مقدمة
عقد مجلس التشاور الوطني المكون من القيادات الفيدرالية وحكام الولايات اجتماعا للتغلب على مأزق الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد تفجر خلافات حادة حول آلية تنفيذ اتفاقية 17 سبتمبر 2020 والتي تنص على اجراء انتخابات غير مباشرة بعد تعذر الانتخابات المباشرة حسب ما ينص عليه الدستور الوطني؛ وبعد سلسلة اجتماعات في طوسمريب ومقديشو وبيدوا لم يحدث تقدم في المفاوضات باستثناء برتكول بيدوا الذي حسم ثلاث نقاط خلافية هي لجنة الانتخابات وإقليم غدو وصومالاند غير أن المعارضة أضافت بنودا أخرى بعد انتهاء المدة الدستورية للرئاسة وتتمسك بإصدار مرسوم يعلن انتهاء المدة الدستورية للرئاسة والبرلمان والحاجة لطرف ضامن للاتفاق من المجتمع الدولي قبل الخوض في البنود الاخرى، بينما تصر الحكومة أن لديها كامل الصلاحيات التي تخولها اجراء الانتخابات حسب اتفاقية سبتمبر التي تم التوصل لها في مقديشو وبرتكولها الملحق الموقع في بيدوا، ولن تساوم أو تفرط في سيادتها، وعلى إثر هذه المواقف المتباينة عقد وزير الاعلام في الحكومة الفيدرالية عثمان دوبي موتمرا صحفيا أعلن فيه أن المفاوضات فشلت بسبب تعنت كل من حاكم ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني وحاكم ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام .
فشل المفاوضات
يبدو أن ما أعلنه وزير الإعلام الصومالي عثمان دوبي من فشل المفاوضات بين الحكومة وحكام الولايات وتحميل المسؤولية على الثنائي حاكمي ولايتي بونتلاند وجوبالاند واتهامها بأنهم مازالوا يضعون العراقيل أمام تنفيذ الاتفاقية، يعتبر فعليا نهاية المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود.
وعليه فإن المراقبين يرون أن الخطوة التالية هي التوجه إلى البرلمان الفيدرالي وطلب التمديد بحجة عدم وجود شركاء يمكن الوثوق بهم وحتى لا يستفيد أعداء الوطن من الفراغ الدستوري الذي لا تعترف بوجوده الحكومة إلا في مثل هذه الأوقات.
ومن المؤكد أن كلا الفريقين الحكومة والمعارضة قد يجادل أنه حاول ما يمكن تحقيقه لعقد انتخابات يتفق عليها الجميع، وكلنا يعرف أن الحكومة ماتزال تتمسك باتفاقية سبتمبر وبرتكولها الملحق، بينما المعارضة تحاول اضافة بعض الشروط المتعلقة بمكانه الرئيس بعد انتهاء ولايته الدستورية في 8 فبراير 2021، ولكن هل هذه المزاعم حقيقية أم أنها محاولة للتغطية وخداع العامة تصب في تحقيق أطماع أجنبية لا يمكن الإعلان عنها أمام الجماهير؟
الدوران في حلقة مفرغة
ونظرا للظرف الدقيق الذي يمر به البلد والتعنت المتبادل من كلا الجانبين، يبدو لي أن المعارضة تحاول عرقلة أي انتخابات تجرى في ظل وجود الرئيس فرماجو في السلطة كرئيس كامل الصلاحيات لا لأنه قد يزور الانتخابات بل لمعرفتهم أنه سيعود حتما اذا تمت الانتخابات الآن، ويرى بعض المراقبين أن المعارضة في وضعها الحالي لا تقوى على مواجهة الرئيس في الانتخابات كونها تفتقر إلى التماسك الداخلي والأهداف الموحدة فضلا عن عدم وضوح سياسة الممول الخارجي بعد المصالحة السعودية القطرية والتوجس الشعبي من الدور الإماراتي بعد خراب اليمن؛ لذلك فإن المعارضة غير مستعدة لخوض الاستحقاق الانتخابي على أساس اتفاقية سبتمبر، وتستمر في وضع العراقيل أمام تقدم المفاوضات، حتى يقبل فرماجو شروطهم التعجيزية أو تعود البلاد إلى المربع الأول، وهذا ما يتم تكراره في تصريحات المعارضة منذ بداية الخلافات!. ومع ذلك ؛ فإنه من المؤكد أن الفريق الحاكم لا يتحمس لخوض الانتخابات إلا اذا ضمن الفوز؛ لذلك فهو يفضل أيضا اللجوء إلى خيار التمديد، ويتمسك بكل قشة لإفشال المفاوضات، ولهذا فأن المفاوضات تدور في حلقة مفرغة.
الطريق نحو التمديد
وعلى الرغم من صعوبة الوضع فإن الفريق الحاكم مقتنع بأنه يملك أغلبية الولايات والبرلمان؛ ولذلك يتحجج مؤيدوه بأنهم يملكون الشرعية التي تجيز له الاستفادة من هذه الأغلبية وطلب التمديد من البرلمان، ويمكن تسويغ القرارات التي يصدره بسهولة، وأن المجتمع الدولي سيرضخ وسيتعامل مع الوضع الجديد، ولاسيما أنهم يتفهمون جيدا مما بذلته الحكومة من جهود وتنازلات حسب زعمهم، وهذا ما كان يمهد إليه وزير الإعلام في مؤتمره اليوم الذي كان إعلانا جديدا للحرب الكلامية بين الرئيس وحكام ولايتي بونتلاند وجوبالاند، ويبدو لي أن هذا نوع من الانتحار السياسي، ولكنه غير مستبعد من الفريق الحاكم الذي عودنا دائما باستراتيجية الهروب إلى الأمام.
وما تزال الحكمة غائبة عن المشهد، وكأن العقل أخذ إجازة مفتوحة، فهل سيعود صوت الحكمة والمنطق أم سيندم الحميع بعد فوات الأوان.
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!