بعد أزمة جوبالاند إلي أين يتجه الصومال ؟ المقاربات والسيناريوهات

أثار إجراء الانتخابات البرلمانية والحاكمية في ولاية جوبالاند جنوب الصومال، رغم رفض الحكومة الفيدرالية بمقديشو، أثار تساؤلات حول مسار العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء (بونتلاند، جوبالاند)، خاصة بعد إعادة انتخاب احاكم الولاية الحالي أحمد مدوبي، الذي يرفض قانون الاقتراع المباشر الموحد في البلاد (صوت واحد لشخص واحد: One person, one vote) بمبررات تبدو موضوعية وأخرى شكلية.
وفي سياق متصل، أعلنت ولاية بونتلاند التي تتمتع بحكم شبه ذاتي رفضها التعديلات الدستورية وأنها لم تعد تعترف بـمؤسسات الدولة “الفيدرالية الصومالية” حتى الرجوع للدستور المؤقت الذي أقرته جمعية تأسيسية مكونة من 825 مندوبا من كافة فئات وشرائح الشعب في الأول من أغسطس عام 2012م وهو ما يعني معارضتها لاعتماد البرلمان الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي دون مشاورات مع الولايات الفيدرالية المؤسسة للنظام الفيدرالي، وهو خرق للدستور المتفق عليه والنظام الفيدرالي الذي اختاره الصومال باعتباره الأنسب لإرساء الاستقرار في الصومال بعد أن عانى من التمزق والفراغ السياسي لسنوات طويلة، وفق هذا النظام (النظام الفيدرالي) تتوزع السلطات على الولايات الأعضاء والحكومة الفيدرالية بما يسهم في إرساء الأمن والاستقرار في الصومال.
وفقاً للدستور المؤقت لجمهورية الصومال الفيدرالية الذي تم التصديق عليه بتاريخ 1 أغسطس 2012، فإنه ينص في المادة 142 فقرة (2) على أنه يجب استشارة الولايات الفيدرالية الأعضاء في عملية صنع القرار بشأن النظام الفيدرالي والترتيبات الأمنية.
وفي هذا الصدد تتهم سلطات ولاية بونتلاند الحكومة الفيدرالية بـ “انتهاك الدستور” و”فقدان الشرعية الدستورية لحكمها”، وهذا في نظري اتهام خطير قد يضر بمصالح البلاد والسلم الأهلي خاصة ونحن في صدد عملية بناء الدولة والمصالحة وجبر الخواطر.
من جانب آخر ؛ إن الفشل العسكري الذي منيت به القوات الحكومية في راسكامبوني، عمق الخلاف بين المركز (مقديشو) التي لا تعترف بأهلية جوبالاند في إجراء انتخابات من جانب واحد وتصر على إجراء الانتخابات بنظام الاقتراع المباشر حسب التعديل الدستوري الذي كانت جوبالاند جزءا منه قبل أن تنسحب منه ، وهذا من شأنه أن يعمق الخلافات وقد يفضى إلي تهديد وحدة وسلامة أراضي البلاد كما هو الحال في صوماليلاند وبونتلاند التي بدأت بالمناداة بالكونفدرالية بدل من الفيدرالية تمهيدا لانفصالها عن باقي البلاد مما قد يفتح الباب إلي مطالبات “انفصال” ولاية جوبالاند ما لم يتم التوصل إلى اتفاقيات وحلول سريعة.
أسباب الأزمة بين الحكومة الفيدرالية وولاية جوبالاند
نقض حاكم ولاية جوبالاند أحمد مدوبي لعدد من الاتفاقيات مع الحكومة الفيدرالية، أهمها
أ. الانسحاب من الإتفاق على توحيد انتخابات الولايات.
بـ. نقض الإتفاق على إجراء الانتخابات المباشرة بدلاً من نظام 4.5
خلافات بين الحكومة الفيدرالية وحكومة جوبالاند حول عدد من القضايا، تتمثل في:
- الإشراف على لجنة الانتخابات.
- التكوين وتمثيل كافة مكونات الولاية في حكومة جوبالاند.
- إنشاء علاقات خارجية لجوبلاند مع كينيا وإثيوبيا.
مسارات التصعيد.
- قام حاكم ولاية جوبالاند أحمد مدوبي بإجراء انتخابات جوبا لاند والتي فاز بها بالتزكية.
- قام بتعديل دستور الولاية الذي يسمح بولايتين وجعله مفتوحا.
- رفض اشراف الحكومة الفدرالية الصومالية على الانتخابات في جوبالاند، مما أفقدها الشرعية.
- قام بإقصاء ومنع مشاركه كثير من النخب السياسية التي تنحذر من منطقة جوبالاند في الانتخابات، وحصر الأمر في شخص أحمد مدوبي.
- تهميش بعض المناطق في جوبالاند وذلك لإشكاليات إدارية تاريخية نشأت في طبيعة تكوين مناطق جوبالاند منذ إتفاق تشكيلها في أديس أبابا.
- تمادي وإصرار أحمد مدوبي في عدم إجراء الإصلاحات الإدارية والسياسية، و ارجائها وتعطيلها في كل مرة.
وتأسيساً على كل ما سبق، فإن الصراع بين الحكومة الفيدرالية وولاية جوبلاند الصومالية واللجوء إلى العنف والعنف المضاد قد يؤدي في النهاية إلى دخول الصومال إلى ساحة الحرب الأهلية مرة أخرى.
لذا، يجب على جميع الأطراف اللجوء إلى الحوار والمفاوضات بدلاً من استخدام التدابير والوسائل القسرية التي قد لا تساعد في حل المشكلة الصومالية الحالية وحسمها بالعنف في السابق، كما لا يمكننا أن نتصور حل القضايا السياسية بأسلوب الحل العسكري والقوة القهرية.
السيناريوهات المتوقعة:
تاريخياً، كانت قضية الانتخابات في الصومال ومازالت موضوع اختبار لمدى قدرة الدولة الصومالية على تجاوز العقبات والتحديات التي تواجه عملية الانتقال والتحول الديمقراطي المنشود في الصومال.
إن نجاح الصومال في تنظيم انتخابات تتم الموافقة عليها بالإجماع يعد نجاحاً كبيراً في عملية بناء الدولة وتعزيز مؤسساتها، وعدم تحقيق ذلك يعني فشل الدولة والعودة إلى مربع الأزمات.
فهل ينجح الصومال في التغلب على مخاوف الانتخابات الشكلية والموضوعية؟ أم أن الانتخابات ستعمق أزمة بناء الدولة الصومالية؟ وعليه فإن الصومال أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسة:
السيناريو الأول. تمديد غير مباشر ونجاح عقد الانتخابات بنظام الانتخابات المباشرة بطريقة شكلية، من مؤشراتها:
- وقوف البرلمان في مساندة الرئيس حسن شيخ محمود
- نجاح الرئيس حسن شيخ محمود التكتيكي في كثير من الملفات الإقليمية والدولية.
- مساندة المجتمع الدولي لرغبة الحكومة الفيدرالية بدوافع إحراز تقدم في قضية التحول الديمقراطى وتوسيع دائرة المشاركة السياسية(One person, one vote)
- رغبة المجتمع الدولي للمواصلة في عملية بناء الدولة الصومالية.
هذا السيناريو هو الأكثر تفاؤلاً بالنسبة للحكومة الفيدرالية ولكنه في نفس الوقت أصعب تحقيقاً في ظل معطيات الواقع الصومالي وهذا السيناريو يقوم على إحداث تغيرات جذرية في بنية المجتمع الصومالي ويثير مخاوف الأغلبية الصامتة في المجتمع الصومالي ويتطلب تمديدا للرئاسة والحكومة والبرلمان وهو ما يعتبر خطا أحمر بالنسبة للمعارضة.
السيناريو الثاني.انفجار الأوضاع والدخول في أزمة جديدة ، من مؤشراتها:
- قوة المعارضة والنخب السياسية المعارضة.
- انتهاء المدة الدستورية لحكومة الرئيس حسن شيخ محمود.
- أزمة الثقة في الحكومة الفيدرالية بسبب الفساد والمحسوبية
- تصاعد أزمة الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء.
- تدخل بعض الدول المؤثرة وعموما التدخلات الخارجية في تأزيم الأوضاع لفشل الحكومة الفيدرالية الصومالية.
هذا السيناريو هو أضعف السيناريوهات حدوثاً ولا يمكن تحققه إلا في حالة استمرار تعنت الأطراف وعدم التوصل إلى حلول وسطية، قد تجد البلاد نفسها أمام حالة التصعيد المسلح والرفض الشعبي واللجوء إلى مرحلة ” الإنقاذ2″
السيناريو الثالث. العودة إلى الخيمة الانتخابية المحسنة.من مؤشراتها:
- تسوية جميع الأوضاع بين حكومة الرئيس حسن شيخ والمعارضة والولايات وحسمها على غرار ما جرى في نهاية عهد الرئيس محمد عبدالله فارماجو 2022.
- ادخال بعض الإجراءات الدستورية للانتخابات الرئاسية القادمة لإحراز تقدم يرضي جميع الأطراف السياسية الداخلية والخارجية
يعد هذا السيناريو هو المرجح من بين الخيارات المتاحة في الحالة الصومالية كما أنه السيناريو الأكثر توافقا مع تطلعات جمهور الشعب الصومالي والمجتمع الدولي.
استكشاف آفاق الحلول الممكنة
لا حل لمشاكل الصومال سوى الجلوس والتفاوض دون أن يفرض طرف الحل على الآخر وبعيدا عن أي تأثير خارجي؛ فالمطلوب هو فتح قناة للحوار وتقديم التنازلات لصالح وطن يتسع للجميع.
إن ما نحققه في الحوار والمفاوضات لا يمكن أن يتحقق على الإطلاق في حرب يمكن أن نشعلها ولكن لا يمكن أن نطفئها (إنهاء الحرب ليس في يدنا)؛ ولهذا نرى أن صوت العقل والحكمة سيعود وسيسود فلا يمكن للصومال أن يعود إلي المربع الأول وقد قطع أشواطا مهمة في مسيرة الاستقرار السياسي والاقتصادي وأجرى منذ العام 2000 م ست انتخابات رئاسية آخر ثلاث منها أجريت في العاصمة مقديشو وهذا إنجاز كبير في التدوال السلمي للسلطة رغم أنها كانت انتخابات غير مباشرة وشابها الكثير من الخروقات.
وعليه ؛وفي هذه المرحلة، يتعين علي الجميع أن نعالج الخلافات السياسية والفكرية بفقه الحكمة والحنكة واللباقة.