هل صومال لاند ارتكبت محظورا بإقامة علاقة مع إسرائيل؟

في خطوة جريئة ومفاجئة لكثير من دول العالم والعالم الاسلامي على وجه الخصوص، أعلنت الحكومة الاسرائيلية يوم الجمعة الماضي عن اعترافها بإقليم أرض الصومال (صومال لاند) الانفصالي كدولة مستقلة كما تعهدت بإقامة علاقات ثنائية معه كخطوات لاحقة لتعزيز اعترافها بالاقليم الواقع شمال غرب الصومال. وبهذا أصبحت اسرائيل أول دولة عضو في الأمم المتحدة اعترفت بهذا الاقليم الذي ظل يبحث عن اعتراف دولي منذ أكثر من أربع وثلاثين عام أي منذ 1991 منذ أعلن عن انفصاله عن الصومال الأم بعد سقوط الحكومة المركزية الصومالية.
رفضت الحكومة الصومالية في مقديشو الإعلان الاسرائيلي واعتبرته انتهاك لسيادتها ووحدة اراضيهيا كما استنكره ورفضه كل من الاتحاد الافريقي والجامعة العربية وكثير من الدول الاسلامية والافريقية ووصفوه بسابقة خطيرة وخرق لمواثيق الامم المتحدة بشأن احترام سيادة الدول الأعضاء على أراضيها. داخليا؛ خرجت جموع من جماهير الشعب في مقديشو بمظاهرات تندد بالإعلان الاسرائيلي واعتبرت الحشود الخطوة تدخلا سافرا في شؤون الصومال الداخلية واستهداف وحدته.
في المقابل شهدت حاضرة صومال لاند في هرغيسا باحتفالات كبيرة حيث نزلت الى شوارع المدينة يعبّرون عن فرحتهم بالاعتراف الاسرائيلي ومرددين شعارات مؤيدة لإسرائيل وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك بوست بعد ساعات من الاعلان الاسرائيلي صرّح الرئيس الامريكي دونالد ترمب بأنه لا ينوي حاليا أن يحذو حذو اسرائيل في الاعتراف بصومال لاند, لكنّه ألمح الى أن ادارته ستدرس المسألة على الرغم من التحفظات المعلنة لترمب بشأن هذه المسألة يرى محللون بأن امريكا وحلفاءها سيحذون حذو اسرائيل، كما يعتبر بعض المراقبين الخطوة الاسرائيلية الجريئة تمهيدا واختبارا لمدى قبول الرأي العام للفكرة.
هل يمكن تفسير العلاقة بين اسرائيل وصومال لاند بأنها خيانة للقضية الفلسطينية؟
لا أحد يساوره الشك بأن العلاقة الجديدة بين صومال لاند واسرائيل والتعاون المتوقع بينهما في مجالات منها المجال العسكري تدفعها أهداف قد تضرّ بالقضية الفلسطينية. كذلك لا ينبغي دينيا وأخلاقيا لأي شعب مسلم ناهيك عن الشعب الصومالي المعروف بولاءه الشديد للقضية الفلسطينية أن يقبل بالارتهان لعرض زهيد مهما كانت قيمته طالما يتعارض مع مبادئه الاسلامية والإنسانية. بناء على ما شاهدنا من ردود الأفعال انتقد غالبية الشارع الصومالي في الداخل وفي المهجر بما فيها الأوساط الدينية والسياسية هذه العلاقة واصفين إياها بانها مخالفة للقيم الاسلامية كما ذهب البعض الى وصفها “بطعنة في ظهر القضية الفلسطينية ومكافئة لدولة ارتكبت جرائم حرب ضد الأخوة الفلسطينيين”.
في المقابل, يبرّر غالبية شعب صومال لاند و الحكومة في هرغيسا هذه العلاقة مع اسرائيل بأنها مجرد سعي لتحقيق مصالحهم في المقام الأول وفي مقدمتها إنجاح نضالهم الطويل للحصول على شرعية دولية لدولتهم المزعومة، ويجادلون بأن السعي لتحقيق مصالحهم لا يعني بالضرورة إلحاق الضرر بأطراف أخرى كما يرفضون أي ربط للاعتراف الاسرائيلي لصومال لاند بالقضية الفلسطينية وذهب بعضهم الى أبعد من ذلك حيث شبّهوا هذه العلاقة بالعلاقات المتينة بين دول عربية مؤثرة مع اسرائيل لكن أعتقد أن الفروق الموجودة في هذا التشبيه لا تخفى على أحد.
كذلك قد يقول المواطن في صومال لاند إن هناك أيضا عدة دول اسلامية أقامت علاقات في جميع المجالات تقريبا مع اسرائيل بموجب اتفاقيات أبراهام المثيرة للجدل مثل الإمارات، البحرين، السودان، والمغرب؛ اذا فما الضير في أن تفعل صومال لاند نفس الشي؟ يقال لهذا المواطن نعم، ما قلته صحيح، بل توجد علاقة نوعا ما بين اسرائيل وجميع الدول الاسلامية تقريبا! لكن هناك قلق كبير بشأن الاتفاقية الاخيرة بين هرغيسا واسرائيل، وهو “رغبة الأخيرة في استخدام الأراضي الصومالية لأسباب عسكرية أو كمنصة للقيام بأعمال تخريبية” في المنطقة كما سيتمّ توضيحه في المحور التالي.
للأمانة، ليس جميع شعب صومال لاند والموالين لقضيهيم على قلب رجل واحد بشأن هذه المسألة كما يعتقد البعض، حيث يوجد كثير من أبناء هذا الاقليم الذين يعارضون بشدة أي علاقة مع اسرائيل وإن قدّمت لهم تل أبيب الاعتراف الذي ظلّوا يحلمون به لعقود على طبق من ذهب.
هل وراء الاعتراف الإسرائيلي أهداف سرية غير معلنة؟
في محاولة لتسويق سردية أكثر قبولا للرأي العام الصومالي ذكر المسئولون الاسرائليون وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن الاعتراف لصومال لاند جاء ضمن اتفاقية بين الجانبين تهدف الى اقامة علاقة ثنائية وتعاون في مجالات الصحة والزراعة والاقتصاد والتكنولوجيا كما أشارو الى أنها تأتي في اطار اتفاقيات أبراهام والتي ستنضمّ اليها صومال لاند قريبا بموجب الاعلان الاسرائيلي. لكن الحقيقة هي أن الأغراض المعلنة ما هي الا مجرد غطاء لأهداف أخرى حسّاسة وأكثر أهمية ويمكن حصرها في أمرين أساسيين :
- حماية المصالح الاسرائيلية في البحر الأحمر وتقويض نفوذ تركيا وايران في القرن الافريقي.
يرى مراقبون أن اسرائيل تسعى من خلال علاقتها مع صومال لاند لاقامة قواعد عسكرية و منصات رادارات استخباراتية في سواحل صومال لاند المطلة على البحر الاحمر وباب المندب لتأمين السفن التجارية المتجه لاسرائيل والتي تعرضت لهجمات جماعة الحوثي في اليمن في الفترة الماضية على خلفية حرب غزة، كما لا يستبعد البعض امكانية استخدام تل أبيب أراضي صومال لاند للقيام بعمليات عسكرية برية وبحرية وجوية ضد أهداف الحوثيين داخل اليمن نظرا لقرب المسافة بين تلك المنطقة والسواحل اليمينة. كذلك يربط بعض المراقبين سعي اسرائيل لايجاد موطئ قدم لنفسها في البحر الاحمر برغبتها في تقويض نفوذ تركيا وايران في منطقة القرن الافريقي. اذ لكل من أنقرة وطهران الخصمان اللدودان لتل أبيب في منطقة الشرق الاوسط وجود في منطقة القرن الافريقي حيث توجد في مقديشو أكبر قاعدة عسكرية تركية بالاضافة الى وجود تجاري لأنقرة في الصومال.
اما إيران وان كان ليس لها وجود عسكري معلن ومعروف في المنطقة الا أن جماعة الحوثي تعتبر الذراع العسكري لها في منطقة البحر الاحمر وكذلك تفيد تقارير اخبارية غير مؤكدة بأن ايران لها خبراء عسكريون من الحرس الثوري متواجدون في السودان حيث وصلوا هناك بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 2023 بعد قطيعة استمرت سبع سنيين وتؤكد هذه التقارير أن طهران تسعى لايجاد موطئ قدم لها في منطقة البحر الاحمر عبر السودان من خلال دعمها العسكري والدبلوماسي للجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع حسب إفادة بعض المصادر أن ايران تسعى الى إقامة قاعدة عسكرية في سواحل البحر الاحمر في السودان وقد قدّمت بالفعل طلبا رسميا في ذلك، لكن سرعان ما نفى ذلك كل من الجيش السوداني وطهران.
تشير بعض تقارير إخبارية متواترة الى أن اسرائيل ربما أقدمت على اعتراف إقليم صومال لاند بهدف إقناعه لاستضافة الفلسطينيين الذين تعتزم اسرائيل تهجيرهم من غزة قسرا بدعم أمريكي علما بأن تل أبيب قد قدّمت بطلب مشابه لعدة دول عربية وأفريقية لكنه قوبل بالرفض. يعتقد البعض أن إعتراف اسرائيل بصومال لاند وسعيها لايجاد وجود لها في هذا الاقليم الانفصالي يأتي ضمن مشروع أوسع تقوده دولة الامارات ويهدف الى “تفكيك دول منطقة الشرق الأوسط الكبير” من خلال دعم كيانات انفصالية في سوريا واليمن, والصومال والسودان وليبيا. وتشترك هذه الدول والتي تشهد جميعها صراعا عسكريا او سياسيا في سمة واحدة وهو “وجود بصمات اماراتية أو اسرائيلية” في أزماتهم، كما لا يستبعد “وجود تنسيق بين أبو ظبي وتل أبيب في سياساتهما التخريبية” في الشرق الاوسط الكبير.




