المرأة المعاصرة… صور وانطباعات

المقدمة
عند ذكر مصطلح المرأة المعاصرة سرعان ما يأخذنا خيالنا لتصور المرأة المتحررة التي تعيش حياتها بلا قيود، المستقلة التي لا تحتاج إلى رجل في حياتها، لا تحكمها العادات والتقاليد المجتمعية وكذلك الدين، يعتبرها الكثير من الأشخاص ضمن المجتمع أنها انقادت نحو وهم التحرر الذي يخلو من القيم المقدسة للمجتمع وكذلك الواقع الذي تعيشه الكثير من النساء حول العالم والذي صار عرفا روتينيا مستمرا دون أي اعتراض أو حتى التجرؤ على تغييره بحيث يتفادى الأفراد في المجتمعات المتحفظة المرأة المعاصرة ويحاول بكل جهد طمس هذه الصورة ويبدي عدم الرغبة في مثل هذا الوجود في المجتمع وذلك محاولة منه حسب اعتقاده في حماية الأسرة والمجتمع من التفكك واحداث خلل فيه.
في الحقيقة كوني امرأة مسلمة لا أصنف نفسي ضمن فئة النساء المعاصرات في زمن العولمة أو ضمن فئة النساء التقليديات ذوات الجيل القديم أو كما يسمى الآن جيل الطيبين يجب أن أنظر إلى الأسس التي تم من خلالها اعتماد هكذا تبويب أو الأسباب العديدة مثل التربية ومكان النشأة، المجتمع ،العادات والتقاليد، تجارب الحياة وغيرها التي أدت لهذا التقدير؛ ولكن هذا الموضوع رغم أهميته ليس ما أود مناقشته في هذا المقال بل ما أرغب في تسليط الضوء عليه هو الدلالات الفكرية والمعنى وراء صورة المرأة المعاصرة وكيف يمكن تغير هذا الفكر نحو الإيجابية في المجتمع.
من هي المرأة المعاصرة
حسب وجهة نظري المرأة المعاصرة هي كل امرأة تعيش في هذا الزمن المعاصر وتكيفت مع تغيراته المستمرة وتأقلمت معه بما يتناسب مع ثقافتها، دينها، عاداتها وتقاليدها، مجتمعها وكونت طرازها المعاصر الخاص، وهي كذلك من استطاعت بوعيها، فكرها وشخصيتها تحقيق توافق بين الأعراف القديمة التقليدية والجديدة المعاصرة ودمجها بطريقة مميزة تعبر عن كينونتها كامرأة، التعديل وربما التغيير أيضا من واقعها وتطويره للأفضل وكذلك بذل جهد لتغيير من ذاتها سواء نفسيا أو جسديا والتغلب على تحديات وعقبات هذا الزمن المعاصر وخصوصا تلك المجافية للثقافة والدين.
المرأة المعاصرة في المجتمع؛ هناك عدة دلالات فكرية سائدة في المجتمع:
- ربط بين المرأة المعاصرة وحقوق المرأة المشروعة الطبيعة بحيث أن المرأة التي تحصل على فرص عديدة كالتعليم، العمل ،الصحة، التعبير عن الرأي، الاستقلالية وغيرها تعد امرأة معاصرة أو على أقل أكثر قابلية لتعد ضمن هذه الفئة.
- دلالة فكرية عامة ومغلوطة ذكرتها في مقدمة المقال التي توجه أراء المجتمع ونظرته لأول وهلة نحو مفهوم المرأة المعاصرة الذي ينساق نحو تشويه وانحراف صورة المرأة المعاصرة ضمن المجتمع.
- التحضر الثقافي والاجتماعي دلالة ضمنية وفكرية للمرأة المعاصرة.
- تحرر المرأة من الأفكار النمطية وتوليد أخرى جديدة والقدرة على التفكير النقدي والتعبير عن قناعات وآراء في مجالات المتنوعة وخصوصا التي تقل فيه مشاركة المرأة كالسياسية، العلوم، التكنولوجيا، الفلسفة، الرياضيات، الهندسة وغيرها من أهم سمات التي تعد فاصل بينها وبين المرأة التقليدية وكذلك التي لا يتقبلها المجتمع في كثير من الأحيان ويتخذ معنى آخر له كمحاولة من المرأة المعاصرة الهيمنة على مجال احتكره الرجال لفترة طويلة وكانت مساهمة المرأة فيه محدودة.
- عمل المرأة المعاصرة وامتهانها في بعض المهن التي يتوجب بها الاختلاط وكذلك بها نوع من خطورة كالعمل في قيادة السيارات، المطاعم، النوادي الرياضية وغيرها التي لا تتناسب مع المجتمع المتحفظ بطبعه وذلك لتغيرات المعاصرة وكذلك تغير الأفكار النمطية واختلاف نمط الحياة المعاصر، رغم أهمية عنصر الأمان إلى أن مشاركة المرأة في هذه الوظائف لا يعني بالتحديد افتقارها للأمان وكأن هذا المعنى يشكل حاجز لقدرات يمكن للمرأة المشاركة فيه بما لا يتخالف مع امكانياتها حسب ظروف العمل.
المعنى وراء صورة المرأة المعاصرة ودلالاتها الفكرية العديدة في المجتمع لا يغير من حقيقة أن المرأة المعاصرة وبأفكارها المعاصرة وعدم وجود امكانية ووسائل بناءة للنقاش بما يتناسب مع المجتمع ودعوته لتبني طرق وأساليب أكثر تطورا وتغير أو تعديل بعض الأفكار والعادات غير منطقية بما لا يتجاوز ويخالف المعتقد الديني الإسلامي الذي هو في أساس يدعو إلى التفكر، التأمل والبحث وسن أحكام أكثر تقبلا وتسامحا مع الأفكار و التصورات الذهنية المختلفة والجديدة بما يتوافق مع العقل البشري وشروعه المعتدلة، ولذلك لا يمكن اتخاذ الدين حجة أو وسيلة للحد من مفهوم المرأة المعاصرة حسب قناعتي.
المرأة المعاصرة تواجه تحديات أكثر في هذا الوقت الراهن نظرا لكثرة المسؤوليات التي على عاتقها وخصوصا إذا كانت تسكن في وسط مجتمع ذو نطاق فكري ضيق و مقتنع بأنها بعيدة كليا عن الواقع الذي يعيشه المجتمع أو نساء المجتمع لذلك لابد أن كثير من النساء المعاصرين يشعرون بعدم الانتماء لمجتمعاتهم التي حصرتهم في دائرة مغلقة؛ لذلك امتلك البعض منهم الشجاعة لرحيل والانتقال لمكان أو مجتمع آخر يتناسب مع أسلوب حياتها وفكرها و أكثر فهما وتقبلا للآخر وربما أكثر استيعابا وادراكا لمفهوم المرأة المعاصرة وخلو هذا المصطلح من الأحكام والمعايير التي تحددها المجتمعات الأخرى حيث تواجه المرأة المعاصرة تحديات جسام في تحقيق ذاتها وطموحاتها، خاصة في ظل القيود الاجتماعية التي تحصرها في أدوار تقليدية، تزايد المسؤوليات وتوقعات المجتمع الضيقة يزيدان من شعورها بالعزلة والاختلاف، مما يدفعها إلى البحث عن بيئة أكثر انفتاحا تتفهم تطلعاتها وتقبل هويتها المتطورة بحيث تسعى المرأة جاهدة لتحقيق التوازن بين مسؤولياتها ودورها التقليدي وبين طموحاتها ورغبتها في التطور، لذلك تبحث عن بيئة أكثر انفتاحا وتقبلا لفكرها، حيث تستطيع أن تعيش حياتها بحرية وتحقق ذاتها، وتساهم في بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة. هناك بعض المجتمعات المتحفظة التي تقدر دور المرأة المعاصرة وتحتل فيه النساء صورة جليلة ويتم تقديرها فيه بجدارة ولكنها قليلة بنسبة للأغلبية التي يسود فيها الكثير من المعاني والدلالات الفكرية المصاحبة لصورة المرأة المعاصرة والفكرة العامة القائمة حولها.
هل يعارض المجتمع المرأة المعاصرة ؟!
يعتمد ذلك على حسب مفهوم المرأة المعاصرة المتداول فيه و كيف يتناسب مع محدداته وربما لصورة المرأة المعاصرة الرائجة والعامة التي تقدمها ضمن هذا المجتمع تأثير في اتخاذ المجتمع مواقف تشجيعية تعزز من كفاءتها أم يحاول بشتى الطرق ردع وتثبيط منها.
كيف يمكن تحويل الأفكار السلبية إلى إيجابية؟
تحويل الأفكار السلبية المتراكمة منذ زمن طويل عملية معقدة وصعبة ولكن تدريجيا بتوعية وتثقيف المجتمعات والقيام بمجموعات لتواصل اجتماعي بناء وخوض محادثات فعالة لتمكين المرأة وإلقاء الضوء على المفاهيم المغلوطة أو التي تتخذ صورة وملامح فكرية ورموز لا تعبر عن الواقع ولا تمثلها وخصوصا تلك الرائجة في هذا الوقت المعاصر.
في الختام، لا يمكننا إهمال ودحض صورة المرأة التقليدية في هذا الزمن المعاصر وما واجهته من عقبات وكذلك ما تبذله من جهد وعطاء وتضحيات عديدة في سبيل الارتقاء بأسرتها ومجتمعها، وكذلك سعي الكثير مقارنتها أو وصفها بعدم التحلي بمستوى يرقى للمرأة المعاصرة حسب المقاييس التي ربما تكون غير عادلة بحق هذه المرأة العظيمة التي لم تسمح لها فرص والظروف بمواكبة هذا الوقت الراهن وكذلك رغبة العديد من النساء التقليدين رغم توفر الفرص في التمسك بالأفكار النمطية التي تقلص من دورها وإمكانياتها حفاظا على الدلالة والصورة السائدة وعدم الخروج من النطاق المحدد من قبل المجتمع الذي لا يتقبل كل ما هو جديد ويتسابق أفراده في إصدار الأحكام عليها.
المرأة المعاصرة هي امرأة حرة قوية معنويا ونفسيا ،قررت تغيير ذاتها أولا ثم التأثير بإيجابية على المجتمعات وتقديم الوعي، الإرشاد للنساء والعمل على تحسين من صورة المرأة وكذلك نشر وزيادة التوعية بقضايا المرأة بهدف إيصال رسالة كل امرأة للعالم الذي ازداد اهتمامه مؤخرا نحو قضايا المرأة وأوضح تضامنه مع النساء.