الانتخابات في افريقيا – الظل الباهت للديمقراطية
بقلم سعيد أديجومبي – عرض وتلخيص: الأستاذ محمد أزرق سعيد
مدخل:
تندرج الانتخابات التي يجري الإعداد لها في الصومال في غضون شهرين من الآن والتي شهدت هذه البلاد تجارب مماثلة لها في عهود سابقة ، تندرج ضمن سلسلة طويلة من التجارب التي خاضتها العديد من الدول الأفريقية في أزمان مختلفة وتصاعدت وتيرتها في القارة مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين جراء التحولات التي انتظمت العالم بعد نهاية الحرب الباردة بما عرف بسيادة قيم الديمقراطية والحكم الرشيد ، اتساقاً أو للمحاكاة مع نماذج الديمقراطية الليبرالية في العالم الغربي.
وقد أفرد كتاب (الحكم والسياسة في أفريقيا) حيزاً مقدراً للعديد من القضايا الملحة التي تواجه القارة في وقتنا الراهن دون أن تتجاهل قضية الانتخابات وتجاربها في أفريقيا في مراحل تطورها المختلفة.
ويعتبر كتاب ( الحكم والسياسة في إفريقيا) (Government and politics in Africa) في مجلده الأول الذي يقع في 546 صفحة من الحجم المتوسط والصادر عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة في العام 2003م من تحرير أكوديبا ندلي وترجمه مجموعة من الباحثين واحداً من أهم الكتب التي أصدرتها الجمعية الأفريقية للعلوم السياسية ( والتي تتخذ من بريتوريا بجنوب أفريقيا مقراً لها ) وذلك باعتباره واحداً من جهود الجمعية التي حرصت ومنذ إنشائها في سبعينات القرن الماضي علي ( أفرقة علم السياسة الأفريقي ) من خلال توفر المفكرين الأفارقة علي دراسة الأوضاع السياسية في القارة من منظور أفريقي معايش للواقع ومتفاعل معه ومؤثر فيه وليست من خلال منظور خارجي خاصة الأوربي والأمريكي الذي كثيراً ما يكون عاجزاً عن فهم الواقع الأفريقي من ناحية وغالباً ما يستهدف تحقيق مصالح أجنبية علي حساب المصالح الأفريقية الأخري.
ويتناول هذا الكتاب العديد من القضايا المهمة المثارة علي الساحة السياسية الأفريقية ، ومنها إشكالية إدارة الدولة في أفريقيا والديمقراطية وعملية التحول الديمقراطي وإدارة الصراعات في القارة ، ويندرج في صلب القضايا التي يحتويها الكتاب العملية الانتخابية وإدارتها.
ويضم كتاب ( الحكم والسياسة في أفريقيا ) عدداً من البحوث والدراسات ذات الصلة بقضايا القارة وفي هذا الصدد تأتي دراسة قيمة للمفكر سعيد أديجومبي وترجمة أيمن السيد شبانة بعنوان ( الإنتخابات في أفريقيا – الظل الباهت للديمقراطية ).
ويستهل أديجومبي دراسته بمقدمة يخلص منها إلي أنه بعد مضي عقد علي حدوث التجديد السياسي في أفريقيا يبدو أن المشروع الديمقراطي في معظم دول القارة قد وقع في مأزق أو لا يزال في أزمة. وأنه يبدو أن هناك عملية تدرجية لكنها ( خطيرة ) تتجه نحو إعادة تأسيس نظم حكم في ثياب ديمقراطية وذلك من خلال إعادة بناء نظم و لإعادة تأسيس نظم حكم غير ديمقراطية رغم انه ظهرت في حالات أخري محاولات لبناء نظم حكم أوتوقراطية جديدة وبشكل واضح. ويستطرد أديجومبي ويشير إلي أن الانتخابات والعملية الانتخابية تمثلان الضحايا الأساسيين في الاتجاه نحو التراجع الديمقراطي وذلك لأن دور وجوهر الانتخابات في المفهوم الديمقراطي التي تعتبر أداة التعبير عن الإرادة الشعبية وإحداث التغييرات السياسية وإضفاء الشرعية علي نظم الحكم ، يصبح محدوداً بدرجة كبيرة في هذا الإطار وينظر إليها ليس كعامل محفز ولكن كعنصر قليل القيمة أفريقياً.
ويحدد سعيد أديجومبي أهداف ورقته البحثية بأنها تسعي إلي إختبار خلفية وأبعاد الأزمة الانتخابية في أفريقيا وذلك في سياق عملية التحول الديمقراطي الحالية في القارة وإلي مناقشة العلاقة بين الانتخابات والديمقراطية وكذلك حدودها وبيئتها والسعي إلي رصد ما حدث من إخفاقات مرتبطة بالانتخابات في أفريقيا ودلالتها بالنسبة للمشروع الديمقراطي في المنطقة.
وحول الانتخابات والديمقراطية في إطارها النظري والعلاقات البيئية، يخلص الباحث إلي أن المعالجات والنظريات المتعلقة بالديمقراطية خاصة في شكلها الليبرالي تنظر إلي الانتخابات باعتبارها متغيراً أصيلاً يرتبط عضوياً بمفهوم الديمقراطية الليبرالية في الواقع وكانت تقرن بينها وبين مفهوم الانتخابات وفقاً لما انتهي إليه مفكرون مثل جوزيف شوسبيتر من أن الديمقراطية تعني فقط أن تتاح للناس الفرصة لقبول أو رفض الرجال الذين يحكمونهم ، وأنها أي الديمقراطية تدور حول إجراء الانتخابات واختيار القادة السياسيين. وان الديمقراطية الليبرالية في شكلها الأكثر تطوراً يمكن النظر إليها ( كنظام سياسي يتسم بوجود انتخابات دورية وحرة ) تنظم في إطارها السياسة في شكل أحزاب تتنافس من أجل تشكيل الحكومة مع منح كافة المواطنين البالغين الحق الفعلي في التصويت وضمان مجموعة متلازمة من الحقوق السياسية والمدنية.
وحول الخصائص الأساسية للديمقراطية تشير الدراسة إلي المشاركة السياسية من جانب المواطنين والتنافس بين البني السياسية وخاصة الأحزاب وضمان مجموعة من الحريات المدنية والسياسية من ضمنها حرية التعبير والتجمع والصحافة مع تأكيد اكتمال وتوافر فرص المنافسة والمشاركة السياسية نسبة لارتباط هذه الخصائص والسمات اللازمة للديمقراطية بالعملية الانتخابية.
ويتناول بحث سعيد أديجومبي نظرية الديمقراطية عند ( روبرت داهل ) الذي يؤكد الصلة الوثيقة بين الانتخابات والديمقراطية ويعرف في هذا الاتجاه سبعة معايير يلزم توفرها في هذا المجال خاصة وجوب اختيار وتغيير المسئولين المنتخبين بشكل سلمي عبر انتخابات عادلة وحرة تجري بشكل مطرد ، مع تمتع هؤلاء المسئولين دستورياً بحق السيطرة والتحكم علي القرارات الحكومية ذات الصلة بالمسائل السياسية إضافة إلي معايير أخري لازمة للعملية الانتخابية وفي مقدمتها تمتع الناخبين بالحقوق المدنية والسياسية وأن تتاح لهم فرصة الوصول وبسهولة إلي المعلومات غير المحتكرة من قبل الدولة أو جماعة واحدة مع وجود حقوق مؤكدة في تكوين التنظيمات السياسية بما في ذلك الأحزاب السياسية وجماعات المصالح.
وتضيف هذه الورقة البحثية أن الانتخابات تعبر عن السيادة الشعبية كما تعبر عن العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع والذي يحدد أي العقد الاجتماعي قواعد السلطة السياسية الشرعية والتزامات المواطنين ، وأنها أي الانتخابات بمثابة وسيلة للمساءلة السياسية وأداة للتفاعل بين الحكام والمحكومين وتعبيراً عن المطالب الشعبية.
وتطرح هذه الدراسة عدداً من التساؤلات الخاصة بالعلاقة بين الديمقراطية والانتخابات وعن مدي اتساق الديمقراطية مع فكرة الانتخابات وإلي أي مدي يمكن للانتخابات أن تحقق الديمقراطية والشروط اللازمة للوصول إلي هذه الغاية.
وتتناول الورقة في هذا الصدد عدداً من الأطروحات خاصة نظريات الشرائح الاجتماعية لـ (Social Stratification) المتعلقة بدور النخبة في تحديد مسار واتجاه كل من الديمقراطية والانتخابات وكذلك التحليلات الماركسية التي تقدم وجهات نظر بديلة حول العلاقة بين الانتخابات والديمقراطية.
ويقدم سعيد أديجومبي عرضاً لمفهوم الانتخابات في إطار النظرية الماركسية وينتهي إلي خلاصة مهمة أكد فيها كارل ماركس في كتابه ( المسألة اليهودية الصادر عام 1842م ) أن مؤسسات ومزايا الديمقراطية الليبرالية والتي تتضمن الانتخابات الدورية وضمان الحقوق المدنية والسياسية وتوسيع الحق في التصويت ، والمؤسسات التمثيلية ، وتقييد سلطة الدولة تمثل ( عملية التحرر السياسي الضرورية لتحقيق التحرر الإنساني ) وأنها أي هذه العمليات والمؤسسات تمثل قفزة تقدمية كبيرة وأنها أفضل شكل ممكن للتحرر في إطار النظام الاجتماعي الرأسمالي، وذلك رغم تأكيد ماركس علي أن الانتخابات لا تمثل الديمقراطية بشكل تقريبي لأنها تتيح فرصاً محدودة للاختيار أمام غالبية الشعب.
ولا تقتصر تساؤلات الدراسة علي العلاقة بين الديمقراطية والانتخابات إنما تمتد إلي التساؤل حول الآليات المكونة والضابطة والقواعد الضرورية لدعم المنافسة الانتخابية الحرة والصحية وعن الشروط البيئية التي يمكن للانتخابات أن تنمو وتزدهر في كنفها خاصة الهياكل والعمليات الانتخابية التي تشمل إقامة هيئة انتخابية مستقلة ومحايدة نسبياً لإدارة العملية الانتخابية والصحافة القوية إضافة إلي القوي النظامية المحايدة الممارسة للعملية بجانب القواعد والإجراءات والأنشطة ذات الصلة بإجراء الانتخابات مع ضرورة توفير القبول العام داخل المجتمع السياسي بقواعد العملية التي تضبط وتقيد وتدعم المنافسة الانتخابية السليمة وتوفر البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي تمكن المواطن من الاختيار السليم.
تستعرض ورقة أديجومبي التطور التاريخي للانتخابات وللديمقراطية في أفريقيا وتشير إلي أن الانتخابات تعتبر ( بدعة استعمارية ) في القارة قياساً إلي أصولها التاريخية وذلك لأن ظهور الانتخابات كان جزءاً من عملية التحول المؤسسي في البنية الفوقية للديمقراطية الليبرالية. وأنه علي الرغم من أن النظم السياسة السابقة علي الاستعمار في أفريقيا كانت لديها بعض الصور للمبادئ والممارسات الديمقراطية الراسخة لديها إلا أن مفهوم التصويت وفكرة الأغلبية والأقلية السياسية لم تكن جزءاً من التقاليد السياسية الأفريقية وأنها كانت تأكيداً علي قيم الحوار والتوافق والجماعية السياسية في مقابل الفردية والانقسام وفكرة الأغلبية في النظام السياسي الرأسمالي الغربي.
وتخلص الورقة بناء علي هذه المقدمة إلي أن التاريخ الانتخابي في أفريقيا يمثل أحدي الظواهر المرتبطة ببداية القرن العشرين حيث أدخل المبدأ الانتخابي في نيجريا عام 1912م مع صدور دستور كليفورد ومع اتسام عملية التحرر السياسي من الاستعمار منذ عام 1954م باتساع امتيازات ومجالات المؤسسات التمثيلية وإدخال الانتخابات لتحديد أو إضفاء الشرعية علي حالة وشكل وعملية التحرر من الاستعمار وأن الطابع الثابت للحكم الاستعماري قد أسهم بدرجة كبيرة في تحديد هدف ونطاق العملية الانتخابية وأثر بذلك علي السياسات الانتخابية في أفريقيا ما بعد الاستعمار وبدت في جذور عدم المشاركة وضيق نطاق التنافس الانتخابي في مرحلة ما بعد التحرر بما يقلل من قيمة وأهمية الانتخابات خاصة في ظل الانتكاسات والتقلبات السياسية التي شهدتها ولا تزال دول القارة بلا استثناء يعتد به.
يضاف إلي هذا عدم تحمس القادة الأفارقة في أغلب الأحيان إلي الانتخابات المفتوحة والتنافسية بدعوي إنها تؤدي إلي الفوضى ويسوق الباحث مثالاً لذلك الرئيس اليوغندي الأسبق ملتون أبوتي الذي نسب إليه في العام 1981م قوله ( أن الانتخابات تعد أسلوباً للسيطرة علي الناس … أكثر من أنها أدوات يمكن للناس من خلالها أن يسيطروا عليها…).
وحول طبيعة الانتخابات في القارة في مرحلة ما بعد التحرر من الاستعمار تشير الورقة إلي أنها تميل نحو النموذج غير التنافسي الخاضع لتنظيم الدولة وأن الانتخابات المفتوحة والتنافسية القائمة علي أساس التعدد الحزبي يتم إجراؤها في أفريقيا في أغلب الأحيان خلال فترات التحول إلي النظم التعددية في الحكم. وغالباً ما يسبق هذه الانتخابات عملية هندسة سياسية ودستورية تستهدف بناء المؤسسات والهياكل الضرورية اللازمة لإقامة النظام الديمقراطي. بيد أن هناك عوائق تواجه هذه الممارسة منها أن النظم غير التعددية في القارة شأنها والاستعمار لا تعد وسيطاً أو فاعلاً اجتماعياً محايداً في فترات التحول ، مما يؤدي إلي انتهاك القواعد التي تقوم عليها العمليات الانتخابية والسياسية. ويعزو الباحث نمو ثقافة لانتخابات في أفريقيا إلي البيئة والإطار السياسي الدولي وليس بسبب الافتقار إلي وجود مجتمع مدني نشط خاصة وأن سياسات الحرب الباردة لم تركز علي مسألة الانتخابات الحقيقية والديمقراطية الأصيلة قدر تركيزها علي إعطاء الأولوية للبحث عن الحلفاء السياسيين في سياق صراع القوة الأيدولوجية آنذاك الأمر الذي وفر دعماً للحكام الأفارقة الذين لا يأبهون بإرساء النظم الديمقراطية في بلدانهم بل المضي بعيداً في مناهضة الانتخابات التعددية وكانت النتائج التي أسفرت عنها بيئة الحرب الباردة هي حرمان الأفارقة من الديمقراطية بسبب العوامل الداخلية والدولية سوياً.
ويعالج بحث سعيد أديجومبي اتجاه أفريقيا إلي الانتخابات متعددة الأحزاب وظاهرة التجديد السياسي في القارة خلال الفترة الممتدة من نهاية الثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي التي اتسمت بخاصتين ارتبطتا بوجود اتجاه عام نحو السياسات التعددية الحزبية مما أدي الي شيوع تعبيرات الانتخابات والتعددية الحزبية والمجتمع المدني والديمقراطية خلال تلك الفترة اضطرت بسببها العديد من نظم الحكم في القارة إلي تحرير ميدان التنافس السياسي خلال الفترة من 1985م إلي 1991م وبحلول العام 1997م كانت ثلاثة أرباع الدول الأفريقية خاضعة للحكم الديمقراطي وفقاً لمنطلق الانتخابات الدورية وأن طالت الشكوك مضمون ومحتوي معظم نماذج الديمقراطية في القارة.
وبجانب عوامل البيئة الدولية التي أفضت إلي هذا التحول تشير الورقة البحثية إلي عاملين آخرين يفسران المشهد السياسي المتغير في القارة يتصل الأول بتناقص الثروات الاقتصادية والفقر الحاد الذي يعانيه الناس بدا معه واضحاً أن النظم غير الديمقراطية قد فقدت مصدر قوتها الاجتماعية وشرعيتها السياسية مما جعل الانتخابات التعددية والسياسات الديمقراطية هي الاختيار السياسي البديل أما العامل الثاني فيشير إلي أن التغير في الاقتصاد السياسي العالمي في ظل العولمة قد اتحد مع العامل الأول بشكل أدي إلي الاختلاف في اختيار النظام السياسي في أفريقيا جراء هيمنة الرأسمالية الليبرالية التي أدت إلي تدويل القضايا الخاصة بإصلاحات السوق والديمقراطية الليبرالية مما جعل من هذه الديمقراطية مسألة أساسية في إطار التعاون التنموي الثنائي ومتعدد الأطراف مثل الكومنولث والاتحاد الأوربي ومؤسسات المال الدولية والأمم المتحدة في دعم قضية حقوق الإنسان وحكم القانون والديمقراطية باعتبارها من المسائل ذات الاهتمام والارتباط بدعم أفريقيا وقد جعلت الدول المانحة مثل الولايات المتحدة وغيرها القضايا الديمقراطية بمثابة شروط مسبقة لاستمرار تدفق المعونات والمساعدات الاقتصادية الأمر الذي دفع العديد من الدول الأفريقية إجراء إصلاحات دستورية سمحت بإجراء الانتخابات التعددية رغم أن النتائج التي أفضت إليها هذه الإصلاحات قد أظهرت اختلاف نماذج ومسار الديمقراطية فيما بين الدول الأفريقية الأمر الذي أفرز أربعة نماذج رئيسية تشير إلي أن هناك دولاً تتسم بوجود مجتمع مدني عالي الصوت ومنظم إلي حد ما بشكل يمكنه من اخذ زمام المبادرة في القيام بالإصلاحات السياسية وتحجيم قبضة الدولة خلال المرحلة الانتقالية وخلق منافسة انتخابية حرة وعادلة فيما يتمثل النموذج الثاني في شريحة من الدول التي يأخذ فيها المجتمع المدني زمام المبادرة في النموذج الثالث والقيام بالإصلاحات السياسية تتولي الدولة في إطارها إدارة العملية الديمقراطية وتنظيم السيطرة علي العملية الانتخابية بحيث لا تسفر الانتخابات إلا عن قليل من النتائج ذات المغزي ويقدم الكاتب حالات من النماذج الكلاسيكية لهذا النمط في القارة.
ويعتبر النموذج الرابع من التحولات التي شهدتها القارة في التحولات السياسية الناجمة عن الصراعات السياسية والحروب الأهلية العنيفة كما حدث في ليبيريا ورواندا وبورندي والسودان والصومال.
ويخلص الباحث إلي أن النماذج الأفريقية في اتجاه التحولات السياسية والديمقراطية والعمليات الانتخابية المتباينة المضمون والمحتوي تعطي دليلاً علي غموض المشروع الديمقراطي وعدم استقراره في القارة. وانه علي الرغم من أن الانتخابات والتعددية الحزبية قد صارت القاعدة أو المبدأ العام في أفريقيا إلا أنه من الضروري التمييز بين أشكال ومضامين الظاهرة خاصة وأنه في معظم الدول الأفريقية تشير التطورات الأخيرة إلي أن الانتخابات تبدو مجرد مناورة مناسبة من جانب النظم الحاكمة بما تنطوي عليه من أبعاد اقتصادية تتمثل في ضمان تدفقات المعونات الخارجية والمساعدات الاقتصادية وإلي دورها أي الانتخابات في دعم وتحسين الصورة السياسية للنظم الحاكمة في الميدان الدولي.
وينتهي تحليل الباحث والمفكر سعيد أديجومبي في دراسته القيمة هذه إلي خلاصة جديرة بالاعتبار هي أن تجارب الانتخابات التي تجري في أفريقيا حالياً هي عمليات انتخابية نادراً ما تدعم الديمقراطية الحقيقية الأصيلة الأمر الذي يجعل مستقبل الانتخابات والديمقراطية في القارة مما يصعب التبوء به.
ويخلص أديجومبي إلي أن إدراك الانتخابات أو النظر إليها باعتبارها مكوناً أساسياً للديمقراطية الليبرالية في أفريقيا، يتطلب حدوث تغييرات في خمسة مجالات هي دعم المبادئ الدستورية وحكم القانون لضمان العدالة والوضوح النسبي ، والتأكيد علي الحيادية والاستقلال النسبي للأبنية المؤسسية للانتخابات ، تقوية المجتمع المدني حتى يكون ضامناً للقيم والممارسات الديمقراطية في الدولة ، رفع خط الفقر الأساسي للشعب ، ومناقشة أزمة التراكم في أفريقيا والتي تجعل من الاستيلاء علي السلطة في الدولة مشروعاً سياسياً ذا قيمة كبيرة.