إثيوبيا : التعددية العرقية وعوائق تنفيذ اتفاقية وقف الحرب
اتفقت الحكومة الإثيوبية وجبهة تغراي على وقفٍ لإطلاق النار في اختراق دبلوماسي للحرب في إثيوبيا المستمرة لسنتين والتي أودت بحياة الآلاف وشرّدت الملايين وتركت آلاف آخرين تحت ناقوس المجاعة، وتاتي هذه الخطوة عقب أسبوع من المفاوضات بين الجانين في مدينة بريتوريا بجنوب أفريقيا في وساطة من الاتحاد الإفريقي لحلحلة الصّراع في إثيوبيا بقيادة أوباسنجو الرئيس الأسبق لنيجيريا ويجري استكمالها في محادثات نيروبي . [1]
وشملت بنود الاتفاقية وقفا شاملاً لإطلاق النّار والتزاماً من الطرفين لتثبيت الهدنة المعلنة ،وإعادة المرافق والخدمات الأساسية للإقليم كما تتضمن ضمان تدفق المساعدات الإنسانيّة للمتضرّرين من الجفاف وخطر المجاعة مع تأخير للعمليّة السياسية، وحسب الإعلان المشترك فقد نصت مفردات الاتفاقية على دعم دستور إثيوبيا واستعادة النظام الدستوري في منطقة تغراي ، وتوحيد الجيش من خلال برنامج مفصل لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج لمقاتلي جبهة تغراي، كما جرى الاتّفاق على وقف كافّة أشكال الصّراعات والدّعايات ، والعمل على تسوية الخلافات السياسية وتنفيذ تدابير العدالة الانتقالية لضمان المساءلة والحقيقة والمصالحة وتضميد الجراح . [2]
ولم يذكر في الاتفاقية مصير الجيش الإريتري والقوات الموالية للحكومة الإثيوبية المحتشدة من المناطق الأخرى. وكما قال مبعوث الإتحاد الإفريقي أوبوسنجو فإن هذا لا يعني نهاية عملية السّلام ؛ بل اعتبر تنفيذ هذه الاتّفاقية مهمة لنجاح عملية السلام .[3]
ترحيب دولي بالاتفاقية
رحب المجتمع الدّولي بالاتفاقية واعتبرها الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيرش “الخطوة الأولى” لإنهاء الحرب، وبدوره هنّأ الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي والرئيس السنغالي مكي سال الطرفين ووصف الخبر بالمميز وحثّ الأطراف للحفاظ على الطريق نحو سلام مستدام ، أمّا الولايات المتحدة فقد أيدت الخارجية الأمريكية الاتفاقية وثمن الاتحاد الإفريقي في نجاحه في المفاوضات وقد أرسلت الدول الأخرى والمنظمات الدولية برقيات مشابهة ومن بينها تركيا والاتحاد الأوربي ..[4]
دور الاتحاد الإفريقي
أخذ الاتحاد الإفريقي زمام المبادرة منذ اندلاع الأزمة قبل سنتين بدون انقطاع من المحاولة مهما صعبت، بتمثيل الرّئيس النّيجيري الأسبق الخبير في عقده الثامن أولسييغن أوبسنجو الّذي تحوّل إلى وسيط منذ أن اعتزل عن الرّئاسة في نيجريا طواعية عام 2007 في خطوة يحسب له في نيجيريا على أنها أول عملية تدوال سلمي للسلطة بين مدنيين منذ استقلال البلاد عام 1960. ومنذ أن ترك المنصب لم يحل نفسه إلى التقاعد بل تشمّر لحل الصراعات والحروب في القارة، ومن الصراعات التي توسط فيها ساحل العاج ، وليبريا وكونغو ، أنغولا ، بورندي ، وموزنبيق حيث تكلّلت بعض مساعيه بالنجاح بينما تعثر بعضها .[5].
يبدو أن هذه الوساطة الأفريقية في طريقها للنجاح إذا تحلت الأطراف بالمسؤولية واحترام تعهداتها والتزاماتها ؛ مع تكثيف الاتحاد الإفريقي جهوده للقيام بدوره الضامن للاتفاقية ، وإذا نجحت فإنها ستشهد على قدرة الدول الأفريقية على التغلب عى مشاكلهم وفق المقولة الشهيرة المنسوبة للرئيس الغاني نكروما: ” حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية” .
عوائق وتحديات
بعد سنتين من الاقتتال العنيف في إثيوبيا، لم يجد الطرفان أي بوادر انفراجة غير التفاوض والخضوع لوساطة الاتحاد الإفريقي ، وهذا ما سرع من وتيرة المحادثات والدخول في مفاوضات جادة وبالتالي الاتفاق على وقف إطلاق النار . وحيث إن الاتفاق ليس إلا مبادرة أولية لوقف الحرب أولاً ، فإنّ التحدي الأكبر يتمثل في تثبيت دعائم الهدنة وعدم إحداث أي خروقات من أيّ جانب ، وقد يكون ذلك معقدا في ظلّ وجود التشكيلات العسكرية التي شاركت في الحرب خارج إطار الدولة أو الجبهة على حد سواء ، كمليشيات فانو الأمهرية التي ترفض أي جنوح للسلام مع جبهة تغراي وكذلك في حال ظهرت أجنحة داخل الجبهة تعارض الاتفاقية وتراها على أنه استسلام .
لقد قام رئيس الوزراء ومنذ البداية بتبني خطب حماسية لتعبئة الميليشيات والمسئولين الإقليميين من أجل محاربة التيغراي. يعني ذلك أن استعادة السيطرة على هذه القوى الإقليمية وهذه المليشيات تصبح أمراً صعباً وبالغ التعقيد. علاوة على ذلك، إذا دخل في مفاوضات مع الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي، فإنه يخاطر بفقدان دعم الأمهرة وإريتريا. لذلك كان لزاماً عليه أن يجد حلفاء جدد في منطقة أورومو، مخاطراً بوقوع إسفين مع القوميين الأمهرة. [6]
معضلة الفيدرالية العرقية
إثيوبيا دولة فيدرالية ومتعددة الأعراق حسب الدستور، ولكن هناك خلافات أيديولجية بين القوميات حول شكل الدولة ، فالأمهرا على سبيل المثال ترى أن استعادة مجدهم يكمن في دولة مركزية تحكمها الأمهرا كما كان الأمر تقليديا ، في حين ترى القوميات الأخرى كالأورومو ـ على حسب ما يعتقده نشطاؤهم ـ هو إقامة دولة فيدرالية حقيقية لا صوريّة ، تحكمها الأغلبية وهم الأغلبية . وهناك الإقليم الصومالي المعروف بأوغادين المترامي الاطراف والتابع لإثيوبيا والذي ترنوا نخبه وأطياف مجتمعه كافة إلى نيل حق تقرير مصيرهم واستعادة حريتهم المشروعة.
أما جبهة تغراي التي كانت تحكم إثيوبيا للثلاثة العقود الأخيرة فإنها تنظر مصلحتها في عودتها إلى الحكم في أديس أبابا مجددا، وهو أمر شبه مستبعد ، فلم تعد الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي تمتلك رأس المال السياسي اللازم للحصول على دعم القوى الأخرى للحكم. كما لا يحظى حزب التيغراي بشعبية كبيرة في بقية البلاد؛ فلا الجماعات السياسية في منطقة أمهرة راغبة في العمل مع التيغراي إذا تولت جبهة التيغراي السلطة في أديس أبابا، وهو ما سيعني قبل كل شيء استمرار القتال المؤكد. قد يكون الخيار الآخر للتيغراي هو تفكيك أثيوبيا التي يعتبرونها إمبراطورية قمعية. ولا تزال نخبة التيغراي تنظر إلى وجود حكومة أثيوبية قوية في المركز على أنها خطر أمني وجودي علي كيانهم.
اتخذ الخلاف المتكرر حول شكل الدولة منعطفا خطيرا عندما تعهد رئيس الوزراء آبي احمد بحل الإئتلاف الحاكم وتأسيس حزب الازدهار في عام 2019 ككيان موحد بدون تمثيل رسمي ومؤسسي للجماعات العرقية. من ناحية أخرى، رفض التيغراي فكرة الدمج في حزب الرخاء الجديد الذي يعني – من وجهة نظرهم – قطيعة أيديولوجية راديكالية مع المشروع الدستوري لعام 1994، وكان علامة على تصميم آبي أحمد على فرض رؤيته المركزية، بكل الوسائل المتاحة له. لم يكن تأسيس حزب الرخاء، بدافع رغبة رئيس الوزراء في إنشاء كيان سياسي جديد خاضع له بالكامل فقط؛ ولكن أيضاً رغبته في وجود منظمة سياسية جديدة، ذات قاعدة أيديولوجية ما بعد العرقية، من أجل تنفيذ أهدافه في أن يصبح الملك السابع. ولتحقيق ذلك، كان على آبي أحمد إضعاف اثنين من أقوى العوائق في برنامجه: الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي ومعارضة الأورومو.[7]
دبلوماسية مسار الثّاني
يقترح الخبير في الشؤون الإفريقية الدكتور حمدي حسن : دبلوماسية مسار الثاني أو متعددة المسارات كأفضل حل للصّراع الدائر في إثيوبيا ؛ حيث يتيح هذا المسار فتح قنوات اتصال خلفية تفسح المجال للمشاركين المؤثرين أن يستكشفوا الآفاق البديلة في المستقبل. ويبدو أن وساطة الاتحاد الأفريقي لا تستطيع القيام بهذا الدور. وعلى سبيل المثال، فإن الأطراف المؤثرة في الحرب الجارية مثل القوميين من المهرة أو أسياس أفورقي أو حتى جيش تحرير الأورومو ليسوا جميعاً جزءا في أي عملية تفاوضية. وعليه، فإن وجود مسارين متكاملين للدبلوماسية يعد متطلبا مهماً لأي تسوية نهائية للحرب الأهلية في أثيوبيا .ويستشهد الدكتور ما حدث في دايتون بالنسبة لأزمة البوسنة وأوسلو بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط ، كما يؤكّد أن تطبيق هذا المسار من الضرورة بمكان في أي مفاوضات سلام لإثيوبيا .
الخاتمة
وفي الختام نستنتج من نظرتنا على الموضوع وطبيعة النظام السياسي في إثيوبيا البالغ التعقيد بحكم عرقياتها المختلفة والمتشابكة واختلاف الأيديولوجيات ، وعليه فإن أي حل للصراع هناك يتطلب جملة من المعطيات غير المواتية في الظرف الراهن :
- صدق نوايا الاطراف وعملا مشتركا دوليا ومحليا والذي لا تظهر بوادره في اللحظة الراهنة .
- ضرورة تنسيق الجهود والاتصال مع كافة الأطراف الفاعلة في الميدان ومن أهمها القوميات المعنية كالامهرا والدولة الجارة إريتريا من خلال الاعتماد على “دبلوماسية المسار الثاني” أو “متعددة المسارات ” والإصغاء إلى تطلّعات الشعوب الممقهورة بالإحتلال كإقليم أوغادين الخاضع تحت سيطرة إثيوبيا .
- تعزيز مبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل القارة والتي ظهرت جليا في مدى واقعية وفاعلية وساطة أوباسنجو والاستفادة من الخبرات والعقول الأفريقية لوقف الحروب وصناعة السّلام .
المصادر
[1] رويترز: https://www.reuters.com/world/africa/african-union-parties-ethiopia-conflict-have-agreed-cease-hostilities-2022-11-02/
[2] توكل، محمد طه ، صفحته على الفيسبوك : بيان مشترك بين حكومة إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية وجهة تغراي
https://www.facebook.com/profile.php?id=100044174869181
[3] المصدر السابق : رويترز
[4] TRT: https://www.trtworld.com/africa/excellent-news-world-hails-ethiopia-s-truce-deal-with-tigray-rebels-62197
[5] رويترز : https://www.reuters.com/world/africa/nigerias-obasanjo-clinches-unlikely-ethiopia-truce-2022-11-02/
[6] حمدي حسن ، محور أمهرة أسمرة : معضلات مابعد العرقية في إثيوبيا :
https://acpss.ahram.org.eg/News/17632.aspx
[7] المصدر السّابق