مقالات

أسباب الفشل السياسي في الصومال

سقطت الدولة الصومالية واقعيا في عام ١٩٩١م، ولكنها بدأت الفشل السياسي كدولة في عام ١٩٧٧م ، حينما فشل الجيش الصومالي في مهمته غير الواضحة في الصومال الغربي ( أوغادينيا) ، وبدأت الدولة تتآكل منذ تلك اللحظة حتي فقدت روحها في عام ١٩٩١م ، ولهذا يعيش الشعب الصومالي في الحقيقة الفراغ السياسي الشامل في ( ٢٥ ) عاما ، وما تحقق في الآونة الأخيرة من إيجاد دولة ، فهي أشبه بالدول التي سادت في الأندلس في عصر ملوك الطوائف ، ولهذا تجد الدولة التي لا تتجاوز خدماتها العاصمة ، ونشوء الدول ذات البعد المناطقي المنحاز للقبيلة بشكل أساسي ، وهذا لا يبشر بخير في حال من الأحوال .

ما الذي يمنع في إقامة الدولة في الصومال ؟ ومن المسؤول عن التعثر في هذا المجال ؟ هل المشكلة في الدول المجاورة التي تري غياب الصومال عن الواقع مكسبا استراتيجيا ؟ أم المشكلة في الدول الكبرى التي لم تجعل من أولوياتها بناء الدولة ؟ أم هناك أمر مرتبط بالإنسان الصومالي الذي لا يرغب إقامة الدولة لأسباب سياسية ( خلافات قبلية ) أو لأسباب مصلحية ( مافيا المال والحكم ) أو لأسباب دينية ( مافيا الفكر الديني ) .قبل سنوات عدة فاجأ الرئيس التركي ( السيد رجب طيب أور دوغان ) زيارته المفاجئة بعد دخول الصومال مرحلة من الكساد السياسي ، وظن الكثير من المراقبين بعد هذه الزيارة المفاجئة وما تلاها من زيارات رسمية لقيادات عالمية وعربية وأفريقية وأممية أن المسألة الصومالية دخلت مرحلة التعافي والتشافي ، ولكنها ما زالت تراوح مكانها مع أن المجتمع الدولي منح للحكومات المتعاقبة الاعتراف الرسمي ، بل وفتحت كثيرا من الدول سفاراتها ، وعادت الحياة من جديد علي ربوع مدينة مقديشو العاصمة التي استطاعت جذب الاستثمارات الصومالية من الجاليات التي تعيش في الغرب ، وهي خطوة هامة ، ولكنها تأتي عبر رحلة خطيرة في بلد لا يتمتع بالاستقرار .

في المرحلة القادمة لن تري الدولة النور ، ولن يحقق المجتمع الصومالي أمله في بناء الدولة علي ربوع الوطن ، كما أن الحكومة لن تخرج من العاصمة ، وذلك لأسباب ثلاثة :
– لا توجد رؤية دولية تساند بناء مشروع الدولة ، فالجميع ترك الصومال لأسباب سياسية ، وأخري أيديولوجية ، فالغرب الذي ساند بشكل قوي في فصل جنوب السودان من الشمال ، ثم منح للدولة الوليدة المليارات من المساعدات لأجل بناء الدولة في الجنوب ، لم نجد له حضورا في الملف الصومالي ، فما زال الملف الصومالي في الهيئات الدولية ، والمنظمات الإنسانية ، وسائر الدول الغربية إنسانيا ، فلم يتحول بعد إلي مسألة سياسية .

إن الدول المحيطة بالصومال لا تريد بحال من الأحوال في المرحلة القادمة أن تري الصومال موحدة ، وذلك لأنها مسكونة في ذاكرتها التاريخية ، ولأن الأجواء التي خلت لهذه الدول في المرحلة الحالية يجب استدامتها تجاوبا مع السياسة البرجماتية التي تؤكد استغلال الفرصة السانحة ، بل ووحدت بعض الأنظمة هذا الغياب فرصة الإثراء الفاحش من هذا الفراغ السياسي .

– الغباء السياسي للقيادات الصومالية ، ولم ألاحظ في دراستي في هذه الأيام الأخيرة غباءا سياسيا أخطر من الذي نلاحظه في العالم الإسلامي ، فقد رأينا الرويبضات التي تتكلم باسم الأمة في هذه المرحلة الحرجة ، وهم أنواع:

١- وجود مافيا المال الذين جمعوا المال في الصومال في حله وحرامه بقوة ، واستفادوا من غياب النظام لصناعة ثروة وهمية فلكية قد لا تجد لها مثيلا إلا عند الدول المشابهة لها كالعراق وليبيا .
٢- وجود مافيا الدين الذين يعيشون في الفوضى الدينية ، وهؤلاء تركيبة عجيبة من الجهل ، والحماس ،وانعدام الخبرة ، وغياب الرؤية الاستراتيجية ( التطرف الديني ).

٣- حضور مافيا القبيلة الذين لا يَرَوْن مستقبلا سياسيا لأنفسهم إلا من خلال قبائلهم ، ولهذا فهم يسعون بكل ما أوتوا من فوة إلي تشكيل القبيلة سياسيا ( تسيس القبيلة ) ، فهم دائما يدورون مع مصالحهم من خلال قبائلهم ، واليوم طوروا مشروعا سياسيا جديدا تحت بند هام وجاذب ( بناء الفيدراليات ) وكأن الصومال الواحد المتداخل بشكل عضوي يحتاج إلي هذا النوع من النظام السياسي.

٤- تفشي الطابور الخامس الذي تحول جزءا لا يتجزأ من العملية السياسية في الصومال ، وهو طابور عميل يقوم بأداء الخدمة المجانية للدول الأجنبية ، وهو موجود في كل مفاصل الشعب الصومالي من بعض رؤساء القبائل ، ومن بعض الرموز السياسية ، بل ومن بعض الرموز الدينية .
٥- غياب النخبة العلمية والفكرية عن الساحة السياسية ، وتزاحمهم في الساحات الدعوية والفقهية ، وكأن مشكلة الشعب الصومالي دينية ، وهذا في نظري خطأ منهجي ، فالشعب الصومالي يشكو من أمد بعيد مشكلة سياسية عميقة الجذور ، وتحتاج من أهل الفكر والعلم تقديم دراسات في كيفية الخروج من الأزمات ، كما نجد من بعض العلماء والمفكرين وقيادات العمل الدعوي تزاحما كميا في العمل السياسي ، وقد أدي هذا إلي خلط العمل السياسي اليومي بالعمل الفكري المنهجي.

٦- غياب الرؤية المتكاملة للدولة المنشودة للشعب من كافة أبناء الصومال ، فلم يمنح القيادات الفكرية الزمن المطلوب لبناء العقل السياسي ( العقلية ذات البناء العقدي والحقوقي ) أي من العقد والحقوق ، ولم نستطع تقديم الجواب اللازم للدولة التي يجب أن تقوم في الصومال ، فالبعض منا يرغب إقامة إمارة إسلامية في الصومال حسب فقه بعض الإسلاميين الذين يعيشون غربة الزمان ، بينما البعض يتحدث عن بناء دولة جديدة ولكن علي غرار الدولة المتحللة ، ولهذا يجب علي بعض القيادات الفكرية في هذه المرحلة التاريخية التفرغ لهذه المهمة ، ذلك لأن الحكم علي الشيء فرع عن تصوره ، وقد أبان ابن القيم رحمه الله في هذه المسألة في كتبه بشكل جيد حيث قال : ولا يتمكن المفتي ، ولا الحاكم من الفتوي والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم :

– أحدهما : فهم الواقع ، والفقه فيه ، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتي يحيط به علما .
– النوع الثاني : فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه ، أو علي لسان رسوله صلي الله عليه وسلم ، ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا ، ومن سلك غير هذا أضاع علي الناس حقوقهم ، ونسبه إلي الشريعة التي بعث الله بها رسوله .
هذه هي العقبات الخطيرة أمام الدولة ، فليس من السهولة بمكان إقامة الدولة في هذه المرحلة ، ولكنها ليست من المستحيل إقامتها .

عبد الرحمن بشير

الشيخ عبد الرحمن سليمان بشير من جمهورية جيبوتى، داعية، ومثقف ، وناشط سياسي، وباحث فى الشؤون الإجتماعية، وقضايا القرن الأفريقي، خريج كلية الشريعة والقانون، عمل فى السلك التعليمي، والقضائي، والإنساني، ومارس الخطابة منذ نعومة أظفاره، وما زال، وله مقالات حول الدين والسياسة والفكر، ويعيش الآن فى كندا، ويعمل فى رفع الوعي فى القرن الأفريقي، والجالية الإسلامية والصومالية والجيبوتية فى المهجر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى