اجتماع طوسومريب و العبث السياسي!
اجتمع في مدينة طوسمريب حاضرة ولاية غلمدغ يومي 11-12 يوليو حكام الولايات في الصومال وناشدوا القيادات الفيدرالية للانضمام لاجتماعهم للتشاور حول نموذج الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2021 بعد تعذر اجراء الانتخابات العامة في موعدها حسبما أعلنتها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في 27 يونيو 2020 أمام البرلمان، وقبل الرئيس الصومالي مناشدة حكام الولايات للحكومة الفيدرالية ووصل ألى طوسمريب لتدارس ملفات عديدة أهمها تعاون القيادات الصومالية على المستوى الفيدرالي والولائي حول ملفات مراجعة الدستور وتثبيت الأمن والاستقرار وبحث الجدل الدائر حول ضرورة إجراء الانتخابات العامة المقبلة 2020/21 في موعدها في خطوة قد تخرج البلاد من نفق مجهول يتربص بها.
بعيدا عن شؤون السياسة وشجونها فإن الشيء الوحيد الإيجابي في اجتماع طوسومريب هو التحول الجميل و المدهش الذي تشهده المدينة المستضيفة للاجتماع، أما ما يدور فيها من لقاءات رسمية واجتماعات جانبية وما يُعقد فيها من حوارات سياسية فقد أكل الدهر عليها وشبع، وأقوى دليل على ذلك تجاهل الشعب الصومالي برمته تفاصيل و خبايا الاجتماع، فالشعب لم يعد مهتماً بمن قابل من ، ومن صافح من ، ومن حضر ومن رحل ، ومن سيحضر، وإنما بهموم حياته اليومية وهذه ليست من عادات الشعب الصومالي المُسيس بطبعه حتى النخاع و الذي يعشق التفاعل و المشاركة بكل حدث يتعلق سواء تعلق به أو بمحيطه الإقليمي أو الدولي ، ويعزى هذا العزوف عن السياسة والهدوء المفاجئ، والسكون المُباغت للإرهاق وفقدان الأمل الوطني وغياب الثقة بالنخبة السياسية والملل عن صراعها الدئم حول السلطة.
إن استمرار الخلافات السياسية بذات النقاط و المواضيع ، وتكرارها واستحضارها و إعادتها للمشهد الصومالي كل مره وعلى مدى ثلاثة عقود متتالية هو العبث و اللهو والهزل بعينه بدون خجل ، و أبشع عبث سياسي يحدث في العام 2020 هو اجتماع طوسومريب؛ فمع الضغوط والتحديات التي يواجهها البلد من الفقر والاستقرار الأمني والتي ضاعفت من تأثيراتها جائحة كورونا؛ فماذا يعني الجلوس والتفاوض لأيام من أجل مسالة نُوقشت لسنوات دون جدوى إلا أن يكون الجالس فيها يُسلي أمة لا تحتاج من يسليها ، أو يلاعب آمال قُتلت في مهدها ، أو يُغلب مصلحة خاصة على مصلحة عامة نعلمُها ، ولا نقول ذلك تقليلاً من شأن الحوار القائم و لكن من المُهين بحق الوطن والمواطن أن تُختزل أعمق قضاياه و أعقد مشكلاته برؤية أشخاص ، ومطامع أفراد قلة ، و من المُعيب أن تدور قضايانا لسنوات في حلقة مفرغة بعد أن عُقد لأجلها مؤتمرات دون أن تُحسم و دون أن تُحل ، وقضية الانتخابات مثال على الملفات التي تدور و تدور وتعود إلى نقطة الصفر، فاستمرار الحوار فيها دون بوادر للتفاهم أو إبداء مرونه هو استمرار للعبث الممنهج الذي يُسجله التاريخ على هذه القيادات المجتمعة في طوسمريب.
صحيح بأن الانتخابات وسيلة للتداول السلمي للسلطة وتنفيس عن الاحتقان السياسي كل أربع سنوات وهي المفتاح الذهبي للاستقرار الوطني و إن مناقشة حيثياتها مسالة مهمة ولكنها ليست الغاية بذاتها ولكنها وسيلة تفرز قيادات قادرة على تجاوز المُختلف فيه إلى المتفق عليه، وتحقيق طموحات الشعب وتطلعاته من الحفاظ على الأمن والقضاء على الفقر أو الحد منه وتأمين لقمة عيش المواطن، و تنمية الاقتصاد، وصون كرامة المواطن، وحمايته من التيه والتشتت، و إنماء عقله ، و فك قيود وقائع الماضي الأليم، وتفتيح آفاقه وجعله يتجاوز حدود قبيلته هو ذلك المُتفق عليه و الذي يجب أن يُناقش بدل إضاعة الوقت في نقاشات هامشية لا تمت بصلة للمصلحة العليا للوطن.