التقرير الشهريالسياسةالصومالمقالات

أزمة محافظة غِدُو في الصومال: رهانات انتخابية وحقوق مهضومة

تمهيد:

للاطلاع على الملف بصيغة بي دي إف انقر هنا

 كانت محافظة غِدُو – إحدى المحافظات الثلاث التي تتكون منها ولاية جوبالاند بجنوب الصومال – بؤرة التوتر الرئيسية في عهد الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، وقد مرت الخلافات حول الدائرة الانتخابية الخاصة بها بمراحل عدة إلى أن صارت دائرة مجمَّدة فاتها القطار الانتخابي حتى الآن علي الأقل، والتي يتم التعامل معها حاليا كحالة استثنائية يراد حسمها انقاذا للموقف، وذلك لأن مدينة غربهاري تحت سيطرة قوات موالية للرئيس المنتهية ولايته بينما لجنة تنفيذ الانتخابات الولائية “SIET” المكلفة بإجراء الانتخابات في المدينة والمشكلة من قبل حاكم الولاية لا يمكنها الوصول للمدينة؛ حيث يملك أحد الطرفين المتنازعين الحضور والنفوذ الفعلي على الأرض بينما يملك الطرف الآخر الشرعية والتفويض لإجراء الانتخابات، وقد باءت جميع المحاولات المحلية والدولية لتقريب وجهات النظر بين الجانبين بالفشل.

وتحرص لجنة تنفيذ الانتخابات الفيدرالية “FIET” على أن تقوم بإنقاذ الموقف في قرارها الأخير بشأن إجراء انتخابات دائرة غِدُو في الـ 27 من شهر أبريل الجاري في مدينة عيل واق الواقعة على الحدود الصومالية الكينية بدلا من مدينة غربهاري حاضرة الإقليم والمنصوص عليها في اتفاقية 17 سبتمبر 2020؛ وذلك حتى يشارك الأعضاء الـ 16من النواب المسجلين فيها في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في وقت لاحق من شهر مايو المقبل.

وفي هذا التقرير نستعرض جوانب من أزمة محافظة غِدُو في سياق تسلسها التاريخي والتطورات المتلاحقة بشأنها، وكيف تم اختلاق الأزمة حتى صارت ورقة انتخابية متنازع عليها بين المعارضة الصومالية والموالين للرئيس المنتهية ولايته.

 خلفية تاريخية: 

 تعد محافظة غِدُو ثاني أكبر محافظة في الصومال حسب التقسيم الإداري المتبع في عام 1991 قبل اعتماد النظام الفيدرالي في الصومال في عام 2004، وتقسيم البلاد إلى ست ولايات ومنها صوماليلاند التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عن بقية البلاد، وقد أصبحت محافظة غِدُو جزءا مؤسسا لولاية جوبالاند، ولكن سرعان ما ظهرت بعض أمارات الخلاف بينها وبين حاكم ولاية جوبالاند أحمد “مدوبي”، وبعد خلافات حادة للولاية مع إدارة الرئيس حسن شيخ محمود استطاعت الأخيرة إدارة الصراع واحتوائه بطريقة توافقية بين العشائر المتنازعة في الولاية رغم محاولتها إرغام طرف لصالح طرف في بداية الأمر، ولكنها في نهاية المطاف خضعت للأمر الواقع وغلبت المصلحة العليا للوطن علي المصالح الآنية.

  • محافظة غِدُو

 تقع محافظة غِدُو في الطرف الجنوبي الغربي من الصومال، وتحدها ولاية جنوب الغرب من الشرق والشمال الشرقي، ودولة إثيوبيا من الشمال، وكينيا من الشرق، وبقية محافظات جوبالاند من الجنوب و”تتكون ولاية جوبالاند من ثلاثة محافظات أو أقاليم هي “ غِدُو، جوبا الوسطى، جوبا السفلى”، ولكن الولاية لا تسيطر إلا على إقليم “ غِدُو” ومدينة “كسمايو” وبعض النواحي الحدودية، ومع ذلك ماتزال “ غِدُو” تئن تحت وطأة الفقر والإهمال، رغم أنها تمثل مكسبا ماليا للولاية كونها تتمتع بمنافذ تجارية مهمة مع كل من إثيوبيا وكينيا (دولو، بلد حاوا، عيل واق). وتعد من المحافظات المهملة تنمويا والبعيدة عن اهتمامات الساسة الصوماليين حتى في عصر الحكومة المركزية، ورغم كونها ثاني أكبر المحافظات الصومالية، وتزخر بثروات طبيعية إلا أنها تعاني من عدم وجود بنية تحتية ومرافق تعليمية وصحية تتناسب مع حجمها وأهميتها، وتشهد حالة جفاف شديدة وشح في المياه والغذاء وسوء الإدارة فضلا عن الفوضى الأمنية التي حالت دون التواصل الطبيعي بين مدنها الرئيسية([1])

لم تول الولاية اهتماما كبيرا في تحرير المدن التي تسيطر عليها حركة الشباب، على الرغم من اتساع الرقعة الجغرافية الشاسعة التي تسيطر علها الحركة وتمدد فيها فضلا عن أن المواطنين في المناطق الحدودية يعانون من التوغلات الأمنية للجيش الكيني الذي ينضوي ضمن قوات حفظ الأمن الأفريقية (أميصوم) الذي يتعرض للبسطاء ومواشيهم أكثر مما يواجه حركة الشباب، والدليل أن قوات حفظ السلام وقوات الولاية لم تتمكن من دحر الشباب طيلة تواجدهم في الولاية منذ عام 2012م.

  • ولاية جوبالاند

 كان أهالي غِدُو من أكبر الداعمين لقيام ولاية جوبالاند، وقد رفضوا بعض المحاولات التي كانت ترغب في ضمهم إلى ولاية الجنوب الغربي، ولكنهم تفاجأوا بطريقة اختيار حاكم الولاية مما أدى إلى احتقان مجتمعي منذ البداية، وبعد فترة هدأت الأوضاع واعتقد الناس أن الأمور تتجه للتوافق والاستقرار وأنه قد بدأت رحلة بناء الولاية ولكن بعد ما يناهز عقد من الزمان لم تستفد المحافظة شيئا يذكر من انضمامها إلى ولاية جوبالاند منذ تأسيسها في عام 2012، ومع اعتراف الحكومة الفيدرالية في ذلك الوقت بشرعية تشكيل الولاية علي مضض إلا أن التدخل الكيني فيها لم يتوقف واستمر لصالح رجلها الأول والذي أصبح حاكما للولاية،

 و بدل أن تهتم بحل الإشكالات العشائرية والظلم الاجتماعي الذي يشتكي منه مواطنو المحافظة انشغل النظام في تثبيت أركان حكمه وشراء الولاءات ونشر الخوف بين العشائر واستبعد من حكومته كل من له مكانة اجتماعية أو علمية، ثم قرَّب أباطرة الحرب وأغدق عليهم الأموال والمناصب؛ لذلك لم يتمكن من تحرير أراضي الولاية القابعة تحت سيطرة حركة الشباب بما فيها حاضرة الولاية مدينة بؤآلي ومركز إقليم جوبا الوسطى للولاية فضلا عن أن يلتفت إلى الجوانب التنموية الملحة”.([2])

  •  العلاقة مع المركز

 إن عدم تطبيق مبدأ الفيدرالية الذي انتهجه البلاد في عام 2004 والفشل في حسم النقاط العالقة في الدستور الوطني والمتعلقة بتأسيس المحكمة الدستورية وموائمة الدستور الوطني مع مواثيق الولايات ووضع العاصمة وتقاسم الثروة وغيرها من الملفات المؤجلة في الدستور تساهم في تأجيج الخلافات بين المركز والأطراف إضافة إلي التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا السياق فإن علاقة الولاية مع المركز كانت علاقة ذات شجون فور تأسيس الولاية وشهدت خلافات حادة ولكن تم احتواؤها في عهد إدارة الرئيس السابق حسن شيخ محمود فيما عرف باتفاقية أديس أبابا. ومنذ ذلك كانت العلاقات طبيعية، ولكن سرعان ما تحولت إلى خلافات مستعصية علي الحل تهدد الأمن والسلم الأهلي في الولاية منذ انتخاب الرئيس محمد عبد الله فرماجو في فبراير 2017 ، وكان سبب الخلاف يعود إلى استراتيجية جديدة لحكومة فرماجو، والتي كانت تهدف إلى السيطرة على الولايات دون سند دستوري حتى تتمكن من تنفيذ أجندتها السياسية ولتذليل جميع العقبات التي تحول بينها وبين العودة إلى الحكم بعد استكمال ولايتها الأولى، ولهذه الغاية أطاحت بثلاث حكام للولايات في كل من هيرشبيلي وجنوب الغرب وغالمودوغ؛ ولكنها واجهت صعوبة في إزاحة حاكم ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام “مدبي” فضلا عن عجزها في تطويع ولاية بونتلاند في شمال شرق الصومال والتي تتمتع بما يشبه حكم ذاتي ناهيك عن إدارة صوماليلاند التي فكت ارتباطها من جانب واحد مع مقديشو.

 وقد حاولت الحكومة الفيدرالية أن تتفاوض مع “مدوبي” لمنعه من الترشح لولاية جديدة مستخدمة معه سياسة العصا والجزرة إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، وبعد امتناعه من ابتلاع طعم الجزرة بعرضها مبلغ مالي كبير كما صرح بذلك “مدوبي” في أحد المؤتمرات،بدأت مرحلة العصا وسعت الحكومة الفيدرالية إلى منعه من الترشح عن طريق لي الذراع، ووضع العراقيل أمامه، إلا أنه تمكن من إعادة انتخابه في شهر أغسطس عام 2019 لمدة أربع سنوات، وعلى الفور رفضت نتيجة تلك الانتخابات بحجة مخالفتها للوائح التي أصدرتها وزارة الداخلية، ولكن الولاية استنكرت ذلك مستشهدة بالمادة 120 من الدستور الوطني المؤقت التي تمنح صلاحية تكوين الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية للولاية؛ ثم سرعان ما وجدت تأييدا عارما من أقطاب المعارضة وعلى رأسهم الرئيسان السابقان للجمهورية شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود وكذلك حاكم ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني، وتحول حفل إعادة انتخابه إلى مهرجان للمعارضة الوطنية الرافضة لسياسات الحكومة الفيدرالية ومحاولاتها لجعل الولايات كمحافظات تابعة للحكومة الفيدرالية، معتبرين ذلك مخالفة صريحة للدستور وللنظام الفيدرالي المتبع في الدولة.

وفي 19 أغسطس 2019 أصدر مجموعة من نواب مجلس الشعب في الحكومة الفيدرالية بيانا صحفيا من مدينة كسمايو الحاضرة المؤقتة لولاية جوبالاند أكدوا فيه بشرعية انتخاب برلمان الولاية، والذي بدوره سينتخب الرئيس، وطالبوا الحكومة الفيدرالية باحترام الدستور والقوانين.

 وفي 22 أغسطس 2019 تم انتخاب “مدوبي” حاكما لولاية ثالثة من قبل البرلمان الولائي؛ حيث حصل علي 51 صوتا مقابل 17 لـ عنب محمد طاهر، وصوت يتيم لمحمود محمد عمر، ولكن الحكومة الفيدرالية لم تعترف بتلك النتيجة.[3]

اختلاق أزمة محافظة غِدُو

 ومنذ إعادة انتخاب حاكم الولاية بهذه الصورة المهزوزة بدأت رحلة الشقاق الجديدة بين الولاية والحكومة الفيدرالية التي لم تعترف بإعادة انتخاب زعيم الولاية أحمد محمد إسلام “مدوبي” واتخذت إجراءات متشددة تجاه الولاية، منها اللجوء للحصار الاقتصادي والسياسي و منع الطيران المباشر منها وإليها، وقطع أواصر محافظة غِدُو عن الولاية؛ حيث تم نقل فرق من الجيش الوطني إلى المحافظة بحجة تأمين الحدود ومحاربة حركة الشباب، ولكن تبين لاحقا أن سبب إرسال القوات كان يهدف لمنع عودة وزير أمن جوبالاند عبد الرشيد حسن، ويؤكد ذلك أن هذا الوزير تم اعتقاله في مطار مقديشو بعد انتخاب حاكم ولاية جوبالاند، ولكن الحكومة الفيدرالية أعلنت فراره من السجن، حيث نشرت النائب الأول لقائد الشرطة الفيدرالية العقيد زكية حسين في حسابها على تويتر بـ28-1-2020 أن وزير الأمن في ولاية جوبالاند عبدالرشيد حسن هرب من محبسه [4]، وفي نفس اليوم أعلن ثلاثة من النواب بمجلس الشعب المنتخبين من المحافظة أن الحكومة الفيدرالية منعتهم من السفر إلى غِدُو، بحجة عدم الاستقرار، وأكدوا بأن مطار مقديشو الدولي مشغول بنقل الجنود مطالبين بمعرفة مصير الوزير عبدالرشيد كونه من أبناء دائرتهم الانتخابية.

وفي نفس السياق اعتبر بعض المتابعين أن هروب وزير أمن جوبالاند فجأة الذي لم يمثل أمام القضاء خطة محكمة للتغطية علي العملية العسكرية الحكومية لتقسيم الولاية، ونشر الجيش الوطني بدلا من قوات الولاية، ومنذ ذلك التاريخ تحولت محافظة غِدُو إلى منطقة عسكرية مغلقة تحكمها الحكومة الفيدرالية مباشرة ولا علاقة بولاية جوبالاند في إدارتها؛ حيث تم تسريح جميع الموظفين الإداريين التابعيين لولاية جوبالاند، وتم تعيين إداريين جدد من قبل الحكومة الفيدرالية، وإن كانت طريقة التعيين والأنظمة الحاكمة في ذلك غير واضحة حتى هذه اللحظة.

الاعتراف بشرعية انتخاب حاكم الولاية

وفي 14 يونيو 2020 أصدر مكتب رئيس الجمهورية محمد عبد الله فرماجو قرارا يقضي بالاعتراف بشرعية انتخاب حاكم ولاية جوبالاند أحمد إسلام بصفة مؤقتة لمدة سنتين حتى إجراء الاستحقاق الانتخابي الفيدرالي، وعلل ذلك بالحاجة إلى نظام توافقي يعيد الوئام والمصالحة بين عشائر المنطقة لإنهاء الخلافات المستفحلة في الولاية، ولكن البيان لم يبن آلية قانونية لحل الإشكالات الناتجة من عزل محافظ إقليم غِدُو منذ أكثر من عشرة أشهر، ولكنها طالبت “بأن يقوم الحاكم المؤقت – حسب وصف البيان- للولاية بعقد اجتماع للمصالحة بين العشائر وحل الخلافات لإعادة بناء جوبالاند موحدة تتوافق مع الدستور الفيدرالي”([5]) ، ومن جانبها أصدرت ولاية جوبالاند بيانا تؤكد فيه صحة إجراءاتها القانونية لانتخاب حاكم الولاية واعتبرت البيان الصادر عن مكتب رئيس الجمهورية فاقدا للأهلية القانونية.

ومن الغريب في الأمر أن حاكم الولاية حضر مؤتمرات التشاور الوطني الذي عقد في مدينة طُوسَمَريب بوصفه حاكما لولاية جوبالاند بتاريخ 12 يوليو 2020 ، واختفى اسم المؤقت، وأصبح “مدوبي” حاكما شرعيا للولاية من قبل الحكومة الفيدرالية،يشارك الاجتماعات الرسمية مع المجلس الوطني التشاوري (يضم القيادة الفيدرالية وحكام الولايات)، ولكن ما زالت قضية محافظة غِدُو كما كانت تحت رحمة التجاذبات السياسية التي وصلت إلى حد الاقتتال بين قوات الجيش الوطني والموجودة في المحافظة وقوات ولاية جوبالاند مما تسبب بخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

معضلة الانتخابات الفيدرالية 

 ويتضح من خلال تتبع الأحداث وصيرورتها أن الخلاف الأساسي في بدايته لم يكن بين محافظة غِدُو وولاية جوبالاند، ولكنه كان خلافا بين الحكومة الفيدرالية وحاكم ولاية جوبالاند، وفي نهاية المطاف تم تجييره إلى خلاف عشائري كون رئيس الجمهورية ينتمي إلى إحدى أكبر العشائر في الولاية والتي تمثل الأغلبية في محافظة غِدُو “ورغم أن الرئيس محمد عبدالله فرماجو لم يقدم للمحافظة شيئا يذكر قرابة ثلاث سنوات من حكمه إلا أن بعضا من أبناء المحافظة مازالوا يعتقدون أن ما فعله الآن يعد خطوة إيجابية لا ينبغي التراجع عنها، بينما يرى الآخرون أن هذه الصحوة المتأخرة ما هي إلا ألاعيب انتخابية، ولكن حتى ولو فرضنا جدلا أنها استعراض لعضلات الحملة الانتخابية؛ فمن المؤكد أن ما فعله الرئيس كان بضغط اجتماعي يصعب إهماله، وإن لم يتمكن من تسويقه سياسيا”[6].

حقوق مهضومة ورهانات انتخابية

 ونظرا لحساسية الموضوع من الناحية العشائرية إلا أن له جانبا انتخابيا واضحا؛ حيث إن الحكومة الفيدرالية الممثلة بالرئيس محمد عبد الله فرماجو ألحت في مؤتمرات التشاور والوطني التي تم البحث فيها عن وضع صيغة توافقية للانتخابات الرئاسية لدائرة إقليم غِدُو أن تظل المحافظة منفصلة عن ولاية جوبالاند، وتم التوافق على صيغة تجعل المحافظة تحت إدارة جوبالاند صوريا، بحيث لا يكون لها تواجد فعلى في الأرض فضلا عن تعيين المندوبين والأعيان من قبل نظام الولاية؛ حيث يحق لها الإشراف عليها من خلال اللجنة الانتخابية التابعة للولاية، وبشروط من بينها: أن يكون تعيين المحافظ من قبل حاكم الولاية ولكن بعد ترشيحه من قبل الأعيان ، وعقد مؤتمر مصالحة بين المحافظة والولاية.

 وبسبب الخلافات المريرة بين الرئيس محمد عبد الله فرماجو وبعض حكام الولايات وتأخر الانتخابات الرئاسية عن موعدها المحدد بـ8 فبراير 2021، أصبحت كل تلك الشروط مضيعة للوقت وعفي عليها الزمن؛ حيث إن الجميع يطمح بأن يستفرد بأصوات المحافظة البالغ عددها 16 عضوا، ومع أن الرئيس أصبح خارج اللعبة بعد انتهاء ولايته القانونية، وصار رئيس الوزراء محمد حسين روبلي رئيسا للمجلس التشاوري الوطني ومرجعا للانتخابات الفيدرالية، وبالتالي تحول ملف محافظة غِدُو مباشرة لرئيس مجلس الوزراء وحاكم الولاية اللذين لم يتمكنا من تقديم حلول عملية لأبناء المحافظة حتى الآن.

 وحاول الممثلون للمجتمع الدولي تقديم حلول توافقية ولكن محاولاتهم باءت بالفشل بسبب انسداد الأفق السياسي والخلافات المستعصية بين الرئيس ورئيس وزراءه، ولذلك فإن مشكلة المحافظة بدأت بخلافات شخصية وانتهت بانشقاق عشائري بين أبناء المحافظة أنفسهم وكذلك بين أبناء الولاية قيادة ولاية، ومن المؤكد أن رهانات الانتخابية من الأطراف المتنازعة هضمت حقوق أهالي غِدُو دون مراعاة لإرادتهم.

 غِدُو بوصفها دائرة انتخابية:

 من الواضح جدا أن إقليم غِدُو لم يكن دائرة انتخابية مستقلة عن ولاية جوبالاند، ولكن الخلافات السياسية التي نتجت عن انتخاب حاكم الولاية لفترة ثانية، وعدم التفاهم السياسي بينه وبين رئيس الجمهورية أحال المحافظة إلى دائرة انتخابية مستقلة علي صفيح ساخن ، وبالإضافة إلى ذلك فإن رئيس الجمهورية وفريقه الانتخابي قد صمموا خطة لحصد أصوات المحافظة طالما لم يتمكنوا من هزيمة غريمهم السياسي العنيد، ومع أنهم نجحوا في فصل المحافظة عن الولاية في أغلب التوافقات الوطنية التي قادها رئيس الجمهورية قبيل انتهاء ولايته الدستورية، إلا أنه فقد السيطرة على دفة الانتخابات بعد أن استفحل الخلاف السياسي بينه وبين رئيس الوزراء الذي كان يمثل المسؤول للانتخابات الوطنية مما جعله معزولا عن المشاركة في محافل القرارات، وأحال تنفيذ القرارات الانتخابية – التي أقرت بأن تصبح مدينة غربهاري دائرة انتخابية – إلى باب المناكفات السياسية بين رئيس الوزراء وحاكم الولاية من ناحية وبعض أعيان وسياسي المحافظة من ناحية أخرى، ومن ثم قد ترك هذا الخلاف آثارا سلبية على عشائر المحافظة كما تركت الحروب ندوبا غائرة تحتاج إلى معالجات متأنية في المستقبل القريب.

 وأخيرا ، هناك تساؤل يثار بشأن جدية الأطراف المعنية للوصول إلى حل نهائي للأزمة، وبحسب رؤية قادة الرأي العام المحلي فإن ما يجري حاليا هو حل مؤقت يتمثل في إجراء انتخابات دائرة محافظة غِدُو بأي شكل من الأشكال، وإحالة ملف المحافظة للإدارة القادمة الذين سيأتون بعد الانتحابات الراهنة لحلها جذريا.

ويُعتقد أن الحل النهائي متاح في حال قدوم رئيس جديد يهمه تحقيق مصالحة حقيقية بين أطراف النزاع في المنطقة أكثر من اهتمامه بأصوات الناخبين في المحافظة ، والذي سيكون قادرا على إعادة ترتيب الأوراق المختلطَة بالتنسيق مع حاكم ولاية جوبالاند وفق اللوائح القانونية والنصوص الدستورية، وبعيدا عن القبلية والمناطقية وجهود الاستئثار بالسلطة على حساب المصالح الوطنية.

 التوصيات وآفاق الحل

ونظرا لتدحرج الأزمة من خلاف سياسي إلى خلافات عشائرية، وانقسام أكبر عشيرة في المحافظة نفسها إلى مؤيدين لسياسة الرئيس فرماجو ومؤيدين لسياسات حاكم الولاية، ومع أنه لا يوجد ممثل شرعي أوحد للعشيرة تحتاج محافظة غِدُو إلى معالجات سريعة وإعادة الاعتبار لها، بعد الانتهاء من مخاض الانتخابات الفيدرالية الحالية، ومنها:

  1. عقد مؤتمر عام لعشائر المحافظة برعاية الحكومة الفيدرالية، وبعيدا عن تدخلاتها، لإعادة اللحمة في أهل المحافظة.
  2. الدعوة إلى مؤتمر تصالحي عام لجميع عشائر الولاية.
  3. الاتفاق على طريقة عادلة للتداول السلمي للسلطة حتى لا يتحول حكم الولاية لحكم فردي.
  4. حل الخلافات العالقة بين المحافظة والولاية المتعلق بالتمثيل في مجالس الولاية.
  5. إعطاء فرصة للأعيان بهدف حل الخلافات العالقة فيما بينهم قبل الانتقال إلى الأمور السياسية.
  6. وضع خطة عاجلة لتنمية المحافظة وعدم نقل مواردها إلى محافظات أخرى.
  7. تفكيك المجموعة الأمنية المسيطرة على المحافظة بالقوة العسكرية وإعادة الحكم المدني، وانتخاب المحافظين وعمداء النواحي للقضاء على الفساد والمحسوبية.
  8. عدم محاولة فريق سياسي واحد باستحواذ مسؤولية الإقليم والادعاء بأنه الممثل الشرعي للمحافظة.

 الهوامش:

[1] – حتى لا يتحول إقليم غِدُو إلى ورقة انتخابية- مركز الصومالي للبحوث والدراسات:

https://somaliacenter.com/2021/01/17/%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%BA%D8%AF%D9%88-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8/

[2] – حتى لا تتحول محافظةغِدُو إلى ورقة انتخابية ( المرجع السابق)

[3]https://goobjoog.com/warbixin-axmed-madoobe-oo-maalin-cad-la-doortay/

[4]https://twitter.com/ZakiaHussen/status/1222108189795155968?ref_src=twsrc%5Etfw

 [5] – ورقة صادرة عن مكتب الرئيس فرماجو مؤرخة بتاريخ 14 يونيو 2020

[6] – حتى لا تتحول محافظةغِدُو إلى ورقة انتخابية (مرجع سابق)

عبد القادر علي ورسمة

صحفي وكاتب صومالي، والسكرتير السابق لمجلة الفرقان الكويتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى