مقالات

هل تقف الثقافة البدوية أمام عجلة التنمية والدولة المدنية في الصومال ؟

 

يتميز المجتمع الصومالي بأنه مجنمع رعوي ذو طابع عصبي في غالبيته،  والمزارعون فيه قلة ويفتخر بقيم الشجاعة و النخوة والشهامة والكرم، وتسود قيم التكافل والتضامن بين أفراده بحسب ما تقتضيه الأعراف البدويه الصومالية وهذه الثقافة وإن كانت محمودة في نطاقها البدوي ولكنها تشكل خطرا على مفهوم الدولة المدنية الحديثة، وتعد هذه الثقافة أول أعمده الهدم للدولة الدستورية المنشودة بعكس الاعتقاد السائد بأن القبيلة صمام أمان للمجتمع والجدل بكونها تأمين اجتماعي وسياسي لأفراد العشيرة. غير أن مع ثورة وتفجر المعلومات وعصر العولمة وتعدد المجتمعات وتعقيد الحياة لم يعد هذا النظام البسيط صالحا لتأسيس دولة حديثة تستطيع القيام بواجباتها في حماية مصالح المجتمع وتقديم الخدمات الأساسية وتمثيله أمام الجتمع الدولي.

إن طبيعة الحمايه البدويه أو ما يعرف ب ” الفزعة” سبب مهم لرفض تطبيق القانون فكل عشيرة يمارس شيوخها سلطات تفوق أي سلطه يحلم بها كل قائد دوله، تدعم العشيرة رجالها ذوي النفوذ وتحمي من يتجاوز القانون وتعتبر أراضيها هي أراض مقدسه ليس للدوله فيها سلطة أو نفوذ وهذا يقوض جهود الدولة ببسط سلطة القانون والنظام. العشيرة كدوله مصغره تعتبر أن كسب ولاءها حق مكتسب لكون الأرض التي تعيش عليها لا تسيطر عليه نظريا أي دوله ولا يحق للدوله السيطره عليها فبالتالي مندوب العشيرة هو مندوب أرض وشعب لا مندوب أفراد في نظرهم.

البرلمان كنظرية سياسية يجب أن يعبر عن قطاع مجتمعي بينما هو عندنا يعبر عن رأي طبقة شيوخ العشيرة وذوي المصالح والنفوذ ممن تحميهم العشيرة لا غيرهم، والفرد الذي يعاكس تلك الاراء فهو منبوذ ويحمل آراء شاذه، ولذلك يعتقد الكثير أن من يتم تسميتهم كوزراء أو دبلوماسيين من أبناء العشائر هم ممثلو هذه العشيرة أو تلك، ويتم الاحتفاء بهم كذلك، كون أننا نتفهم هذا الهرم وتراتبيته وطقوسه المرعية والمستقرة في وجدان الناس.

من مساويء هذه العقلية الصوماليه البدوية على الأجيال القادمة هو تركيب الأحداث السياسيه التاريخيه على أساس عشائري بحت لا علاقة له بسياق الأحداث السياسيه وتداخل الخارج مع الداخل، وتفسير كل الأحداث السياسيه الجسيمه التي مرت بها البلاد بعين شيخ العشيرة الذي سردها لا بعين الرجل الوطني الذي تعنيه الأمه الصوماليه جميعا وإنما بعين مصالح العشيرة التي ينتمي إليها هذا الشيخ.

الفيدراليه الصومالية هي الابن الغير شرعي لحالة القبيله الصوماليه والعقليه البدويه التي لم تكن لتتنازل عن مكتسباتها التاريخيه و سياسه الأمر الواقع، ونظرا لغياب الروح الوطنيه ووصول الدم الصومالي إلى الذقون كانت الفيدرالية حل من لا حل لديه إلا العوده الى مربع القبيله الآمن، حتى أصبح السؤال عن مسقط الرأس مرادفا للسؤال عن العشيرة لدى طبقة النخبة ” المتحضرين ” لتجنب الاحراج الذي قد يقع فيه الشخص.

نظرية أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وبن عمي على الغير تتجسد صراحه في الشعور بأحقية ابن العشيرة للمنصب حتى أصبحت الوزارات مرتعا لأبناء العمومه يتغير الافخاذ المنتسبون حسب نظام المناوبة والمداورة من يمسك هذه السنه بمنصب معين لن يتقلد في المرة التالية.

مدنيه الدوله تبدأ بقتل هوية الإنسان الصومالي البدوي القائمة على نحن بدلا من أنا بمعنى العشيرة لا المواطن ، وينبغي تفكيك هويته وانسنته مع الحفاظ على الإيجابيات في النظام القبلي التقليدي، دون ذلك فأمامنا ألف عام للوصول لدوله القانون والنظام التي لا يؤثر عليه أحد خارج مؤسسات الدولة.

إن هذه المنظومة التي تحمل بذور فناء الدولة؛ إن لم نتدارك ما يشوبها من أخطائنا وعورات هذا النظام البدائي، تؤكد على حل جذور مشاكلنا بصورة توافقية. وإن تغيير وإصلاح هذه المنظومة بات أمرا حتميا لا مفر منه وذلك بترشيد الثقافة القبلية والبدوية وتوعية الجماهير بمفهوم حماية الدولة وترسيخ قيم المواطنة بدلا من عصبية القبيلة وفهم الدستور بدلا من أعراف العشيرة، وبذلك يمكن أن تحل قيم دولة القانون والنظام محل قيم أنفة العشيرة وبهذا يتم ضبط بؤر النظام التقليدي واستيعابها واحتوائها لنظام الدولة المدنية ورفع الوعي المجتمعي .

هبة شوكري

طبيبة وناشطة صومالية تحرص على تحسين صورة بلادها ومهتمة بقضايا المرأة وحقوق الانسان والتنمية وتتميز بتفاعل كبير في وسائل التواصل الاجتماعي بطرحها لمواضيع هادفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى