الاقتصادالسياسةالصومالتحليلاتمقالاتمقالات الرأي

الصومال: ثلاث رؤى سياسية في المسرح السياسي

مقدمة 
لم يشهد الصومال استقرارا دام لأكثر من 10 سنوات متتالية واتسم تاريخة السياسي بالصراعات سواء مع نفسه أو محيطه الجغرافي؛ وبعد سقوط النظام العسكري في عام 1991م  يبدو أنه أصبح مختبرا حيا لصراع الأفكار والرؤي السياسية؛ فقد برز في المسرح السياسي الراهن ثلاث نظريات سياسية تتجاذب المشهد ذات اليمين وذات الشمال، وكل نظرية تزعم أنها الترياق والحل الناجع لمشاكل البلاد ولكن عند النظر والتمعن في الصورة الكبيرة نجد أن الجميع مشغول أكثر بالمونولوجات الفردية بدلا من العمل الجماعي لإخراج البلاد من الأزمة السياسية. وفي السطور القادمة دعونا نستعرض هذه النظريات، بأسلوب يمزج بين مسحة من السخرية ووصفة من الجدية.

1. نظرية الانفصال: “صوماليلاند وشبح السيادة المفقودة”
في الشمال الغربي، يصر أهل صوماليلاند على الانفصال  أو كما يحلو لمنظريهم استعادة الاستقلال وفك الارتباط مع الصومال وذلك بحجة أنهم يستحقون دولة مستقلة كما كانوا في 26 يونيو 1960 حيث نالوا الاستقلال من المحتل البريطاني ولكنهم اختاروا الوحدة الطوعية مع الجزء الذي كان خاضعا للاحتلال الإيطالي علي أمل الوصول للصومال الكبير الذي يضم كل الأراضي التي يقطنها الصوماليون في القرن الأفريقي والتي ألحقها المحتل الغربي بكل من كينيا وإثيوبيا وجيبوتي التي أصبحت دولة مستقلة في عام 1977م وهذا هو الحلم القومي الذي يراود كل الصوماليين. ويجادلون بأن لدينا عَلم! و نشيد وطني! ولدينا انتخابات!” يرددون بشغف، وكأن الاعتراف الدولي مجرد كعكة تنتظر خبازًا يفتح الفرن.

لكن الحقيقة المؤلمة أن صوماليلاند عالقة في غرفة الانتظار الدولية في ظل توجس الدول الأفريقية من المشاريع الانفصالية وخطرها علي الأمن والسلم الدولي وخاصة بعد انفصال جنوب السودان. الدول الكبرى تهز رؤوسها وتقول: “يا لها من تجربة ديمقراطية رائعة!” ثم تُعيد النظر إلى مصالحها في مقديشو، وبينما يستمر سكان صوماليلاند في الاحتفال بذكرى استقلالهم غير المعترف به، تظل السيادة حلمًا أشبه بشراء سيارة رياضية بدخل موظف حكومي.

2. نظرية الفيدرالية: “بونتلاند وطموح الحكم الذاتي بنكهة خاصة ”
في الشمال الشرقي، ولاية بونتلاند ترى نفسها الحارس الأمين للنظام الفيدرالي ويطلق عليهم أم الفيدرالية وهم من طرحوا فكرتها في عام 2004 في مؤتمر أمبغاتي -إلدوريت في كينيا وعلى إثرها انتخب حاكم ولاية بونتلاند آنذاك العقيد عبد الله يوسف أحمد رئيسا للجمهورية. ولهذا يرددون  “لماذا نجعل مقديشو تقرر كل شيء؟ نحن نعرف ماذا نريد: نفطنا، وقبائلنا، وطرائقنا الخاصة في الحكم!” يقولون بفخر، وفي المقابل يرى بقية الصوماليين أن بونتلاند تبحث عن امتيازات خاصة دون بقية المواطنين!.

لكن لنكن صريحين، الفيدرالية هنا لم تعد نظرية سياسية بقدر ما هي إستراتيجية لتجنب الصراعات وليست بحال من الأحوال الهدف المنشود وإنما وسيلة للوصول للهدف الذي يتمثل في صومال ديموقراطي مستقر،ولهذا فإن الفيدرالية بصيغتها المطروحة فشلت في تأمين مصالح  الجميع الذي يريد قطعة من الكعكة ولكنهم يرفضون الطاهي في المركز، وربما لو ضمنت مقديشو توزيع المساعدات الدولية بانتظام وبشفافية، لكانت بونتلاند مستعدة للتنازل عن قليل من شعارات الاستقلال الذاتي.

3. النظرية المركزية: “الجنوب والحنين إلى المركزية (مع مساحيق تجميل )”
يحن النخب السياسية في الجنوب إلي المركزية أسلوبا للحكم  وفي نفس الوقت لا يصرحون بذلك علنا خوفا من الانتقادات وتحمل جريرة سوآات النظام العسكري الذي ارتكب فظائع وانتهاكات جسيمة ضد المواطنين، ومع ذلك هناك فئة تسعى جاهدا لإعادة بناء الدولة المركزية إيمانا منهم بأنها الوحيدة القادرة علي ضبط الأمن ويروجون باستماتة لفكرة العودة إلى النظام القوي الذي يحقق الاستقرار.

ولكن المشكلة تكمن بأن فكرة المركزية في الصومال تشبه اقتراح بناء قلعة رملية في وسط عاصفة عاتية وذلك لأن الأقاليم تنظر إلى المركز مقديشو بحذر، وكأنها زعيم قبيلة يعرض عليهم معاهدة جديدة بعد أن خانهم مرات وكرات  ومع ذلك، يواصل المدافعون عن المركزية الحديث عن “توحيد البلاد”، رغم أنهم بالكاد يسيطرون على حدود العاصمة.

من يربح السباق؟
الحقيقة أن هذا الصراع ليس له خط نهاية واضح؛ قد تبدو الفيدرالية الخيار الذي يُرضي الجميع على الورق، لكنها لا تزال فكرة مثالية في بلد ترفض فيه القبائل حتى الاتفاق على مكان عقد الاجتماعات، وإن مشروع الانفصال هو حلم رومانسي لصوماليلاند، لكنه يُشبه كتابة رواية ملحمية بدون ناشر. أما العودة إلي المركزية، فهي محاولة لإحياء جثة سياسية دون توفير أجهزة إنعاش.

إن ما يحتاجه الصومال اليوم ليس مزيدا من الشعارات السياسية أو الخطط المثالية، بل قليلا من الواقعية، وإسكات البنادق والجلوس في الفنادق وتحسي الكثير من القهوة في اجتماعات طويلة يتحدث الجميع فيها بصدق وتجرد ودون أجندات مسبقة و إلى أن يحدث ذلك، يبدو أننا سنواصل متابعة هذا المسلسل السياسي الطويل، الذي لا يمل أبطاله من التمثيل، ولا يبدو أن أحدهم يعرف نهاية القصة.

عبد الله الفاتح

كاتب وصحفي جيبوتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى