السياسةالقرن الأفريفيتحليلاتمختارات

العلاقات السودانية الصينية منذالعصر المروي وحتى أوائل القرن العشرين

بقلم د. جعفر أحمد كرار

عرض وتلخيص الأستاذ : محمد أزرق سعيد

وافقت جمهورية الصين خلال الاجتماع الأول للجنة التعاون في مجال الطاقة بين الحكومة السودانية والحكومة الصينية الذي عقد في الخرطوم في 23/مايو/2016م على إنشاء محطة نووية للاستخدام السلمي في السودان والتوافق على صفحة جديدة وبناء إستراتيجية واضحة في مجال الطاقة ومعالجة العقبات التي تعترض التعاون الاقتصادي بين البلدين.

ويعتبر هذا الاتفاق إضافة جديدة إلى سلسلة الشراكات الممتدة بين الخرطوم وبكين والتي تقف في مقدمتها الشؤاكة الملموسة بين السودان والصين في مجال استغلال وتصدير النفط والذي شكل لبنة قوية في تعزيز قدرات السودان الاقتصادية في مواجهة الصعوبات الناجمة عن المقاطعات المفروضة عليه من قبل العديد من الدوائر والقوى الاقتصادية والسياسية الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا كان أغلب الدارسين والمهتمين بتطور العلاقات السودانية الصينية يقرنون بينها وبين عهد الإنقاذ الماضي منذ بداية تسعينات القرن الماضي ، وفي أفضل الاحيان يعيدون هذه العلاقات إلى اعتراف حكومة الفريق إبراهيم عبود  بجمهورية الصين الشعبية في العام 1958م ، فإن الحقائق التاريخية المؤكدة تعيد هذه العلاقات وصلات الصين ببلاد السودان إلى عصور موغلة في التاريخ تعود إلى ما قبل الميلاد وإلى العصر المروي  والممالك النوبية القديمة.

الأكاديمي السوداني دكتور جعفر كرار أحمد يتناول هذه العلاقات في دراسة  علمية رصينة نشرت في الإصدار رقم (85) من سلسلة كتاب العربي الصادر في يوليو /2011م بعنوان : (العرب يتجهون شرقاً) وتعرض هذه الدراسة العلاقات السودانية الصينية في عصر ماقبل الإسلام وحتى أوائل القرن العشرين وبتركيز خاص خلال عهود أسرة تانج (618-907م) وأسرة سانغ (966-1279م) وأسرة يوان (1271-1368م) وأسرة مينغ (1368-1644م).

ويدلل دكتور جعفر كرار في دراسته التي نشرت تحت عنوان (العلاقات السودانية الصينية منذ العصر المروي وحتى أوائل القرن العشرين) على اتصالات قديمة بين السودان والصين تعود على أقل تقدير إلى أسرة تانغ الملكية في الصين حيث برهنت الاكتشافات والعثور على مخلفات أثرية صينية في عيذاب وأماكن أخرى في أنحاء السودان على وجود هذه العلاقات إضافة إلى ما أكدته مصادر عربية وصينية ربطت منذ حوالى القرن الأول الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادى موانئ البحر الأحمر بشكل عام وموانئ السودان الشرقية وأثيوبيا بالشرق الأقصي والصين بشكل خاص ، ويشير إلى ذلك اكتشاف فخار صيني في مروي وتصاميم وأشكال من الفخار المروي يعتقد أنه صمم على نسق الفخار الصيني مما يؤكد على نوع من المعرفة بصناعة وفنون الفخار الصيني إضافة إلى الاعتقاد السائد بين الباحثين الصينيين أن حكامهم في عهد أسرة هان كانوا بالفعل على اتصال بمملكة كوش في شمال السودان.

ويشيرون في هذا الصدد إلى أن سكان مروي التي ازدهرت تحت أسم المملكة النوبية القديمة على مدى ثلاث آلاف سنة كانت لهم علاقات تجارية مع العالم الخارجي خاصة مع الإمبراطورية الرومانية واكسوم في الحبشة يرجح أن تكون هذه العلاقات قد امتدت إلى الهند وغيرها من الأمم خاصة وأن حقبة إزدهار الحضارة المروية في السودان (280ق.م – 525م) قد عاصرت فترة أسرة هان الغربية في الصين ولم يمنع بعد المسافة بين السودان والصين والبالغة أكثر من عشرة آلاف ميل بحري واختلاف اللغات والثقافات بين الصين والسودان من الاتصالات بين البلدين حيث أكد بعض الباحثين الصينيين أن حكامهم الأوائل (أسرة هان) الذين مارسوا التجارة مع بلدان بعيدة خلال مرحلة تحول الحقبة المسيحية كانوا بالفعل على اتصال مع مملكة كوش القائمة في مروي بشمال السودان .

ومن المصادر التي أكدت عليها دراسة الدكتور جعفر كرار مرجعاً للعلاقات القديمة بين الصين والسودان ما اورده الباحث الصيني المشهور شين فو وي في كتابة(التدفق الثقافي بين الصين والعالم الخارجي عبر التاريخ) والذي ناقش فيه عدداً من المصطلحات والمعلومات المثيره للاهتمام اللذي وجدت في الاساطير والحوليات الصينية مثل مصطلح شيوانغو الذي الي (الملكه الام الغربية)والتي وصفت بحاكمة بلد بعيد في الغرب ،ولايمكن ان تكون الملكه اللام الغربيه (شيوانغو)سواء الملكه الكوشية الحاكمه في مروي التي كانت مقرآ للعرش ومقابر خمس ملكات حاكمات علي الاقل من الملكة بارتاري الي الملكة امانيخاتاشان وتؤكد هذه المعلومات القيمة والرموز المثرة في الكتب والمصادر الصينيه القديمة توسع الاتصالات الجغرافية الصينيه مع الغرب وقد دعمت ما ذهبت اليه الكتب والمصادر الصينية القديمة ما تم العثور عليه في الرسوم والنقوش المروية أعطت الملكة المروية مصطلحآ مماثلا لما جاء في المصادر الصينية وهو مصطلح (كيد كي) وهو لقب كان يعطي للملكمة الام وفقآ للباحثين السودانين والغربيين .

وقد أضفي اكتشاف الفخار الصيني في أطلال مروي القديمة دعمآ إضافيآالي اتصالات محتملة بين السودان والصين في الحقبة القديمة ، وقد عثر علي قطع نادرآ منى الفخار الصيني في ميناء عيذاب السودانييعود الي اواخر حقبة اسرة سونغ في الصين بجانب ما أكدته العديد من المصادر الصينية من وجود منتجات لسكان موانئ البحر الاحمر السودانية بين المنتجات التي كانت تصدرالي الصين من الامبراطورية الرومانية التي كانت تسيطر علي سواحل البحر الاحمر مثل الذهب واللؤلؤوالأحجار الكريمة والصدف والصمغ والعاج والسلاحف وغيرها.

ومن المصادر المهمه التي اشارت اليها دراسة دكتور كرار كتاب (سجل رحلتي ) الذي سجل فيه دوهوان وهو ضابط صيني زار السودان ووصف فيه سكان المناطق التي زارها بأنهم قوم سود يقطنون سواحل البحر الاحمر وتستشهد الدراسة بما أورده عالم الآثارالسوداني البروفسور احمد محمدعلي حاكم الذي اكد ان الوصف الوارد في كتاب(سجل رحلتي ) مماثل تمامآ لما في ساحل البحر الاحمر خاصة في موانئ باضع وعيذاب وحلايب التي تعيش فيها قبائل البجا.

وقد عثر الباحث الياباني |(ميكامي )الذي اجري مسحآ في عام 1966م في ساحل عيذاب علي ألف قطعة من الخزف الصيني المصنوع في مناطق مختلفة من الصين وعلي قطعة نقود نحاسية صينية تعود الي اسرة سونغ الملكية مما يدل علي تواصل تجاري كثيف بين السودان والصين وعلي علاقات متصلة بين البلدين.

بحث دكتور جعفر كرار الخاص بتاريخ العلاقات بين السودان والصين في عصوره المختلفة يؤرخ للدور الذي لعب التاجر عز الدين عبدالعزيز منصور الكاريمي المولود في عام 1149م وأسرته في توثيق العلاقات التجارية بين السودان والصين في زمن المماليك في مصر وفقآ لما أشار إليه المؤرخ الصيني البروفيسورتيشانغ قوانغ من جامعة بكين ويرجح البروفيسوراحمدمحمد علي حاكم انى تكون أسرة كاريمي هذه اسرة سودانية .وفي هذايقول القلقشندي في كتابة (ضوء الصبح المسفر)ان الكاريمي كانوا في ميناء عيذاب علي البحر الاحمروالتي اكد الكثير من الرحالة والجغرافيين العرب انها ميناء سوداني تحكمة وتديره قبائل البجا السودانية وقد زكرها المسعودي علي أنها أي عيذاب ميناءالبجا والحداربة .

لم تكن ميناء عيذاب الميناء الوحيد في شرق السودان الذي تمتع بعلاقات تجارية مع الصين ، فعلي مقربة من عيذاب يوجد ميناء سواكن الذي استخدمه البطالمة والرومان اللذين احتلوا سواكن بعد البطالمة في تجارتهم مع الهند والصين ،وقد برهنت الآثار التي تعود الي أسر صينية مختلفة عثرعليها في سواكن علي وجود اتصالات تجارية بين الصين والسودان عبر هذا الميناء.

ويؤكد دكتر جعفر كرار أن شواهد الاتصالات السودانية الصينية وعلاقات البلديين لم تقتصر علي الأدلة التاريخية والأثرية التي تعثر عليها في عيذاب وسواكن ، بل تمتد الي منطقة النوبة التي عثر فيها الاثريون علي خزف صيني ازرق يعود تاريخيه الي حقبة اسرة سونغ ،كما عثر فيها الاثريون علي اقمشة حريرية في غرب السودان وعلي آلاف القطع المتناثرة من الخزف الصيني الملون في سنار عاصمة السلطنة الزرقاء مما يدل علي ان مملكة الفونج كانت تتبادل الصين المنافع التجارية عبر سواكن وغيرها .

وتشير الدراسة الي العلاقة التي ربطة بين حركة تاي بينغ الثورية في الصين التي أخمدها الجنرال شارلس غردون وتحرير الخرطوم  في السادس والعشرين من يناير1985م ،ويضاف الي هذه العلاقة النشاط التجاري بين السودان والصين في القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين ومساهمات التاجر السوداني محمد الحاج علي في هذا المجال ،والذي اختار في نهاية القرن التاسع عشرمدينة قوانجو الميناء الدولي الصيني مغرآ لإقامته التجارية الدائمة ويؤسس هناك ولاول مرة منذ قرون طويله أول مكتب تجاري سوداني في الصين .

وكانت تجارة محمد الحاج علي تشمل سلعاً سودانية كالعاج وقرون الكركدن ونوعاً من الرخويات البحرية تستخدم في الادوية الصينية بجانب الصمغ وأصداف السلاحف وكان يجلب من الصين الحرير والاقمشة الارز ليبيعها في اسواق سواكن .وقد تزوج الحاج محمد زوجتيه الاولى والثانية من الصين واستقر به المقام أخيراً بموطنه بمدينة بربر ويحتفظ سجل مدينة بربر باسرة كاملة تنحدر أصولها من مدينة قوانجو في جنوب الصين .

ووفق للشواهد والمصادر والمعلومات المتواتره التي أوردتها دراسة دكتور جعفر فان العلاقات بين الصين والسودان الى ازمان بعيده ، وقد ربط الطريق التجاري البحري موانئ السودان الشرقية مع بلاد الشرق منذ ما قبل الميلاد لعبت فيها عيذاب وسواكن دوراً مهماً في التواصل بين البلدين .

ويؤكد هذه الحقائق الموغلة في تاريخ العلاقات بين السودان والصين وعبر السودان بالفريقيا كتاب (الصين في إفريقيا  – حسابات الربح والخسارة) لمؤلفه الأمين عبد الرازق آدم الصادر في العام 2014م. فيما يؤكد  برفسور حسن مكي من إفريقيا العالمية في تناوله لهذا الكتاب أن أقدم علاقه لافريقيا بالدول الكبرى هي علاقتها بالصين والتي تمتد الى عصور ما قبل الميلاد ، ويعضد هذه العلاقه ما كشفت عنه الحفريات في ساحل افريقيا الشرقي ومصر ومروي وأن طريق الحرير الذي كان يبدأ بالصين مروراً بدول آسيا الوسطى وإيران فدول الخليج والبحر الاحمر الى اوروبا كان جزء منه ينتهي الى ساحل إفريقيا و منها لسودان.

محمد أزرق سعيد

أكاديمي وكاتب عمل محرراً في وكالة السودان للأنباءو يعمل حالياً مديراً عاماً للإدارة العامة للتقنية والتوثيق بدار الوثائق القومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى