قراءة في أبعاد الخلاف بين الحكومة الصومالية والولايات
التقرير الأسبوعي (2)
اختتم في مدينة كسمايو حاضرة محافظة جوبا السفلى والعاصمة المؤقتة لولاية جوبلاند المؤتمر التشاوري الذي جمع بين حكام الولايات الصومالية، وشارك في هذا المؤتمر كل من حاكم ولاية جوبلاند المضيف السيد أحمد مذوبي، والسيد عبد الولي جاس، حاكم ولاية بونتلاند، والسيد شريف حسن شيخ آدم، حاكم ولاية جنوب غرب الصومال، والسيد أحمد دعالي غيله “حاف” حاكم ولاية جلموذغ، والسيد محمد عبدي واري حاكم ولاية هيرشبيلي، وشارك معهم أيضا في المؤتمر المبعوث الأممي الخاص بالصومال السيد مايكل كيتنج الذي انتهت فترة تعيينه بالصومال، والذي يمكن القول بأنه كان ضيف شرف باللقاء بعد تلبية دعوة من قبل حكام الولايات الفيدرالية .
الاجتماع الذي استمر في الفترة ما بين 4 – 8 من الشهر الحالي، تمخض عنه بيان ختامي تكون من ستة صفحات، وذلك بعد مشاورات استمرت لمدة أربعة أيام في مدينة كسمايو، وقد شمل البيان الجوانب الأمنية والاقتصادية والسياسية وعملية مراجعة الدستور المستمرة، وكانت السمة العامة في خطابات حكام الولايات هو التنديد بالحكومة الفيدرالية واتهامها بما سموه بالتجاوزات السافرة وعدم الوفاء بالتزاماتها، وفشلها في الجوانب الأمنية والسياسية والمصالحة وعملية مراجعة الدستور.
وفي نهاية البيان الختامي عبر حكام الولايات عن يأسهم من أن تقوم الحكومة الفيدرالية بتنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها مع الولايات سابقا، وأن الطريق الوحيد لإقامة علاقات تعاونية بين الطرفين يكون فقط حسب ما ورد في البيان الختامي:
- أن تكف الحكومة الفيدرالية عن التجاوزات السافرة في شؤون الولايات.
- أن تقدم اعتذارا عن إثارة المشاكل والتأليب ضد الولايات.
- الحصول على آليات مضمونة تساهم في التوافق والتعاون بين الطرفين .
وإذا لم تقم الحكومة الفيدرالية بتنفيذ هذه البنود المهمة كما عبر عنه البيان الختامي، فإن المجلس التعاوني لحكام الولايات الفيدرالية يقوم بتجميد التعاون الذي يربطه مع الحكومة الفيدرالية .
ويظهر من فحوى البيان الختامي، عمق الخلافات بين الولايات والحكومة الفيدرالية الصومالية، كما أن رفض حكام الولايات لطلب الاجتماع من قبل الرئيس الصومالي في العاصمة مقديشو في الثامن عشر من هذا الشهر، وطلبهم وسيطا يرعى المؤتمر ساهم في تأجيج الخلاف بين الطرفين.
أسباب الخلاف:
يمكن القول إنه ومنذ استكمال تشكيل الولايات الفيدرالية في أواخر إدارة الرئيس السابق حسن شيخ محمود، لم تكن العلاقة بين حكام الولايات وبين الحكومة الفيدرالية بخير، وغالبا ما كانت هناك خلافات تطفو على السطح حتى قبل استكمال تشكيل باقي الولايات، كانت هناك خلافات بين الحكومة الفيدرالية والولاية الوحيدة القائمة آنذاك، وهي ولاية بونتلاند الصومالية، ونحاول في هذه السطور بحث الأسباب التي تساهم في ظهور مثل هذه الخلافات.
-
عدم استكمال مراجعة الدستور
الدستور الصومالي المؤقت التي تمت المصادقة عليه في 2012 والمعمول عليه لحد الآن، هو جوهر الخلافات بين الولايات والحكومة الفيدرالية، بسب عدم نحاج استكمال مساعي عملية مراجعة الدستور المؤقت في فترة الرئيس السابق حسن شيخ محمود، ولازالت العقبة مستمرة مع انقضاء قرابة سنتين في حكم الرئيس الحالي فرماجو، ولم تثمر بعدُ الجهود التي تبذلها المؤسسات المكلفة بمراجعة الدستور، ومع عدم استكمال مراجعة وانجاز دستور دائم يتفق عليه الصوماليون تبقى الخلافات قائمة، كون الدستور المؤقت المعمول به في الفترة الحالية لا يفصل الكثير من السلطات التي تختص بها كل من الولايات والحكومة الفيدرالية، والكثير من بنوده متعارضة وغير مكتملة، ويحتج كل طرف من الأطراف ببند يدعي أنه يخول له السلطة بممارسة هذه الصلاحيات أو تلك.
-
الاستحقاقات الانتخابية القادمة لحكام الولايات
معظم الولايات الفيدرالية مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو ما يعد أحد الأسباب التي ساهمت في تأجيج الخلاف بين الولايات والحكومة الفيدرالية، فمع أن الكثير من حكام الولايات لم يقوموا بما يكفي من توفير الخدمات للشعب الذي يعيش في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، ووجود حالة من الاستهجان الشعبي بسبب ممارسات بعض حكام الولايات تمديد فترة رئاستهم ليوفر لهم المزيد من الوقت من أجل إعادة انتخابهم مرة ثانية، كما أن احتمالية ترشح مرشحين مواليين للحكومة الفيدرالية، ويجدون منها الدعم يشكل هاجسا لدى حكام الولايات، وقد أصدرت وزارة الداخلية الفيدرالية بيانا ذكرت فيه استعدادها لتقديم الدعم اللازم للولايات من أجل إجراء انتخابات نزيهة، ونوهت بأنه لا يمكن قبول تأخير الانتخابات عن وقتها.
-
التدخلات الأجنبية
يتفق المحللون بأن الأزمة الخليجية كان لها تأثيرها الواضح على السياسية الداخلية الصومالية، وأحد الأسباب الرئيسية للخلاف القائم بين الحكومة والولايات، فقد اتخذت الحكومة الفيدرالية قرارها الحيادي بالأزمة الخليجية، ودعت جميع الأطراف إلى التوجه لمائدة المفاوضات لحل الخلافات فيها بينها؛ ولكن هذه القرار قوبل بالرفض من قبل بعض الولايات، إذ صرحت بأنها لا تتق مع قرار الحكومة الفيدرالية، وأن المصالح التي تربطها مع بعض الدول الخليجية تحتم عليها الوقوف إلى جانبها، ومع صحة دعوى الولايات أو بطلانها ولكن هذا يشكل خرقا واضحا للدستور الصومالي المؤقت، والذي إن كنا سلمنا سابقا أن بعض بنوده تتناقض ولكنه يعطي الحكومة الفيدرالية حق اتخاذ تقرير السياسة الخارجية بوضوح، كما نددت الحكومة الفيدرالية مرارا بقيام بعض الدول توقيع الاتفاقيات التجارية والتعاونية مع بعض الولايات بدون الرجوع للحكومة الفيدرالية.
مبادرة مجلس الشيوخ
في ظل هذه الحلافات القائمة بين الحكومة الفيدرالية والولايات أطلق مجلس الشيوخ – الغرفة الثانية للبرلمان الفيدرالي الصومالي – مبادرة لحل الخلافات بين الأطراف، وتتلخص المبادرة بإرسال وفود لكل الولايات بهدف تقييم الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية لتلك المناطق والاستماع لآراء الولايات بشأن كيفية حل الخلافات القائمة بينها وبين الحكومة الفيدرالية، وطالب المجلس وقف الحملات العدائية ودعوات سحب الثقة التي يقوم بها بعض الولايات من أجل إعطاء الفرصة لمبادرة مجلس الشيوخ، وقد بدأت بالفعل رحلات الوفود التي أرسلها مجلس الشيوخ لكل الولايات، ويعلق الشعب الصومالي آمالا عريضة على هذه المبادرة التي أطلقها مجلس الشيوخ علها تساهم في ترطيب الأجواء بين الحكومة الفيدرالية والولايات، وقد أثمرت بعضها؛ حيث تراجع حاكم ولاية هيرشبيلي من تعليق تعاونه مع الحكومة الفيدرالية، وتعهد بالتباحث مع زملائه بشأن العدول عن قرارهم ذاك دون اللجوء إلى مفاوضات ترعاها جهات أجنبية.
الخلاصة
يُذكر أنه مع تجاوز معظم المعضلات والمنعرجات التي مرت بها السياسة الصومالية يأمل الشعب الصومالي من المسؤولين بمختلف مستوياتهم التوافق على خارطة طريق تساهم في استعادة الصومال مكانته التي كان يحتل بها بين شعوب العالم، وذلك من خلال حل الخلافات التي تحدث داخل الوطن بشكل يتماشى مع التغييرات الكثيرة التي تحصل في المنطقة عموما والقرن الإفريقي بصفة خاصة.