إتجهات التصعيد في الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وأثيوبيا
وقع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد مع حاكم صوماليلاند موسي بيحي مذكرة تفاهم في الأول من يناير 2024 وذلك لاستغلال 20 كلم من سواحل شمال غرب الصومال كميناء وقاعدة عسكرية لمدة 50 عاما، وهو ما رفضه الصومال علي الفور واعتبر البرلمان الصومالي هذه المذكرة وما ترتب عليها من التزامات اقتصادية وسياسية وتجارية وعسكرية باطلة ولاغية ولا أساس لها من الصحة لكون صوماليلاند جزء من الصومال ولا يحق لها حسب الدستور الصومال إبرام اتفاقيات تمس السيادة والأمن الوطني مع جهات أجنبيه.
يخشي المراقبون من احتمالية تدهور الخلاف الإثيوبي الصومالي وانزلاقه نحو المواجهة العسكرية المباشرة وفي حال حدوث ذلك فإن المتضرر الأكبر سيكون الجانب الإثيوبي أكثر من الجانب الصومالي إذ أن أي عدوان عسكري إثيوبي سيؤدي إلى ثلاث نتائج رئيسية، أولها توحيد الأقاليم الصومالية داخل حدود الجمهورية ، و كذلك في إقليم الصومال الغربي “أوغادين” المحتل، ثانيها صعود قوى إسلامية وقومية ستهيمن على الساحة السياسية والعسكرية ضمن الصومال الكبير، وثالثها دخول دول أخري للحرب مع الصومال ما سيؤدي إلى تغيير في الخريطة الجيوسياسية والبنية الديموغرافية في المنطقة، وسترتب علي ذلك انحلال كل الأجهزة والكيانات الصومالية بما في ذلك المركز ( الدولة الصومالية الفيدرالية) وإقليم صوماليلاند والولايات الأعضاء في الدولة الفيدرالية، بحيث تتحول كامل الأراضي الصومالية داخل الصومال وإثيوبيا إلى مسرح لتجنيد مئات آلاف المقاتلين المتطوعين بسلاحهم وزادهم لصالح الفصائل الإسلامية والقومية، بحيث تواجه القوات المسلحة الإثيوبية حربا مفتوحة لن تنتهي سوى بلحاق إثيوبيا قسرا بخصمها الصومال في طريق الانهيار، إذ سيختار الأخير التدمير الذاتي ليحدث هذا التحول البنيوي للدولة الصومالية، وتحقيق هدفي الدفاع عن الأرض ضد الأطماع الجديدة، والهجوم إلى العمق الإثيوبي، لاستعادة الأراضي التي سبق للصومال خسارتها لصالح إثيوبيا بيد القوى الغربية.
إن إدراك أنه ليس لدى الصوماليين الكثير ليخسروه في حال انتقال الخلاف من مرحلة الصراع الدبلوماسي إلى المواجهة المسلحة يعد تقليلا من نتائجه الواقعية، فالصراع المسلح سيؤدي إلى استعادة الصوماليين وحدتهم، كما سيفرز الصراع قيادات صومالية كفوءة تمثل الروح الصومالية الحقيقية وتعمل علي توجيه الدفة من حالة التدني والسفاسف التي أدت لبروز الفاسدين والمنحطين إلى دولة قادرة علي حماية حدودها من أطماع المتربصين، لذا فإن وجود صراع قائم على القيم سيؤدي إلى كنس تلك الطفيليات السياسية، في ذات الوقت الذي سيؤدي طول الصراع وفداحة الخسائر لدى الجمهورية الإثيوبية المفلسة اقتصاديا إلى انهيارها، وزوال الموانع أمام تحولها إلى ساحة تصفيات دموية وصراعات إبادة عرقية شاسعة وفظيعة، نتيجة لتراكمات الظلم والقمع والترويع التي قام عليها الكيان الإثيوبي ويعيش عليها إلى يوم الناس هذا! الدول العربية حاليا غير مؤهلة لتقديم دعم عسكري حقيقي، نظرا للأزمات السياسية والأمنية التي تعاني العديد من دولها، إضافة لعدم وجود تنسيق عربي في وجه القضايا الكبرى، بل ووجود تناقضات عربية-عربية، قد تؤدي في حال دخول دول عربية على خط الدعم المباشر إلى تسرب تلك الانقسامات إلى داخل البنية الصومالية، ما قد يتسبب في إطالة الحرب وارتفاع غير ضروري في الخسائر، لذا من الخير عدم مطالبة العرب “بتذكر الصومال” سوى على مستوى الدعم الدبلوماسي.
إن تصعيد الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وإثيوبيا وتحولها إلي صراع عسكري يضع منطقة القرن الإفريقي علي صفيح ساخن بسبب توقيع مذكرة التفاهم وتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي في أكتوبر من العام الماضي بشأن حق الأمة الإثيوبية في الحصول على منفذ بحري مهما كانت الظروف مما ينذر بخروج الأمور عن السيطرة والانزلاق إلي مرحلة من الاضطراب وعدم الاستقرار يُغذيها الطموح الإثيوبي لترسيخ هيمنته ونفوذه الإقليمي، محاولا استغلال عدا من الأزمات والتطورات الإقليمية والدولية التي تتصدر أجندة المجتمع الدولي والتي يأتي على رأسها حرب إسرئيل على غزة والتطورات في البحر الأحمر وما فرضته من تداعيات أمنية خطرة على الإقليم، وعلى حركة الملاحة الدولية، بالإضافة إلى الوضع المأساوي في السودان إثر الاقتتال العسكري الإخوة الأعداء طرفي الصراع السوداني وجميع هذه التطورات تساهم في خلق مناخ وبيئة مناسبة لتجنيد حركة الشباب عناصر جديدة ساخطة علي الوضع القائم؛ وعليه فإن علي إثيوبيا أن تفكر ألف مرة قبل أن تقدم علي حماقة ستؤدي حتما إلي تفككها لدويلات إن لم تؤدي إلي انهيارها الكامل.