الصومال: الانتخابات القادمة بين أمل التحول الديمقراطي والخوف من المجهول

مقدمة
يقف الصومال اليوم عند مفترق تاريخي غير مسبوق منذ عقود في العام القادم 2026، إذ يستعد لإجراء أول انتخابات شعبية مباشرة منذ انهيار الدولة في التسعينيات، هذه الانتخابات ليست مجرد تغيير أسماء أو مواقع، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة على التحول إلى نظام سياسي مؤسساتي قادر على تمثيل المواطنين، وضمان حقوقهم السياسية في إطار التحول المتوقع نحو انتخابات مباشرة يفتح الباب أمام مشاركة واسعة للشباب والنساء، ويضع البلاد أمام تحديات كبيرة على جميع الأصعدة: الأمن، السياسة، الإدارة، والبنية الاجتماعية فالنجاح أو الفشل لن يؤثر فقط على نتائج الانتخابات، بل على مصير الصومال السياسي لعقود قادمة.
من النظام العشائري إلى الاقتراع المباشر
لطالما اعتمد الصومال على ما يعرف بـ «نظام المحاصصة 4.5»، الذي يوزع النفوذ بين العشائر الكبرى ويخصص حصة للأقليات،هذا النظام، الذي كان حلا مؤقتا بعد انهيار الدولة المركزية، أصبح خلال العقود الأخيرة حجر عثرة أمام بناء دولة مؤسساتية ديمقراطية، حيث ظل معظم القرار السياسي في يد النخبة العشائرية، بينما بقي المواطن العادي بعيدا عن عملية اتخاذ القرار ولكن في السنوات الأخيرة، ازدادت الدعوات للتحول إلى اقتراع مباشر، إعلان الحكومة الفيدرالية عن اعتماد نظام انتخابي قائم على صوت واحد لكل مواطن لم يكن مجرد تغيير شكلي، بل محاولة لكسر هيمنة الماضي وفتح نافذة جديدة للتمثيل السياسي الحقيقي.
تسجيل الناخبين 2025: مؤشر واضح للتغيير
في أبريل 2025، بدأت حملة تسجيل الناخبين في مقديشو، أول حملة رسمية منذ أكثر من خمسين عاما،شهدت المراكز ازدحاما غير مسبوق من المواطنين من مختلف الفئات العمرية، خصوصا الشباب والنساء، الذين حرصوا على تسجيل أسمائهم للحصول على بطاقة الناخب وبحسب بيانات اللجنة الوطنية للانتخابات، سجل في العاصمة ما يقارب مليون ناخب استعدادا لانتخابات المجالس المحلية، مع خطط لتوسيع العملية لتشمل الولايات الفيدرالية، هذه المشاركة ليست مجرد رقم، بل رسالة قوية بأن الشعب يريد أن يكون له دور مباشر في تحديد مصير وطنه.
الإطار القانوني والمؤسسي: بداية التحول الحقيقي
اعتمد البرلمان تعديلات دستورية تهدف إلى إدخال نظام الاقتراع المباشر، تقليص النفوذ العشائري، وتسجيل الجمعيات السياسية بشكل رسمي وشفاف، هذه الخطوات تمثل انتقالا تاريخيا من نظام يعتمد على الولاءات العشائرية إلى تمثيل سياسي قائم على الكفاءة والرؤية ونجاح هذه التعديلات يعتمد على وجود لجنة انتخابات مستقلة، سجلات انتخابية دقيقة، بنية تحتية لوجستية متينة، وآليات رقابية لضمان نزاهة العملية الانتخابية،كل هذه العناصر أساسية لتهيئة بيئة انتخابية تحمي حقوق المواطنين وتضمن شرعية النتائج.
التحديات الكبرى أمام الانتخابات
رغم التقدم المحرز، تواجه الانتخابات مجموعة من التحديات الكبيرة التي قد تؤثر على النتائج وشرعية العملية الانتخابية برمتها:
- التهديدات الأمنية
الوضع الأمني لا يزال هشا، حيث تسيطر جماعات مسلحة مثل حركة الشباب على مناطق واسعة، ما قد يمنع المواطنين من الوصول إلى مراكز الاقتراع أو يجعل العملية معرضة للعنف.
- غياب التوافق السياسي
ليست كل الولايات الفيدرالية داعمة بالكامل لفكرة الانتخابات المباشرة، بعض الولايات ترى في هذا التغيير تهديدا لحصتها التقليدية في النفوذ السياسي، مما قد يؤدي إلى اعتراضات أو مقاطعة العملية الانتخابية.
- التحديات اللوجستية والبنية التحتية
تنظيم انتخابات بهذه الضخامة يتطلب تجهيز مراكز اقتراع، بطاقات انتخابية، تدريب موظفين، ونقل المواد الانتخابية إلى مناطق نائية،ضعف التمويل والبنية التحتية يمثل عقبة حقيقية أمام إجراء انتخابات شاملة ونزيهة.
- الشكوك حول النزاهة
تتخوف بعض القوى السياسية من أن اللجنة الوطنية للانتخابات ليست مستقلة تماما، ما يستدعي مراقبة محلية ودولية لضمان نزاهة العملية الانتخابية وبناء الثقة بين المواطنين والنتائج.
السيناريوهات المحتملة
يمكن تحديد أربعة مسارات محتملة لمسار الانتخابات:
- النجاح الشامل: انتخابات نزيهة، مشاركة شعبية واسعة، قبول النتائج، وبناء مؤسسات ديمقراطية شرعية.
- نجاح جزئي أو تجريبي: الانتخابات تجرى في مناطق محددة فقط، لتكون تجربة يمكن تطويرها لاحقا.
- توتر سياسي: اعتراضات على النتائج أو نزاعات حول شرعيتها، ما قد يؤدي إلى احتجاجات أو انسحاب بعض الولايات من الاتحاد الفيدرالي.
- فشل أو تأجيل الانتخابات: عدم القدرة على إجراء الانتخابات بسبب الأمن، ضعف البنية اللوجستية، أو انسحاب جماعي، ما يؤدي إلى استمرار الانقسامات السياسية.
أهمية الانتخابات على المستوى الوطني والدولي
نجاح الانتخابات سيكون له انعكاسات واسعة:
- يمنح مؤسسات الدولة شرعية شعبية حقيقية، ويعزز قدرتها على الحكم بمصداقية.
- يحد من النفوذ العشائري التقليدي ويفتح الطريق أمام تمثيل سياسي أكثر عدالة.
- يمكن الشباب والنساء من لعب دور فعال في الحياة السياسية والاجتماعية.
- يهيئ الأجواء لاستقرار سياسي وتنموي قد يجذب الاستثمارات ويعيد بناء الدولة.
- على المستوى الدولي، تعد هذه الانتخابات اختبارا لقدرة الصومال على الخروج من أزمته الطويلة، ونجاحها سيكون نموذجا فريدا لدول أخرى تواجه تحديات مشابهة.
من وجهة نظري كناشطة صومالية اعتقد ان انتخابات 2026 ليست مجرد إجراء سياسي، بل استعادة لكرامة كل صومالي وصومالية،المشاركة ليست خيارا إنها حق وواجب،هذه فرصتنا لنثبت للعالم أن الصومال شعب واع، قادر على صناعة مستقبله، لا مجرد متفرج على صراعات النخبة وأصوات الشباب والنساء ستكون حجر الزاوية لنجاح العملية، فهي تعطي الانتخابات شرعية حقيقية وتعكس رغبة المجتمع في المشاركة الفاعلة في صياغة المستقبل.
الرهان على المستقبل
انتخابات 2026 ليست مجرد مناسبة عابرة، بل فرصة تاريخية لتغيير مسار الصومال السياسي والاجتماعي، نجاحها يعتمد على إرادة سياسية صادقة، توافق وطني واسع، إدارة شفافة، وضمان أمن المواطنين. إن الرهان ليس على من يفوز، بل على قدرة الشعب الصومالي على تحويل هذه الانتخابات إلى إرث مستدام لدولة حرة وديمقراطية، الفرصة موجودة، لكنها هشة، والأمل بيد المواطنين، وهم وحدهم القادرون على كتابة مستقبل بلادهم فإن نجح هذا المسار، فستكون 2026 بداية فصل جديد في تاريخ الصومال، حيث يصبح المواطن محور العملية السياسية، ويحصل على دوره الكامل في صياغة مستقبل وطنه.




