات غير شفافة تم فرضها كسياسة أمر واقع، ولكن نظام كسمايو الجديد بدل أن تهتم بحل الإشكالات العشائرية والظلم الاجتماعي الذي تعانيه الولاية انشغل في تثبيت أركان حكمه وشراء الولاءات ونشر الخوف بين القبائل واستبعد من حكومته كل من له مكانة اجتماعية أو علمية، ثم قرَّب أباطرة الحرب وأغدغ عليهم الأموال والمناصب؛ لذلك لم يتمكن من تحرير أراضي الإقليم القابعة تحت سيطرة حركة الشباب بما فيها حاضرة الولاية مدينة بوآلي ومركز إقليم جوبا الوسطى للولاية فضلا عن أن يلتفت إلى الجوانب التنموية الملحة.
لماذا الآن؟
قد يتسائل البعض لماذا أصبح إقليم “غدو” بهذه الأهمية الآن حيث أصبح حديث الجميع ؟، وقبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نشير إلى أن التغيرات التي حدثت في بنية الإقليم مؤخرا هي التي جلبت إليه كل تلك الحناجر التي تسبح باسمه، وهي أن الحكومة الفيدرالية الحالية رفضت الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها أحمد محمد إسلام حاكم الولاية متهمة إياه بالتزوير ثم قررت مقاطعته، وفِي خضم تلك الفترة اتخذت إجراءات أحادية تتعلق بإعادة هيكلة إقليم “غدو” وشرعت في تغير المحافظ وعمداء المديريات، ثم أرسلت فرقا من الجيش الوطني وقد رحب بها أغلب أبناء الإقليم لأسباب تتعلق بالصورة القاتمة التي انطبعت في في الأذهان عن نظام جوبالاند وممثليه!.
ورغم أن الرئيس محمد عبدالله فرماجو لم يقدم للإقليم شيئا يذكر قرابة ثلاث سنوات من حكمه إلا أن بعضا من أبناء الإقليم مازالوا يعتقدون أن ما فعله الآن يعد خطوة إيجابية لا ينبغي التراجع عنها، بينما يرى الآخرون أن هذه الصحوة المتأخرة ما هي إلا ألاعيب إنتخابية، ولكن حتى ولو فرضنا جدلا أنها ألاعيب إنتخابية فمن المؤكد أن ما فعله الرئيس كان بضغط اجتماعي يصعب إهماله، وإن لم يتمكن من تسويقه سياسيا. وعلينا ألا ننسى أننا في مثل هذه الأمور نتعامل مع عقلية جماهيرية لا تفهم بالحسابات السياسية اذ تم تعبئتها وحشدها بصورة خاطئة، وكما يقول غوستاف لوبون: “الشعور البسيط بالنفور من شيء … يظل في حجمه الطبيعي لدى الشخص العادي، ولكنه يتحول مباشرة إلى حقد هائج لدى الفرد المنخرط في الجمهور”؛ لذلك فإن تعبئة الجماهير في الوقت الخطأ قد يؤدي إلى تصرفات يصعب التحكم فيها بوقت الحاجة!
مكتسبات المرحلة:
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الظرف العصيب هو هل الإقليم كان بحاجة إلى مثل هذا التطور اللافت؟، قد يكون الجواب بنعم لدى الكثيرين من أبناء الإقليم وبلا تردد، ولكن قد يتساءل البعض الآخر لماذا فشلت الحكومة الفيدرالية في توضيح سياستها تجاه هذا الإقليم قبل إعادة العلاقات مع حاكم الولاية وحتى بعد الاعتراف به ، ومشاركته بلقاءات التشاور مع حكام الولايات ومع الرئيس؟ ولماذا لم يتمتع الرئيس بالحنكة السياسية المطلوبة لوضع الإقليم والإشارة إلى خصوصيته المرحلية في بنود الاتفاق؟، ولماذا نسمع الآن عن وجود صفقة سرية بين الرئيس وحاكم الولاية تتعلق بالأصوات الانتخابية فقط؟! وكأن السبب الرئيس لكل هذه التحركات دواع إنتخابية، وهذا معيب جدا بل قد يكون اتهاما واضحا للرئيس ومستشاريه بالفشل في إدارة التفاوض مع حكام الولايات؛ لأن الذي يجب الالتزام به هو منطوق الاتفاق ولا تنفع في مثل هذه الأمور بأن تتحجج بالتفاهمات الخاصة والكلام الشفهي أو ما يسمى بـ (Gentleman Agreement)!، ثم يأتي البعض ليصدعوا رؤوسنا بإيفاء العهود!، وكأن عالم السياسة يعترف بهكذا نوع من العهود والتفاهمات غير المكتوبة!
حوار المرحلة:
ومن المؤكد أن فتح الحوار من نقطة الصفر لإعادة الإقليم إلى ما قبل 2020 غير واقعي، كما أن تنفيذ اتفاقية 17 سبتمبر تتطلب إلى معالجة سياسية واعية تبتعد عن تأجيج الصراعات القبلية وتحافظ للإقليم بعض هذه المكتسبات الإيجابية. وهذا يحتاج إلى سياسة حكيمة تأتي من قبل الحكومة الفيدرالية المُتهمة حاليا بمحاولة أخذ أصوات أبناء عشيرة الرئيس بصورة غير قانونية، رغم ضعف مرافعة محاميها، ومن المكن أن يحصل الرئيس على تلك الأصوات وغيرها استنادا إلى المكتسبات الواقعية الحالية بعيدا عن اتهام الآخرين بالعمالة؛ لأن ارتباط الإقليم بتوجهات كينيا وتدخلاتها السياسية السافرة في شؤون البلد لم تبدأ بعد 17 سبتمبر، وستظل حتى يتمكن الشعب الصومالي من استعادة عافيته، وإلا سيستمر الوضع في حلقة الاتهامات المفرغة، وستغلب الكثرة الشجاعة إن وجدت. وعلى الرئيس وحكومته أن يعوا جيدا أن السلم الأهلي وتنفيذ روح الاتفاقية المبرمة أهم من الهروب إلى المجهول، وهذا يتطلب سياسة حكيمة وهادئة تفتح آفاق الحوار وتتفهم دبلوماسية التفاوض المبنية بمبدأ الأخذ والعطاء بعيدا عن سياسة عض الأصابع، حتى لا يتحول إقليم “غدو” إلى ورقة سياسية مكشوفة، وينتهي الأمر إلى خسارة المكتسبات والكرسي معا. يقول علي عزت بيغوفتش “إذا كان من الممكن استلام السلطة بالوعود، فإن الحفاظ عليها لا يكون إلا بالنتائج”.
تعليق واحد