الصومالمقالات

الذكرى التاسعة لحادثة فندق شامَو المؤلمة

لم يكن يوم الثالث من شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2009 كأي يوم بالنسبة لسكان العاصمة الصومالية مقديشو، والتي أصبحت محفورة في جدار قلوبنا، ولا تزال راسخة في كمين ذاكرتنا، ولا نستطيع تجاهل آثارها المطبوعة في أذهاننا ولن تتوارى مع الزمن، فقد كانت المدينة تحتفل بتخرج الدفعة الثانية من جامعة بنادر ؛ حيث كانت الجامعة تقيم حفلا بمناسبة تخريج الدفعة الثانية من طلابها.

كان سكان العاصمة يتابعون بكل شوق وبكل لهف لذلك الحدث التاريخي الذي كان له وقعه الخاص لثلاثة ملايين نسمة من سكان العاصمة يحدوهم الأمل إلى رؤية كوكبة من أطباء ومثقفين خرجتهم سواعد صومالية آثرت البقاء في البلاد رغم الظروف الأمنية الصعبة وبيئة العمل الطاردة مع إمكانية الهجرة إلى بيئات آمنة.

فقد حضر الكل في الحفل قبل موعده، الطلاب وذويهم من الآباء والأمهات الأصدقاء والزملاء الأقارب، إدارة الجامعة، الأساتذة الكرام، ثلة أخرى من المثقفين والعلماء وأعيان المدينة، الوزراء المعنيون، وزيرة الصحة ورعاية المجتمع، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وزير التربية والتعليم، وزير الشباب والرياضة، وآخرون من مسئولي الدولة، لقد اكتملت الفرحة و عمت الزغاريد في كل أركان الفندق، وبدأ الكل يقدم أسمى آيات التهاني والتبريكات للطلاب الخريجين الذين كابدوا المشقة والعناء خلال فترة دراستهم في ذلك الفرع العزيز من فروع التخصصات العلمية في بلد عزّ فيه العلم والعلماء.

أما الأهل والأصدقاء فقد كانت رؤوسهم عالية مرفوعة كالشماريخ عزا وامتنانا بعد رحلة طويلة من العطاء المتواصل الذي لم يكن يعرف الملل ولا الكلل، وبالتضحية المستمرة لإنجاح مسيرة أبنائهم التعليمية، ها هم يشهدون اليوم أولادهم وهم يتخرجون ،إنها فرصة العمر التي لطالما انتظروها، فما أجمل يوم الحصاد عندما يحين!

بينما كان البعض يلهج بالشكر والثناء الجميل على الله بأن كتب لهم عمرا ليشهدوا هذه اللحظة التاريخية،كان آخرون ممن عشعشت في نفوسهم فكرة الشر يخططون في مكان ما من ذات الفندق لارتكاب أكبر مجزرة في تاريخ البلاد حتى ذلك الحين لأسباب لم يستطع أن يفسرها حتى الذين خططوا لها؛ ليكون الحادث لغزا محيرا، ويصبح التواري في دماء الأبرياء العنوان الأبرز للأيام التي تلت ذلك الحادث الإجرامي.

 وفجأة وبلا مقدمات اقتحم انتحاري الحفل الكريم، وفجر نفسه في الجموع، وتحول المشهد في غضون دقائق من حفل إلى حريق، كأنها كانت حفلة وداع وتبادل الكلمات الأخيرة، تحول مسرح الاحتفال إلى ساحة دماء، تلطخت القاعة بدماء الأبرياء الأشلاء المتناثرة في كل مكان، أنين الجرحى وآهات الثكالى حلت مكان الزغاريد، واختلطت الدموع بالدماء، وتحول زي التخرج بألوانه الزاهية والمزركشة إلى أحمر قاني، لحظة تجمد فيها كل شيء، انعدم فيها الأمل، توارى فيها الغد خلف سحب داكنة، نعم عندما يموت الضمير وتختلط المفاهيم ويصاب الإنسان بالغبش برؤية الحقائق ثم الاكتفاء بما معه من الأوهام يصبح اغتيال الحلم وإزهاق أرواح الأبرياء أمرا في غاية السهولة، وهو ما نراه ونسمع عنه في كل يوم في أنحاء متفرقة من العالم.

كانت الحادثة ضربة موجعة على مسيرة التعليم في البلاد عامة وعلى جامعة بنادر التي فقدت كوكبة من خيرة أستاذتها وطلابها هناك بصفة خاصة . لكن المهم هنا فإن عجلة التاريخ لا تتوقف عن الدوران عند حدوث حادث معين، فالجامعة ضمدت جراحها وإن كان مثقلا واستمرت في عطائها.

واليوم وبعد مرور تسعة أعوام ها هي ذي جامعة بنادر صامدة صمود الجبال الراسيات أمام كل التحديات وتخرج الدفعة العاشرة، بينما وصل الدفعات المقبولين لدى الجامعة إلى الدفعة السابعة عشر. وللافت للنظر ثمة أشخاص من موظفي الجامعة فقدوا أعضاء مهمة من جسدهم في ذلك الحادث لا يزالون مستمرون في العمل بالجامعة حتى الآن.

أنيسة صلاد

طبيبة وكاتبة مهتمه في الشؤون الاجتماعية وتوعية المجتمع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى