السياسةالصومالتحليلاتمقالاتمقالات الرأيوجهات نظر

الرئيس حسن شيخ محمود بين التضحية والضحية

يمر الصومال في مرحلة دقيقة من تاريخه السياسي من صراع الفاعلين السياسيين في المشهد السياسي علي حطام الدولة الصومالية التي انهارت في بداية التسعينيات من القرن الماضي وذلك عل حساب بناء الدولة الصومالية والاستحقاقات الوطنية مثل إعادة بناء المؤسسة العسكرية ومراجعة الدستور الفيدرالي تمهيدا للاستفتاء عليه بما ذلك تحديد سلطات المركز والولايات ووضع العاصمة وإنشاء المحكمة الدستورية وتقاسم الموارد وغيرها من القضايا المصيرية المؤجلة.

يبدو من خلال استقراء تاريخ الصومال السياسي أنه قد أدمن الصراعات والنزاعات واختلاق الازمات الطاحنة قبل كل فترة انتخابية وخاصة فيما بعد مرحلة انهيار الحكم العسكري حيث يحتدم الجدل على النموذج الانتخابي الذي ينبغي تطبيقة، ففي هذا  المشهد السياسي المحتقن بالأزمات السياسية المتكررة، وللأسف هناك تجارب مكررة  ” نسخ معادة ” وظلت تعاد ومازالت تعصف بالصومال، في هذه المأزومية القديمة الجديدة وفي خضم هذه الأجواء يجد الرئيس حسن شيخ محمود نفسه مجدداً في دائرة الصراع الخانق، ليس فقط كفاعل سياسي يسعى لتحقيق تغيير جذري عبر انتخابات مباشرة بنظام الاقتراع العام “شخص واحد، صوت واحد”، بل أيضا كضحية محتملة لمؤامرات النخب السياسية المتصارعة علي بلد ممزق انهارت فيه المؤسسات؛ وفي مثل هذا الوضع المعقد من الإجحاف تحميل كامل المسؤولية على شخص الرئيس ولا يمكن حصرها  في مؤسسة الرئاسة فحسب بل إن الفاعلين السياسيين الآخرين يتحملون جزءا من المسؤولية وهذا المشهد يعكس صراعاً أعمق من ناحية اتساع رقعته الجغرافية أفقيا واتساع شرخه بين النخب السياسية رأسيا بحيث يتمثل في تسابقهم لتحقيق مكاسب شخصية ضيقة على حساب المشروع الوطني.

وهنا يحق لنا وقفة تأمل مهمة لمحاولة فهم هذا اللغز وفك طلاسمه في العلاقة بين الفاعلين السياسيين والرئيس ببساطة شديدة نجد أن هذا الصراع  يعيد تعريف العلاقة بين “التضحية” و”الضحية” في ميزان المصلحة الوطنية الصومالية؛ فبدلاً من أن تكون “التضحية الوطنية” هي المبدأ الذي يحكم ممارسات النخبة السياسية في الساحة السياسية، باتت “الدولة والشعب الصومالي” هما “الضحية الكبرى” لهذه الحسابات الخاطئة والرغبة المشروعة للرئيس في تحقيق نظام انتخابي يعزز من الديمقراطية والاستقرار الوطني كحق دستوري عجزت عنه كل الحكومات السابقة والتي تم استغلالها من قِبل أطراف سياسية صومالية وجدت مصلحتها في الذهاب إلي الانتخابات غير المباشرة وذلك لأنها خبرت هذا النموذج وتستطيع أن تنجح به بشراء ذمم شيوخ العشائر و النواب والتحكم في المشهد السياسي والأدهى من كل هذا أن يكون مدفوعا ومسنودا من  أطراف خارجية تهدد استكمال فترته رئاسته الثانية. ومع أن هذه المرحلة لم تصل بعد إلى “عنق الزجاجة”، إلا أنها دفعت بالدولة الصومالية إلى سيناريوهات مفتوحة ومعقدة تزيد من تعقيد الوحدة ومسار بناء الدولة الصومالية.

يبقى التساؤل الأهم: هل الرئيس هو “الضحية” الحقيقية في هذه الصراعات، أم أن الوطن الصومالي برمته هو “الضحية الكبرى”؟ وهل الخلل يكمن في “خيانة الأصدقاء” للرئيس أم في بنية النخبة السياسية التي باتت ترى في السلطة وسيلة لتحقيق أهدافها ومصلحتها الشخصية، متجاهلة بذلك “المصلحة الوطنية الصومالية العليا”؟

إن فشل النخب السياسية في إدارة التدافع السياسي والذي يعد سنة كونية أبرز أزمة سياسية مستعصية الحل في ال مشهد السياسي الراهن في ظل غياب رؤية وطنية صومالية متماسكة تقود النخب السياسية نحو التوافق على مشروع بناء الدولة الصومالية لكي لا يبقى الوطن  رهينة لصراعات شخصية ضيقة الأفق قد تدفع البلاد نحو مزيد من التحديات والانقسامات وضياع كل ما تم بناؤه وإعادة مسلسل النزوح واللجوء والهجرة والتشرد، ويبقى المصير المحزن في مسلسل الشاهد والضحية “لا وطن ولا مواطن”.

عبد القادر محمود علي

الدكتور عبد القادر محمود علي كاتب وباحث صومالي متخصص في شؤون القرن الأفريقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى