السياسةالصومالمقالات الرأيوجهات نظر

شكل السلطة التشريعية واختصاصات مجلسي البرلمان في الصومال

مقدمة

احتدم جدل واسع في الأوساط السياسية وتعالت أصوات تشكك في جدوى وجود المجلس الأعلى للبرلمان الفيدرالي بداعي إثارته للخلافات وكونه عبئا على الميزانية ويجادلون بأن المجلس الأدنى يفي بالغرض التشريعي ومحاسبة الحكومة فما الداعي لوجود مجلس الشيوخ إلى جانب مجلس الشعب طالما أن المجلسين لا يختلفان عن بعضهما؟ وفي هذا التقرير نسلط الضوء على مبررات ثنانية السلطة التشريعية.

طبيعة السلطة التشريعية

تتعد أشكال السلطة التشريعية أو المجالس النيابية من حيث تكوينها ووظيفتها تبعا لاختلاف الأنظمة الدستورية في كل دولة؛ فهناك دول تتكون السلطة التشريعية فيها من مجلس واحد يقوم على الرقابة والتشريع ويطلق عليها نظام المجلس الواحد بينما تتبع دول أخرى نظام ثنائية السلطة التشريعية، وقد نشأ هذا النظام في انجلترا في بداية أمره نتيجة ظروف سياسية، وتطورات تاريخية وليس وليد نظريات فلسفية وقانونية فقط.

لا يتعلق تبني النظام النيابي الأحادي أو المزدوج بنمط حكم معين سواء الرئاسي أو البرلماني أو المختلط أم كان النظام المركب ” فيدرالي” أو البسيط”مركزيا” وأنما الهيئة المنتخبة من الشعب التي تمارس السلطة التشريعية نيابة عن المواطنين تسمى بالمجلس النيابي (البرلمان ) بغض النظر عن كون هذه  الهيئة من مجلس واحد او مجلسين حسب ما يحدده النظام الأساسي للدولة ( الدستور) .

إن نظام المجلسين سمة أساسية للأنظمة المركبة ” الأنظمة الفيدرالية” ولكنه ليس حكرا عليها، فهو متبع في الدول الفيدرالية مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، والدول المركزية مثل فرنسا ومصر. إن الدول ذات المساحة الجغرافية والتعداد السكاني والتنوع الثقافي والعرقي تميل لثنائية السلطة لخلق توازن في التمثيل الشعبي لكافة السكان، ولاشك أن النظام السياسي لشكل السلطة التشريعية يعكس رؤية خاصة في التمثيل الديموقراطي لكل دولة.

نظام المجلسين:

يجمع فقهاء القانون الدستوري على أنه لا يمكن الاستفادة المرجوة من نظام المجلسين إلا إذا تحقق اختلاف جوهري في هذه الجوانب:

  • عدد الأعضاء 
  • التنوع في السن وطبقة الانتماء، والحكمة
  • التخصص ومدة النيابة

الصومال بين نظام المجلس الواحد ونظام المجلسين:

لقد كان المجلس الواحد هو المتبع في الصومال بداء بدستور 1960م ولكن الدستور الفيدرالي المؤقت لعام 2012 م يعد أول دستور أخذ بنظام المجلسين  حيث نص في المادة “55” أن البرلمان سيكون من مجلسين، مجلس الشعب ومجلس الشيوخ” دون حسم للسلطات المرهونة لعملية مراجعة الدستور التي تراوح مكانها ولم تكتمل منذ 2012.

لم يحدد الدستور المؤقت بين المجلسين شروط العضوية من الخبرة العلمية، والسن، والانتماء الطبقي فقد وضع شروطا عامة للبرلمان في المادة “58”  من بينها: أن يكون العضو حاصلا على الشهادة الثانوية أو ما يعادلها، وأن يكون بالغا من العمر “25 سنة” كما لم يفرق الدستور بين المجلسين في مدة الولاية فقد إشترط للمجلسين أربع سنوات تبدء من يوم إعلان النتيجة وهو الدستور الوحيد الذي لم يفرق مدة الحكم بين المجلسين من بين الدساتير التي تأخذ ثنائية الحكم حسب قراءتي، أما في المهام التشريعية فالمجلسان يشاركان في الانتخابات الرئاسية، وعزل رئيس الجمهورية، وتعديل الدستور، واصدار التشريعات، وتعيين اللجان المستقلة، وتشكيل المحكمة الدستورية، والمهام الأخرى المنوطة في اللوائح فلا يوجد فروق تشريعية حقيقية فمجلس الشيوخ نسخة تكاد تكون طبق الأصل لمجلس الشعب، رغم اختلاف عدد المجلسين، ونوعية التمثيل كما ينص عليه الدستور ولكن هناك تداخل كبير بين مهمام المجلسين.

مسوغات الأخذ بنظام المجلسين

ويمكن تحديد ابرزها :

1 ـ الفيدرالية :

إن الشكل الفيدرالي للدولة يفرض اعتماد نظام المجلسين، فيمثل احد المجلسين الولايات او الدويلات الأعضاء في الاتحاد ، ويكون هذا التمثيل متساويا في بعض الحالات مثل الولايات المتحدة الامريكية ، او يكون التمثيل حسب الاهمية الجغرافية ، والسكانية ، مثل المانيا ،اما المجلس الآخر فيمثل شعب الدولة الفيدرالية بمجموعه، وهذا الوضع تفرضه ضرورة التوفيق والتوازن بين النزعة الاستقلالية للولايات الأعضاء في الاتحاد وضرورة حماية استمرارية الاتحاد ووحدة الدولة ، وتكاد تكون هذه الصيغة هي التي تاخذ بها معظم الدول الفيدرالية.

2- منع استبداد السلطة التشريعية:

يذهب البعض إلى أن انفراد مجلس واحد بسلطة سن القوانين في الدولة قد يؤدي الى استبداد هذا المجلس وتعسفه في استعمال سلطته في مواجهة السلطة التنفذية خاصة، إلا أنه في حالة توزيع السلطة التشريعية بين مجلسين،  فان ذلك سيحول دون الاستبداد أو التعسف، كما يعد ذلك عاملا لتحقيق التوازن بين السلطات خاصة التشريعية والتنفذية .

3- عدم التسرع في التشريع:

تعد العملية التشريعية عملية أساسية وخاصة لأنها تنظم مختلف أوجه النشاط البشري ، وعليه لابد أن تحاط هذه العملية بالدقة اللازمة حتى لاتكون عرضة للتغيير والتعديل السريع ، لذلك يعتقد البعض بأنه يجب ألا تتسرع السلطة المختصة في إصدار هذه التشريعات، كما يعتقدون أن نظام المجلسين يحد من هذا التسرع ويضمن اصدار التشريعات بعد التدقيق والتمحيص .

مقارنة بين نظام أحادية وثنائية السلطة التشريعية 

نظام المجلس الواحد:

المجلس النيابي في الدولة يتكون من مجلس واحد ويمارس السلطة التشريعية لوحده، وقد اخذت أغلب دول العالم بهذا النظام وبالذات الدول ذات الشكل الموحد (البسيط)، ونظام المجلس الواحد يتميز بالبساطة والسرعة في العملية التشريعية ويجنب البلاد المنازعات والانقسامات التي تحدث داخل الهيئة التشريعية .

نظام المجلسين:

المجلس النيابي (البرلمان) يتكون من مجلسين يمارسان السلطة التشريعية، وذلك بتوزيع الاختصاص التشريعي بينهما أو بالتعاون في ما بينهما، ويرتبط نظام المجلسين في أكثر الأحيان بشكل الدولة، فالدول الفيدرالية تعتمد على نظام المجلسين كالولايات المتحدة الامريكية والمانيا، كما ان بعض الدول ذات الشكل البسيط هي الأخرى تاخذ بنظام المجلسين لاسباب تاريخية. كما هو الحال في بريطانيا حيث يوجد فيها مجلسان هما مجلس اللوردات ومجلس العموم وفرنسا هما مجلس النواب والشيوخ. ويتميز كل نظام على الاخر بما يلي :

أولا: من حيث التشكيل

يتعلق الأمر باختلاف المجلسين في التشكيل بالانتخاب أو التعيين وحتى بالوراثة وذلك لإثراء السلطة التشريعية ورفع مستوى كفاءتها، خاصة وأن مهمة المجالس النيابية هي سن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية وهي من الأهمية بمكان فوجب فيمن يتولاها أن يكون من أصحاب العلم والمعرفة والدراية والحكمة، ووجب على العاقل تخير الأفضل لتلك المهمة من الكفاءات، إلا أنه نظرًا لظروف الانتخابات أو الظروف المحيطة يدخل في البرلمان من هم دون الكفاءات اللازمة وبالتالي استحدث المجلس الأعلى لعمل التوازن المطلوب.

ثانيا: من حيث الاختصاصات

دستور الدولة يحدد اختصاصات كل من المجلسين، ففي نموذج الدول البسيطة فسلطة التشريع دائما للمجلس المنتخب ويسمى مجلس النواب، أما مجلس الأعيان فيفصل في المنازعات وسلطته معنوية أكثر مما هي عملية، أما الدول ذات الشكل المركب (الفيدرالية) فإن المجلسين يمارسان السلطة التشريعية معا وغالبا ما يكونان منتخبين من الشعب.

ثالثًا: من حيث الأداء

لوحظ أن انفراد مجلس واحد بالسلطة التشريعية يؤدي إلى استبداده كما أثبتت التجربة في عديد من الدول، فإن في انفراد مجلس واحد بسلطة التشريع وسن القوانين في الدولة بحيث لا يكون لأي من السلطات الأخرى ثمة رأي فيما يصدره من قوانين في كافة المجالات قد يؤدي إلى استبداد السلطة التشريعية والتعسف في استخدامها في مواجهة السلطة التنفيذية والتي حدثت في العديد من الدول خلال فترات تحولها السياسي، وخاصة أن وجد اختلاف في التوجهات الحزبية والفئوية.

التجارب التشريعية الملهمة للأنظمة الفيدرالية

التجربة الأمريكية

يعتبر كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب جزءًا من الكونغرس الأمريكي ويتم تحديد الصلاحيات والميزات المختلفة للمجلسين في المادة 1 من الدستور الأمريكي.

الاختلافات الرئيسية بين المجلسين هي:

  • يضم مجلس الشيوخ 100 عضو بينما مجلس النواب 435.
  • يخدم أعضاء مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات. في حين يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب لمدة عامين.
  • يدعم مجلس الشيوخ الرئيس في المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية بينما يقوم مجلس النواب بتخصيص جميع مصادر الإيرادات.
  • لدى مجلس الشيوخ تقاليد أرستقراطية، في حين أن مجلس النواب أكثر ديمقراطية وأقرب إلى المواطنين.
  • يرأس مجلس الشيوخ نائب الرئيس الذي ليس عضوًا، بينما يرأس مجلس النواب رئيس المجلس.
  • يوافق مجلس الشيوخ على القضاة الفدراليين وأعضاء مجلس الوزراء، في حين أن مجلس النواب ليس له رأي في هذه العملية.
  • هناك عضوان في مجلس الشيوخ لكل ولاية، في حين يختلف عدد مجلس النواب لكل ولاية حسب عدد السكان.
  • يتشابك عمل المجلسين بشكل صارم، ويحتاج الكونغرس إلى دعم كلتا الهيئتين حتى يتمكن من ممارسة مهامه.
  • يلعب كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب دورًا رئيسيًا في تشكيل الإطار التشريعي للولايات المتحدة، ويقع عليهما واجب أساسي – الحد من ومراقبة – عمل وسلطة رئيس الولايات المتحدة في إنشاء أو تعديل من القوانين الوطنية، وفي تعيين رؤساء الجهات الفاعلة السياسية والقضائية الرئيسية، وفي التصديق على المعاهدات الدولية.
التجربة الألمانية
يعتبر المجلس الأدنى في البرلمان الألماني (بوندستاغ) وفقا للنظام الفيدرالي أهم مؤسسة تشريعية في البلاد، ومجلس الولايات المعروف باسم (البوندسرات) المكون من الولايات الألمانية الست عشرة.
ويختص البوندستاغ بسن التشريعات وإصدار القوانين ومراقبة عمل الحكومة والوزارات والمؤسسات التابعة لها، والإشراف على التزام كل إدارات الدولة بالقوانين، ومناقشة الموازنة العامة للبلاد، والتصديق عليها وعلى إرسال الجيش الألماني في مهام عسكرية للخارجأما مجلس الولايات (البوندسرات) يمثل الولايات الست عشرة ويعبر عن العناصر الفيدرالية المكونة للدولة الاتحادية، ولكل ولاية ثلاثة إلى ستة أعضاء تبعا لعدد سكانها حيث تشارك في صوغ وتشريع القوانين وإدارة شؤون جمهورية ألمانيا الفيدرالية. ولا يعد مجلس الولايات هيئة تابعة للولايات، بل هو هيئة فيدرالية تضطلع فقط باختصاصات اتحادية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حكام الولايات يتولون رئاسة هذا المجلس بالتناوب وفق نظام دوري محدد لمدة عام واحد يضطلع فيه بالصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية، في حالة عجز الأخير عن القيام بمهامه.

ملامح اختصاصات مجلسي البرلمان في ضوء عملية مراجعة الدستور

وظيفة البرلمان إلى جانب تمثيل الشعب هي إقرار التشريعات ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية، فإذا أخذت الدول بنموذج المجلسين فمن المنتظر أن يقوم المجلسان بكل من مهمات البرلمان معا أو بتوزيع المهام بينهما، وقد أثبت الواقع العملي أن العلاقة بين المجلسين تختلف من دولة إلى أخرى، ففي بعض الحالات يمتلك كلا من المجلسين ذات الاختصاصات والسلطات بطريقة متساوية، بينما في دول أخرى يتمتع أحد المجلسين بسلطات أكبر بكثير من الآخر، فالحالة الأولى تمثل في الغالب الدول الفيدرالية وذلك لما سبق من أهمية نظام المجلسين في الدول الفيدرالية، وكذا في الدول ذات النظام الرئاسي، بينما نجد أن حالة ظهور أحد المجلسين بسلطات أكبر بكثير من الآخر تظهر عادة في الدول ذات النظام البرلماني، وفي كل الأحوال فإن المعول عليه ليس شكل المجلس النيابي ( البرلمان ) وإنما وضوح الاختصاصات في الدستور وممارسة كل هيئة مهامها بالتعاون مع الهيئات الأخرى في الدولة .

 الدستور الفيدرالي الصومالي المؤقت يخضع للمراجعة والتنقيح وبعد انتهاء هذه العملية ستتضح مهام كل من مجلس الشعب والشيوخ من حيث العضوية والمدة النيابية والصلاحيات التي يختص بها كل مجلس مما يحقق المصلحة الوطنية ورقابة كل مجلس على الآخر. ستبقى الوظيفة التشريعية مشتركة بين المجلسين بكل الأحوال ولكي يؤتي نظام المجلسين فائدته لا بد أن يتخصص كل مجلس بشؤون معينة؛ ومن الملامح الأساسية التي يوصي بها فقهاء القانون الدستوري هي أن يتولى مجلس الشعب متابعة الشؤون الداخلية كونه المجلس الأدنى والأكثر التصاقا بهموم الشعب اليومية ومراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها ومنح وسحب الثقة عنها فيما سيتولى مجلس الشيوخ شؤون السياسة الخارجية والدفاع والتصديق على التعيينات الرئاسية لكبار المسؤولين في الدولة كالسفراء والقضاة وقادة القوات المسلحة.

المراجع

1. الدستور الصومالي المؤقت لسنة 2012م.

2. الدستور الأمريكي.

3. الدستور الألماني.

4. عزيز كايد، السلطة التشريعية بين المجلس الواحد ونظام المجلسين، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، سلسلة التقارير القانونية رقم “26”.

5. رقية المصدق، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، دار توبقال للنشر 1988.

6. الدكتورة مليكة الصروخ، القانون الدستوري الجزء الثاني، طبعة1998م.

7. حوراء العميدي، نظام المجلس النيابي، جامعة بابل، شوهد في 3 يوليو 2019 : http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges/lecture.aspx?fid=4&depid=1&lcid=8328

 

علي شيخ يوسف

باحث ومستشار قانوني

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. السلام عليكم استاذي الكريم
    الموضوع جميل وأضيف نقطة مهمة ان هناك تجربة ثالثة وهي التجربة المختلطة حيث يتم تعيين مجلس الشيوخ عن طريق الشعب وليس برلمان الولاية أو الإقليم.
    النقطة الثانية في التجربة الأمريكية عضو مجلس الشيوخ له كامل الحرية في التصويت وهو مستقل عن رغبة الولاية التي يمثلها، يعني ممكن يصوت عكس رغبة الإقليم ، لكن في التجربة الألمانية استخدموا نظام vote in bulk بمعنى السيناتور يصوت بناء على رغبة الإقليم وليس له استقلالية عن رغبة الولاية.
    في الصومال أخذت بالتجربة الثالثة أو المختلطة بين الألمانية والأمريكية.
    نقطة اخيرة أحيانا مجلس الشيوخ يكون اقوى من مجلس الشعب وهذه مفضلة لدى أصحاب الفيدرالية
    احيانا مجلس الشيوخ يعادل مجلس الشعب زي ما ذكرت
    احيانا مجلس الشعب يكون اقوى من مجلس الشيوخ وهذه مفضلة لأصحاب الديمقراطية لأنه يمثل الشعب .
    السؤال أين التجربة الصومالية في هذه التجارب، ما هي قوة مجلس الشيوخ في الصومال.
    عفوا على الاطالة

  2. موضوع التقرير مهم للغاية واجتهد الأخ معد التقرير، لكن الملفت للنظر وجود بعض الاقتباسات من الدستور ومصادر اخري لم يشرها الكاتب، ياريت لو تحاشي في قابل الايام.
    وشكرا جزيلا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى