السياسةالقرن الأفريفيتحليلاتمقالاتمقالات الرأيوجهات نظر

بعد أحداث متسارعة.. إثيوبيا متَّجهة نحو حوار وطني

تتجه الحالة الإثبوبية نحو مصالحة وطنية بعد حرب أهلية دامية امتدت لمدة عامين ، تعدد اللاعبون فيها من أطراف محلية وأخرى إقليمية. ولقد حاولت الحكومة الإثيوبية وبقيادة رئيس الوزراء أبي أحمد تصوير الصراع وكأنه مؤامرة كونية تورطت فيها كل قوى الشر لإلحاق الأذى بإثبوبيا وضرب وحدتها ، مما يفرض على المواطنيين الإثيوبيين الدفاع عن سيادتهم ووحدة أراضيهم؛ لكن المتتبع للحالة الإثيوبية والصراعات المزمنة بين الإثنيات المختلفة يجد بسهولة أن الصراع الجديد ما هو إلا انعكاس حقيقي لصراع العرقيات على السلطة والثروة على مدار التاريخ. شهدت إثيوبيا هذه المرة صراعا معقدا كاد أن يقود إلى تفكك كامل لوطن إثيوبيا الذى لطالما روّج له أنه الواحة الأمنة في شرق إفريقيا ، والدولة الفولاذية الوحيدة التي لا تهزها الصراعات المحلية ولا التدخلات الخارجية في بنيتها السياسية وكذا في تماسكها الاجتماعي .

منذ انتخاب السيد أبي أحمد لرئاسة الوزاء في إثيوبيا في مطلع عام 2018م ، قام الرجل بإجراء إصلاحات داخلية لفتت نظر العالم من إطلاق سراح السجناء السياسيين وتعزيز حرية القول والصحافة وكذا المصالحة مع الجبهات المسلحة ، كما قام الرجل بتسوية ملف الصراع مع إريتريا العدو اللدود لنظام أديس أبابا سابقا ، بجانب مساهمته في تقريب وجهات النظر بين فرقاء السياسة في السودان ، الخطوات التي أهّلته للفوز يجائزة نوبل للسلام شتاء عام 2019 م ، وذلك باعتباره صانع سلام في منطقة باتت سمتها البارزة صراعات متكررة ومواجهات بين دول لو تكاملت لاستطاعت أن تقود القارة السمراء إلى بر الأمان.

لم تدم تلك الإنجازات وقتا طويلا لرئيس الوزراء الجديد ، فسرعان ما واجه تحديات محلية وأخرى إقليمية متمثلة بالتمرد الذى حدث في إفليم “تغراي ” ضد سلطته وقضية سد النهضة التي جذبت له عدوات غير تقليدية من الدول المجاورة خاصة دولتي مصر والسودان اللتين اعتبرتا المشروع تهديدا حقيقيا لكيانهما ولمستقبل أمنهما الغذائي ، ما أدخل البلاد في دوامة عنف وعنف مضاد .

 إن الحرب الإثيوبية التي بدأت شرارتها الأولى في إقليم “تغراي” في نهايات عام 2020م ، تأتي في سياق التنافس على السلطة في إثيوبيا ، إذ يعتبر السيد أبي أحمد أول رئيس وزراء من عرقية الأورومو ذات الغالبية السكانية في جمهورية إثبوبيا الفيدرالية . وعلى الرغم من أنه قد تم انتخابه في المرة الأولى من قبل الإئتلاف الحاكم ليحل محل السيد هايلي مريم ديسالين الذى قدم استقالته رضوخا للاجتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاحات ، إلا أنه قد أعلن تأجيل إقامة الإنتخابات بحجة وباء كورونا . وبذلك انقضت ولايته الدستورية دون الإتفاق مع الأطراف الأخرى – لاسيما الحكومات الفيدرالية – في مسألة الفترة الانتقالية والترتيبات التي تليها ، الأمر الذى أثار حفيظة جبهة تحرير تغراي لتعلن إقامة انتخابات في إقليمها ” أحادية الجانب” معلنة بذلك قطع ا العلاقة مع الحكومة الاتحادية .

الجدير بالذكر في هذا الصدد أن الدستور الإثيوبي يسمح ذلك للأقاليم المبنية على أساس الفيدرالية الإثنية، بل يتجاوز أحيانا لمنح الحكومات الولائية حق تقرير مصيرهم وطلب الانفصال عن باقي الجمهورية إذا قرر سكان الإقليم ذلك .

فالحرب التي جرت في منطقة تيغراي بين قوات الدفاع الوطني الإثبوبي وجبهة تحرير تغراي الشعبية كانت فظيعة ، كما كان هناك انتهاكات جسيمة في حقوق الإنسان حسب التقارير الأممية والهئيات الدولية . إضافة إلى ما تعرض له سكان تلك المنطقة من نزوح داخلي وتشرد إلى الدول المجاورة خلقت حالة إنسانية لم بسيق لها مثيل في المنطقة.

هذه الحروب لم تقف عند حد منطقة تغراي بل انتقل عدواها إلى الأقاليم المجاورة، إذ استطاعت جبهة تحرير شعب تيغراي نقل المواجهات مع القوات الحكومية إلى إقليم أمهرا المجاور وكذا إقليم عفر الذى يقع في شمال شرق إثيوبيا . في خضم تلك التطورات الميدانية كانت هناك محاولات مستميتة من طرفي الصراع لحسم النزاع عسكرياً وبأي ثمن، وعدم استعداد أي منهما لقبول النداءات والمناشدات الدولية والإقليمية المتكررة لوقف إطلاق النار وإيجاد تسوية سلمية للصراع.

وفي تطور لافت تمكنت قوات الجبهة الشعبية لتحرير تغراي في شهر ديسمر من العام المنصرم من قطع أحد أهم خطوط إمداد الجيش الإثيوبي، وذلك بعد نجاح قواتها ومقاتلي جيش تحرير أوروميا المتحالفين معها في بسط السيطرة الكاملة على مدينة “ديسي” الإستراتيجية الواقعة على تقاطع الطرق الرئيسية التي تربط العاصمة أديس أبابا ببقية المدن والمناطق الداخلية، الأمر الذي أدى إلى إرباك حسابات الجيش الإثيوبي وتعقد تحركاته العسكرية لمواجهة التطورات الميدانية في جبهات القتال المشتعلة في المناطق الإستراتيجية ، مما حمَّل رئيس الوزراء أن يتولى قيادة المعارك في الحبهات الأمامية ويسند الى نائبه مهمة تصريف الأعمال في البلاد .

وكما نقلت كثير من وسائل الإعلام حقق الجيش الإثيوبي انتصارات ميدانية أجبرت قوات جبهة تحربر تغراي التقهقر إلى مناطقهم والانسحاب من إقليمى عفر وأمهرا . ورغم أن قيادة الجبهة وصفت الانسحاب بالتكتيكي إلا أن المراقبين في الشأن الإثيوبي يذهبون إلى أن هزيمة قد ألحقت بقوات الحبهة وحلفائها من المعارضة الأخرى المسلّحة .

حوار وطني

وفي ظل هذه الأجواء الملبدة بغيوم الشك والريبة أطلقت الحكومة الإثيوبية حوار وطنيا شاملا في اجتماع لها بعد عودة رئيس الوزراء آبي أحمد من جبهات القتال، كما قررت تشكيل هيئة للحوار الوطني كمؤسسة مستقلة عن الدولة تتمثل مهمتها إطلاق مبادرة الحوار الوطني، وتحديد آليات لتحقيق محادثات بنّاءة من شأنها أن تعزز الوحدة الوطنية وتعالج التصدعات الاجتماعية. وكبادرة حسن نية من قبل الحكومة قررت السلطات الإثيويية إطلاق سراح سجناء معارضين أبرزهم : الناشط الأرومي جواهر محمد ، وأحد قيادات جبهة تحرير تغراي ” سبحت نقا ” ، إضافة إلى عناصر قيادية تابعة لجبهة تغراي تم اعتقالهم أثناء الحرب .

وبما أن إثبوبيا بلد مهم في إفريقيا بحكم كونه مقرا للاتحاد الإفريقي أبدي المجتمع الدولي حرصه في إيجاد تسوية سياسية للصراع القائم بين الإثيوبيين وتعزيز مسار المصالحة بين الفرقاء من أجل تخطي على هذه الأزمة العويصة. ولهذا جاء موقف الاتحاد الأوربي تجاه أزمة إثيوبيا مشجّعا لبدء المحادثات مع المعارضة ووقف غير مشروط لإطلاق النار ، كما أبدت الولايات المتحدة الأمريكية كذلك تأييدها للحوار، ووقف إطلاق النار ، والسماح للعمليات الإغاثية أن تصل إلى المحتاجين في مناطق التوتر ، علما أنها قد أرسلت سابقا مبعوثها  فيلتمان لدعم مسار المصالحة في إثيوبيا والحد من تجدد الحرب . أما الأحزاب الإثيوبية فقد تأرجت ما بين موئدة لمبادرة الحوار ورافضة لها ، مع وجود أطراف متحفظة على الآليات .

 وأيا كانت الأحوال فلا شك أن إثيوبيا الفيدرالية تمر بمنعطف تاريخي خطير ، ربما يقودها إلى تفكك في بنية منظومتها السياسية والأمنية والاجتماعية ، و التي بلا محالة – إذا حدثت – ستنعكس على الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي .

ومجمل القول إن تفكك إثيوبيا لا يخدم لأى أحد، وبالتالي من الأهمية بمكان التركيز على عملية المصالحة كوسيلة لحل المشكلة الإثيوبية ، فمباردة الحوار بحد ذاتها إيجابية ولكنها يجب أن تشمل كل الأطراف الإثيوبية المتصارعة على السلطة مع التركير على الجانب الإنساني في المرحلة الراهنة وتقدير الموقف بكامل جوانبه لتعود المياه إلى مجاريها الطبيعية في المستقبل القريب. وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه بقدر جدية الأطراف الصراع المعنية تكون نتيجة الحوار الوطني المعلَن، والذي يبدو – بحسب بعض المحللين – كفرصة أخيرة للسلام وإنقاذ إثيوبيا من التفكك وحرب أهلية مدمرة تؤثر المنطقة برمتها.

آدم شيخ حسن

باحث وكاتب فى الشان السياسى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى