السياسةالصومالبحوث ودراساتتحليلاتفكر إسلاميمقالاتوجهات نظر

نظرة على المقترح القانوني للجرائم الجنسية على ضوء الفلسفة القانونية

مقدمة

سبق أن صادق مجلس الوزراء الصومالي على مشروع قانون  ينص على معاقبة كل أنواع جرائم الجنس وعلى رأسها الاغتصاب عام 2018، إلا أن وصول مشروع القانون إلى قبة البرلمان أثار زوبعة من الانتقادات لمقترح القانون على أساس أنه مخالف للشريعة الإسلامية  وقد أبدى بعض العلماء ملاحظات شرعية على بعض مواد القانون لتضمنها أحكاما تصادم الشريعة الإسلامية . وكان مشروع القانون المقدم من الحكومة والذي أثار الجدل يتكون من 63 مادة وتسعة فصول تتضمن تجريم جملة جرائم جنسية مثل الاعتداء الجنسي ، والتحرش الجنسي والاغتصاب، والاغتصاب الجماعي ، و العبودية الجنسية ،  والاستغلال الجنسي ، والسياحة الجنسية ، والزواج القسري ، الهجرة من أجل الاسترقاق الجنسي،  وتجارة الأفلام الإباحية، كما تضمن أحكاما تتعلق بحماية  الأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة عن الاستغلال الجنسي. وتنص المادة 63 من المقترح على إلغاء بعض أحكام الجرائم الجنسية الواردة في قانون العقوبات الصومالي الصادر عام 1962 وبالتحديد مواد 398، 399، 401، 407،408

وكمحاولة لتقريب وجهات النظر حول المقترح القانوني المشار ، عملت اللجنة البرلمانية المكلفة بمراجعة المقترح القانوني على إعداد نسخة معدلة من النسخة الأصلية بالتعاون مع علماء ومثقفين إلا أن النسخة المعدلة نفسها لقيت معارضة شديدة من غالبية النواب بعد طرحة للمناقشة مؤخرا وطالب بعض النواب بسحب المقترح القانوني نهائيا.

وفي هذه الورقة، يحاول الكاتب  بتقديم صورة عامة عن مقترح قانون الجرائم الجنسية غير المعدل المثير للجدل والذي قدمته الحكومة الفيدرالية إلى مجلس الشعب لتمريره مع إبراز الاتجاه أو الفلسفة التشريعية  التي سلكها المشرع وتحليل أهم البنود المنظمة لجرائم الجنس ولا سيما الاغتصاب حتى يتم تهذيب الخلاف حول مشروع القانون وتاسيس منطلقات للنقاش حول الموضوع بعيدا عن الإثارة والشعوبية والتهييج والتجييش العاطفي. وتجدر الإشارة إلى أن سبب عدم مراجعة الكاتب للنسخة المعدلة لمقترح القانون هو كونها مختصرا من النسخة الأصلية (من 63 في الأصل إلى 39 في النسخة المعدلة) عدا التعديلات التجميلية لتقليل بعض مخالفات النسخة الأصلية  للشريعة إلا أن النسخة المعدلة ذاتها تعاني من ضعف الصياغة وتعاني من عدم التناسق مع فقدان  المقترح المعدل للدّقة و التّفصيل و اطلاقات قد تطرح مشاكل عدّة في التفسير، كما يترك للقاضي تحديد العقوبة ولا ينص على أي عقوبات للجرائم المنصوصة في مشروع القانون المعدل .  

الفلسفة التشريعية وراء مشروع  القانون

تعتبر جريمة الاغتصاب التي هي رأس الجرائم الجنسية  الأكثر خطورة في المجتمع، فهي ذات أثر كبير في الرأي العام كما أنها بالإضافة إلى الضرر المادي والمعنوي الذي يلحق بعرض وسمعة المجني عليها فانه تترتب عليها نتائج خطيرة كالحمل والإجهاض والأمومة غير الشرعية التي تؤدي بالتالي إلى إشكالات اجتماعية لا حصر لها.

لذلك تفرض غالبية التشريعات الجنائية عقوبات تتناسب مع جرم الاغتصاب وذلك وفقاً لمقتضيات كل مجتمع ونظرته إلى حماية المرأة والعرض والشرف ، وقد نص القانون الجنائي الصومالي الصادر عام 1962 في الكتاب الثاني  تحت اسم باب “جرائم ضد الآداب والأخلاق على تجريم الاغتصاب بحبس يتراوح ما بين خمسة إلى خمسة عشر سنة بهدف حماية الشرف والأخلاق  ، على عكس مشروع القانون الحالي الذي يفهم أنه ينطلق من الاتجاه الحقوقي القائل بأن  جرائم العنف الجنسي على النساء والفتيات هي جرائم عنف قوامها الأفعال المرتكبة بحقهن وأساس التجريم هو لحماية الحق الأصيل في السلامة الجسدية والحماية من العنف بكافة أشكاله والحق في الحرية الجنسية (يفهم هذا من روح مشروع القانون ككل ولا سيما من ديباجية مشروع القانون غير المعدل وكذلك التعريف الشامل لجريمة الاغتصاب ). فالمومس حسب هذا القانون يجوز أن تكون مجنياً عليها مادام قد حصل الوقاع بغير رضاها لأن القانون يحميها وهي على قدم المساواة مع أي امرأة أخرى ولا تجوز اعتبار سلوك المومس دليلا على رضاها في ممارسة الاغتصاب ضدها (انظر مادة 53 من مشروع القانون غير المعدل).

هذه الفلسفة الحقوقية والنسوية للاغتصاب قد لا تتوافق مع فلسفة التشريع الإسلامي من حيث مناط تجريم الاغتصاب، ومن حيث المصلحة المحمية، فتجريم الاغتصاب في الشريعة مؤسسة على كونها اعتداء على حق الله تعالى وبالتالي  تهدف إلى تحقيق مقصد حماية العرض والنسب في كل الأحول.

أركان جريمة الاغتصاب على ضوء مشروع قانون الجرائم الجنسية

تنص المادة 9 من مقترح القانون غير المعدل على أن الاغتصاب “ إدخال شخص في فتحة الجهاز التناسلي  أو دبر أو فرج  شخص آخر قسريا ولو كان طفيفا باستخدام أي شيء أو عضو من الجسد .

وبتحليل العناصر الواردة في التعريف أعلاه ، جريمة الاغتصاب تتحقق بعد توفر العناصر التالية :

الركن المادي للجريمة

أ- ” الشخص “ : إيراد كلمة الشخص  في سياق الجاني تدلّ على أنه أنه لا يشترط كون الجاني رجلا ، وإنما   يتصور وقوع  الاغتصاب من الرجل والمرأة على حد سواء .

ب- “شخص آخر ” في سياق المجني عليه دون حصره بالمرأة يعني أن المشرع لا يتصور وقوع الاغتصاب من جنسين مختلفين مثل رجل وامرأة ، وإنما يتصور أيضا وقوعه من جنس واحد  كما لو كانا رجلين أو إمرأتين، على عكس أحكام قانون الجنائي الصومالي الصادر عام 1962 الذي ذهب في التفريق بين  الاغتصاب  الذي طرفاه جنسان مختلفان (رجل وامرأة )(مادة 398 ) ، والاغتصاب الذي يقع من جنس واحد ، كما لو كانا رجلين (مادة 400) إذ يستوجب العقاب في الأخير بتشديد العقوبة كونها ضد الفطرة والأخلاق .

ج_ الإيلاج الجنسي : تم توسيع الإيلاج حتى يشمل الاغتصاب الشرجي والفموي والذي يتم ارتكابه بالأصابع أو الأدوات الحادة، وهذا يتوافق مع التعريف الدولي الشامل للاغتصاب الذي ينص كون الجريمة “دخول جسم الإنسان (الاتصال الجنسي) قسرياً أو دون رضا صاحبه بواسطة القضيب أو أداة مثل هراوة أو عصا أو زجاجة”  حسب منظمة العفو الدولية وكذلك التعريف الذي أورده نظام روما الأساسي للاغتصاب بأنه ” كل سلوك ينشأ عن ايلاج عضو جنسي في أي جزء من جسد الضحية أو جسد الفاعل أو ينشأ عنه إيلاج أي جسم أو أي عضو آخر في الجسد في شرج الضحية أو في فتحة جهازه التناسلي مهما كان ذلك الإيلاج طفيفاً وان يرتكب الاعتداء بالقوة أو التهديد باستخدام القوة أو الإكراه  أو عجز الشخص عن التعبير حقيقة عن الرضا“.

وتطبيقا على هذا التعريف، يتصور أن يقع الاغتصاب من  جنس واحد كما لو كان رجلين او امرأتين ، أو  من جنس مختلف كما لو كان رجلا وامرأة ، ما يعني أن التعريف يشمل الزنا واللواطية والسحاق  في حال  يتم ارتكابها بالجبر أو الإكراه .

ثانعدام الرضا: حتى يعد الفعل المؤدي إلى إيلاج جنسي اغتصابا توجّب  أن يحصل بدون رضا الضحية ، ولاعتبار الرضا صحيحاً من الناحية القانونية تعرّف مادة  2 من مشروع القانون ما يعني الرضا وتنص على حالات تنفي وجود الرضا مثل عدم أهلية الشخص لفهم كنه الفعل أو جنونه أو صغره أو خوفه أو تخديره أو شعوره  بالعجز عن المدافعة كأن يكون المجني عليه في ساحة حرب أو ثكنة عسكرية أو مكان يسيطر عليه مليشيات أو عناصر إرهابية  أو في سجن.

والملاحظ الأول تحت هذا البند هو أن إطلاق كلمة “عدم الرضا” أو الإكراه الوارد في هذه المادة قد تؤدي إلى إغفال عنصر المشروعية في الوطء حيث يتم تجريم الجماع بغير رضا الزوجة بغض النظر عن حلّ المحل ، ومن المعروف في الشريعة أن مواقعة الزوج لزوجته من القبل لا تعد اغتصاباً ولو كانت بغير رضاها لتوفر عنصر المشروعية هنا أو حلّ المحل . ويشترط في الشريعة أن لا يترتب على إكراه الزوج لزوجته أي إيذاء او إحداث إصابات أو جروح بها وإلا يكون مسؤولا جنائيا عن ما أحدثه من إصابات أو ضرر .

ورغم أن الشرعية لا تعاقب الزوج في مواقعة الزوجة قسرا إلا أن جريمة الاغتصاب قد تكون قائمة في حال واقع الزوج زوجته دون رضاها من الدبر عند أكثر الفقهاء، ولا يشفع كون فعله مشروعا بقيام الزوجية لأن عقد الزواج يبيح له مباشرة زوجتـه مواقعـة لا استدبارا.

وتجدر الإشارة أن هناك حالات منحت الزوجة الحق في الامتناع عن معاشرة زوجها في حالات معينة كالصوم (المكتوب) أو الحيض أو الإحرام أو النفاس أو المرض وقد تترتب عقوبات تعزيرية ضد الزوج .

بالذكر إن جريمة اللواط تكون قائمة فيما إذا ارتكبها شخص ضد زوجته دون رضاها فيعاقب الزوج تعزيرا.

الملاحظ الثاني : أن المادة 25 من القانون تجرم الزواج القسري لتضمنه جماعا قسريا لا تحقق فيه رضا الزوجة  ويفهم من القانون أنه يعني الزواج القسري بزواج  البنات دون سن  18 عاما لأن الدستور الصومالي المؤقت يحدد سن البلوغ بخمسة عشر عام .وتحديد سن الزواج تتوافق مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة في 20 نوفمبر 1989 والتي نصت على ان الطفل ما لم يبلغ سن 18سنة في حالة عدم نضج بدني وعقلي وكذلك ما جاء في عدة اتفاقيات وإعلانات دولية أخري مثل المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي عقد في بكين والذي أوصى بسن القوانين المتعلقة بالحد القانوني  الأدنى  لسن الرشد ، والحد الأدنى لسن  الزواج ، وإنفاذ تلك القوانين بصرامة ، ورفع الحد الأدنى  لسن الزواج عند الاقتضاء.

الركن المعنوي

جريمة الاغتصاب جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، ويكفي القصد العام لتوافر هذا الركن كما هو المنصوص عليه، ويعتبر استعمال القوة أو العنف أو التهديد قرينة على القصد الجرمي في أغلب الحالات حسب هذا القانون .

عقوبة الاغتصاب في مشروع القانون

يعاقب مشروع القانون غير المعدل جناية الاغتصاب  على سجن يتراوح ما بين 10 عشر سنوات إلى 25 عشرين عاما مع حالات  سجن مؤبد ولا سيما في حال الاغتصاب الجماعي (مادة 5) ، وتتضمن مادة 54 من القانون على ظروف مشددة للعقوبة ، والتي ترجع عند التحليل إلى شخص المجني عليه مثل كونه مسنا أو من ذوي الإعاقة أو صغيرا أو حاملا، أو قد تتعلق بصفة الجاني مثل كونه موظفا أو مكلفا بخدمة عامة أو كونه مشاركا  في الجريمة مع جناة آخرين  أو كونه مصابا بالأمراض التناسلية الخطيرة أو كونه  ارتكب الجريمة تحت تهديد السلاح أو بتهديد  حرق الضحية أو تشويهه أو ارتكب الجريمة أمام أطفال وغيرها أو كونه جاني أو جناة  متعودين على ارتكاب الجريمة.

ومن أبرز الملاحظات على الفلسفة العقابية التي بني على المقترح:

الملاحظة الأولى: إن المشروع ينطلق من مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في النصوص العقابية وحماية الأطفال وتوحيد سنهم في جرائم العنف الجنسي مع الحد من سلطة القضاة في استخدام الرأفة في جرائم العنف الجنسي.

الملاحظة الثالثة: إن مشروع القانون ينطلق من الاتجاه الحقوقي العالمي المناهض لتنفيذ عقوبة الإعدام إذ أن أقسى العقوبة لجناة الاغتصاب حسب هذا القانون لا تتعدى عقوبة السجن المؤبد على عكس بعض الاتجاهات القانونية الأخرى التي تعاقب الفاعل بالإعدام في بعض الحالات. على سبيل المثال، يعاقب قانونالعقوبات المصري بموجب المادة (267) على اغتصاب المحارم بالإعدام  وكذلك اغتصاب من له سلطة على الضحية أو كان خادما بالأجر عندها أو من كان يتولى تربيتها . كما أن جمهور الفقهاء يعاقبون المغتصب بحد الزنا ما يعني أن الجاني قد يواجه الإعدام في حال ثبت أنه زان بالجبر بعد الإحصان ، وهناك اتجاه فقهي يجعل  الإعدام أيضا أحد خيارات عقوبة الاغتصاب في حال يقع على جهة المغالبة بالفساد وينطلق هذا الاتجاه كون العقاب الأنسب لمثل هذا الاغتصاب هو وضعه تحت دائرة حد الحرابة، لأن  المحاربة تتم بإزهاق الأنفس والأموال والأعراض من باب أولى.

الملاحظة الرابعة : علق مشروع القانون غير المعدل  وقف أو تحريك الدعوى الجنائية الخاصة بجريمة الاغتصاب والتحقيق فيها والإجراءات المتخذة بخصوصها بقرار النيابة العامة والهدف منها درء تدخلات وتسويات العشيرة في جريمة الاغتصاب بهدف تزويج الضحية للجاني  أو تقديم تعويضات لأسرة الضحية  أو عشيرتها من قبل عشيرة الجاني مقابل سحب الدعوة ضد المتهم ووقف محاكمته (انظر المادة 38 من مشروع القانون). كما ينص على إلغاء المادة 145 من القانون الجنائي كونه يخفف العقوبة عن الجاني في حال قدم التعويضات اللازمة للمجني عليه قبل المحاكمة.

الملاحظة الخامسة: مشروع القانون غير المعدل يعاقب على جرائم الجنس التي ترتكب بدون رضا الطرفين دون الإشارة إلى تجريم الزنا أو اللواط التي يرتكب برضا الطرفين، على عكس المرجعية الإسلامية التي ترى أنه يجب تجريم كل أنواع الجرائم الجنسية بما فيها الزنا واللواط حتى لو ارتكبت  برضا الطرفين. والمقرر في الشريعة الإسلامية أن الفرج لا يستباح بالإباحة، وإنما بعقد النكاح الشرعي الصحيح ، فلا تكون إباحة الفرج من قبل المرأة  للأجنبي شبهة لدرء حدّ  الزنا عنها ، وبهذا قال  الشربيني في مغني المحتاج:  ويحدُّ أيضاً في وطء مبيحة فرجها للوطء ، لأن البضع لا يباح بالإباحة . وهنا، فلا فرق في الشريعة بين الزنا والاغتصاب من حيث مناط التجريم ، مع أن لاغتصاب أشد  جرما من الزنا؛ لأن الزنا بالتراضي، أما الاغتصاب فيتم رغماً عن الفتاة، فهو من باب الإكراه، ولاشك أن الإكراه على المعصية بخلاف إتيان المعصية طواعية، فالإكراه على المعصية تكون المجني عليها مظلومة غير مشتركة في الفعل، ولا إثم عليها.

خلاصة وتوصيات

أن صياغة القوانين تخضع لسياسات التجريم والعقاب التي ينطلق منها المشرعون وبالتالي الخلاف المحتدم الآن في مشروع قانون الجرائم الجنسية بنسخته الأصلية والمعدلة يعود إلى اختلاف النظرية الإسلامية والنظرية الغربية الحقوقية  ولا سيما الاغتصاب. ومع وجود بعض المشتركات بين المدرستين إلا أن البون شاسع في مقصد التجريم ووصف الجريمة والعقاب . وتجدر الإشارة أنه ليس هناك فراغ قانوني في تجريم وعقاب المغتصب إذ أن القانون الجنائي الصومالي الصادر عام 1962 ما زال مطبقا ويعاقب المغتصب من منظور كونه جريمة ضد الاخلاق والعرض ولكن الحاجة تمس إلى مراجعة هذا القانون وتعديله بشقه المتعلق بجرائم العنف الجنسية ضد المرأة تأتي بعد تفشي ظاهرة جرائم الاغتصاب ضد المرأة والاطفال والاتهامات المتكررة من الجهات الحقوقية الوطنية والدولية على القصور الموجود في قانون العقوبات الصومالي في وصف جريمة الاغتصاب وعقابها مما دفع وزارة شؤون المرأة من خلال مساعدة سخية من الأسرة الدولية على طرح مشروع قانون الجرائم الجنسية المثير للجدل .

والآن وبعد المعارضة الشديدة التي لقيها المشروع، على الوزارة مراجعة وتنقيح المقترح القانوني بالتعاون مع العلماء المختصين وأصحاب الشأن الآخرين  بهدف صياغة مقترح القانون غير المعدل بطريقة تتوائم مع مقاصد الشريعة الإسلامية وفق المادة 2 من الدستور الصومالي المؤقت التي تنص صراحة على سموّ الشريعة فوق كل القوانين . وهنا، صياغة قوانين أو تشريعات مؤسسة على فلسفات مناقضة للفلسفة الإسلامية مخالفة للدستور ومصطدمة مع الوعي  الجمعي المتمسك بتطبيق الشريعة، فقد قرر  مونتسكيو أن روح القوانين  يعني أن  أصلها وطبيعتها ونزعتها إنما يحددها أولاً مناخ البلاد وتربيته، ثم فسيولوجية الشعب واقتصاده وحكومته ودينه وخلقه وعاداته.

وفي سياق دور العلماء، يوصي الكاتب أصحاب الفضيلة بتقديم رؤى اجتهادية موحدة قادرة  بلورة رؤية إسلامية  قادرة على ردع المجرمين وقابلة أيضا  للتطبيق على الأرض . وينبه الكاتب الى الصعوبة البالغة في تطبيق رأي الجمهور في الفقه الكلاسيكي القائل بقياس عقوبة الاغتصاب على عقوبة الزنا في أي مشروع فقهي مطروح لمكافحة جرائم الاغتصاب لأن ذلك يجعل إثبات الجريمة شبه مستحيل أو غير قابل للتحقيق نظرا إلى ملابسات جريمة الاغتصاب التي تحدث غالبا في مكان  ناء عن الناس وبالتالي تتعذر إثباتها عن طريق وسائل الإثبات المقررة في جريمة الزنا إلا في حال إقرار المتهمين بالجريمة وهو شبه متعذر أيضا ولا يتصور وقوع الاغتصاب في حضرة أربع شهود رجال إلا في حال حدوث الاغتصاب أمام الشهود دون أن يحركوا ساكنا لمدافعة الجريمة ما يجعلهم إما تحت تهديد السلاح أو متواطئين مع الجناة بسبب وجود عدم تدخل الشهود لوقف وقوع الجريمة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو من باب “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”.

سالم سعيد

باحث مستقل ومستشار قانوني ومحاضر في القانون العام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى