ثقافة واجتماعمقالات

بعيدا عن العنف.. متى تعترف البشرية بوحدة مصيرها؟

العنف والكراهية والظلم والأحقاد كلها عوامل تضع مستقبل البشرية في خطر، وقد تتسبب في وقوع حروب ومآسي تزهق فيها أرواح الملايين من الناس. الحروب عادة يشعلها المجانين ويموت فيها العقلاء، هتلر وموسوليني وغيرهم من المجانين العنصريين أشعلوا فتيل الحرب العالمية وساقوا إلى شعوبهم ويلات وكوارث تلاعبوا بعواطف شعوبهم وأوهموهم أن عرقهم الأرقى وجنسهم الأسمى وأن شعوبهم مختارة لقيادة العالم.

كانت الظروف كلها مواتية للاستجابة لخطاب الكراهية والعنصرية التي أطلقها هؤلاء المتطرفون ضد القيم الإنسانية فسالت أنهار من الدماء وخسرت البشرية أرواح الملايين لمغامرات هؤلاء المجانين، ثم إن العالم أيقن أن النظام العالمي القائم قد فشل في تحقيق السلم الاجتماعي والأمن الدولي، وقرر إنشاء نظام عالمي جديد يسوده الأمن والعدل والمساواة.

ساد جو من السرور والبهجة في أنحاء العالم، ولاح في الأفق بوادر أمل على أن البشرية قد بلغت مرحلة الرشد وتعلمت من الحروب واتجهت إلى إعلاء قيمة الإنسان وحفظ كرامته وتشييد نظام إنساني عادل لا يفرق بين أبيض وأسود وغني وفقير ومستعمِر ومستعمَر وشعوب متقدمة وشعوب متخلفة؛ ولكن النظام العالمي الجديد حمل في طياته بذور الفشل من البداية.

أعلن الغرب إنهاء الاستعمار وتفكيك مستوطناته في الشرق، وكان ذلك خطوة إيجابية ولكنها لم يصاحبها خطوات أخرى جادة لتمكين الشرق من إدارة دولته وفق مصالحه الوطنية، بل إن الغرب عمل على إعاقة أي جهد يقوم به هذا الشرق للوقوف على قدميه؛ حيث منح استقلالا صوريا ظاهريا يخدم مصالحه فقط ولا يراعى مصالح الآخرين وحقهم في استقلال قرارهم وإدارة شؤونهم.

خاب ظن هذا الشرق وشعر بالغبن والظلم مرة أخرى. هذا الشعور بالغبن بدأ يزداد يوما بعد يوم، وأكدت تصرفات الغرب شرعية شكوكه. كل ما نراه من العنف والعنف المضاد ليس إلا عرضا من أعراض الداء، ولا يمكن أن نصل إلى علاج دون فهم جوهر هذه المشكلة الذي يعود بجذوره إلى هذا الظلم والغبن الذي أشرنا إليه آنفا، فإذا كان الغرب جادا في إيجاد حل فلا بد من تصحيح تلك الأخطاء التاريخية وإعطاء الشرق حقوقا مساوية لحقوق مواطنيه في العيش بحرية وكرامة.

هذه هي البداية الصحيحة لمواجهة حملات العنف والكراهية والحقد التي تختبئ وراءه جماعات اليمين المتطرف من الغرب والشرق. فكل جماعة تعتقد أنها ضحية العنف الآخر، ويزداد هذا الشعور بالضحية في الغرب كلما قامت جماعات إسلامية متطرفة بعمليات إرهابية في الغرب، ويزداد الشعور نفسه كلما قام متطرفون عنصريون من الغرب بعمليات إرهابية ضد المسلمين.

هذا النظام العالمي الجديد الذي تشكل بعد الحروب العالمية أو بالأحرى الأوربية لم يكن بأفضل من النظم السابقة، وهو الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة وفي طريقه إلى السقوط؛ لأنه نظام غير عادل مفصل على مقياس مصالح الدول المنتصرة وفشل في تحقيق الأمن والعدل ولا بد من نظام عالمي جديد يقوم على العدل وإعلاء قيمة الإنسان وحريته وكرامته وليس غلاء قيمة الإنسان الأوروبي وحريته وكرامته فقط، ولا أحد ينعم بالأمن إذا كان جاره مظلوما أو يتمتع بالحرية إذا كان أخوه مسلوب الإرادة أو يشعر بكرامته الإنسانية إذا كانت كرامة الشعوب الأخرى مهانة.

نرجو أن تتعلم البشرية هذه المرة من أخطائها بطريقة أفضل من المرات السابقة وتعترف بوحدة مصيرها ومستقبلها وأن الناس كلهم إخوة في الإنسانية بغض النظرعن الأديان والأعراق المختلفة، فالناس إما أخ لك في الدين أو أخ لك في الإنسانية كما أعلنها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وليس من مصلحة أحد هيمنة طائفة على طائفة أو سيطرة أمة على أخرى. فالأخوة الإنسانية توحدنا جميعا، وينبغي أن يكون التعاون لا الصراع هو أساس العلاقات فيما بين الشعوب.

عبد الواحد عبد الله شافعي

كاتب صومالي من مواليد بورعكر حاصل على درجة الليسانس في الدراسات الإسلامية واللغة العربية من كلية الدعوة في ليبيا في عام ١٩٩٤. نال دبلوم ماجستير في اللغة العربية وآدابها من الكلية نفسها في عام ١٩٩٦. حصل على ماجستير في اللغويات وتعليم اللغات الأجنبية من جامعة لندن متروبولتان في بريطانيا في عام ٢٠١٦. يعمل في خدمة الجاليات المسلمة في بريطانيا. له مقالات وبحوث فكرية وسياسية منشورة في الصحف والمواقع العربية. يهتم بالثقافة وقضايا الفكر السياسي عامة والإسلامي خاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى