السياسةالصومالتحليلاتمقالات الرأيوجهات نظر

بونتلاند مرحلة جديدة ومستقبل واعد

استطاعت ولاية بونتلاند أن تحتفل بتنظيم انتخاباتها للمرة الخامسة علي التوالي في 8 يناير منذ انتخاب الحاكم الثالث للولاية محمود موسي حرسي المعروف بعدي موسي في 2005 وهو إنجاز غير مسبوق في الصومال الذي عادة ما يتم تجاوز مواعيد الانتخابات بالتمديد؛ وفي سابقة أخري حسم الحاكم الحالي للولاية سعيد عبدالله دني العودة لسدة حكم الولاية لدورة جديدة مدتها خمس سنوات والتي تزامنت مع اليوبيل الفضي لتأسيس الولاية في عام 1998، وهذا مؤشر إيجابي يؤكد أنها بلغت من النضج السياسي ما يؤهلها لمواجهة تحديات المرحلة في داخل الولاية وخارجها مع المركز وباقي الولايات، ومع أن التفويض الجديد للحاكم دني كان آخر ما تتمناه الحكومة الفيدرالية في مقديشو إلا أنها مجبرة للتعامل مع ما أفرزه الاستحقاق الانتخابي في الولاية، ومع أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لا يحظى بشعبية في ولاية بونتلاند كالتي كان يتمتع بها الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو، إلا أنه مايزال يضع العراقيل أمام عودة التفاهم مع هذه الولاية الكبيرة والتي تمثل أول ولاية فيدرالية ويطلق عليها أم الفيدرالية في الصومال،  أن أهم ما تحتاج إليه الحكومة الصومالية في المرحلة الحالية هي: أن تستعيد ثقة جميع الولايات حتى تتمكن من التحديات الخارجية التي تواجهها الأراضي الصومالية من قبل إثيوبيا وأطماعها التوسعية.

سياسة لي الذراع:
يحتاج الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى خلق جو من الوئام الداخلي لمواجهة التحديات الخارجية وتحقيقا لشعار حملته الانتخابية: (صومال متصالح مع نفسه ومتعايش مع العالم) إلا أنه لم يفتح باب المصالحة الداخلية بل تعامل مع الولايات كرئيس لحنظام مركزي يجب على الجميع أن يؤدوا له فروض الطاعة، وهذا مخالف للشعار المرفوع وقواعد المصالحة الوطنية المبنية على التفاهم؛ لأن الجميع يدرك أن محاولة الإجبار والمغالبة هي السبب الرئيسي لانهيار الدولة الصومالية. ومع وضوح هذا الأمر للعقلاء إلا أن الرئيس الصومالي بدأ في ولايته الثانية بانتهاج سياسة عنيفة تجاه بونتلاند مفادها الحرمان المالي فضلا عن التصريحات العلنية التي فُهم منها التهديد الأمني وإثارة القلاقل في الولاية، وقد خلقت تلك التصرفات رفضا شعبيا لسياسة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وهذا ما يلمسه كل زائر لعاصمة بونتلاند، وعليه فإن إطلاق الشعارات لا يحقق للشعب مصالحة وطنية، وأن سياسة لي الذراع التي تحاول فيها الحكومة الفيدرالية يعقد مستقبل تلك المصالحة سواءا  أدرك الرئيس وفريقه أم لم يدركوا!

استحقاق مراجعة الدستور الفيدرالي:
من المهم أن نفهم أن التحركات الجديدة التي تجري في أروقة البرلمان المتعلقة بمناقشة مراجعة الدستور الفيدرالي واقتراح  التعديلات الدستورية ما هي إلا  استمرار لسياسة خلط الأوراق التي انتهجها الرئيس الصومالي منذ انتخابه قبل ما يقرب من عامين، والتي تهدف إلي تغيير مواد مهمة في الدستور بدل مهمة انجاز استكمال الدستور؛  ويعتقد فريق الرئيس أن رؤيتهم لتغيير الدستور تعطيهم صلاحيات دستورية واسعة تتقل البلاد من النظام الفيدرالي إلي النظام المركزي رغم انتهاكها الصارخ للدستور الفيدرالي المؤقت والتفاهمات التي كانت أساسا للمصالحة الوطنية والتي رأت أن من أسباب انهيار الحكومة الصومالية كان تركيز السلطات في يد الرئيس، وهذا ما تسعى إليه تلك التعديلات المقترحة، فضلا عن المحسوبية التي يحاول بها الفريق الحاكم للتمرير بها وبصورة مستعجلة وخلافا للنظام الداخلي لمجلس الشعب ومجلس الشيوخ في البرلمان الفيدرالي، ومما يصب الزيت في النار أن هذا السعي يأتي قبل يوم من حفل تنصيب حاكم ولاية بونتلاند سعيد عبدالله دني الذي أعيد انتخابه، ومن المؤكد أن ما يجري في أروقة البرلمان وما يسعى إليه رئيس البرلمان بناءا علي رغبة القصر الرئاسي من تعديلات مثيرة للجدل وتشق التوافق الوطني العام في وقت تحتاج الصومال إلي توحيد الكلمة في مجابهة الأخطار المحدقة في سيادته ووحدته وهو ما يتناقض مع تحقيق مصالحة وطنية حقيقة فضلا عن أن يحقق شعار الرئيس الذي أصبح في أول أيامه خالي الدسم، وعليه فإن المضي قدما في فرض هذه التعديلات يؤسس مرحلة جديدة من النزاع السياسي مع بونتلاند ولا يمكن أن يقبل بها شعب الولاية فضلا عن قيادته.

وختاما؛ فإن سياسة القطار يسير وليً الأذرع هي التي دمرت الدولة الصومالية ولا يمكن أن تعيد القوة والهيبة للصومال مرة أخرى فضلا عن أن تعطي قوة للفريق الحاكم مهما كانت أطماعه الشخصية والسياسية، ومن المستحيل أن تخضع بونتلاند لمثل تلك الاملاءات، وعلى الرئيس أن يفهم أن خطواته السياسية التي تسبق كلامه المعسول لن تجدي نفعا.

عبد القادر علي ورسمة

وزير الدولة للعدل بولاية بونتلاند الصومالية، صحفي وكاتب صومالي، والسكرتير السابق لمجلة الفرقان الكويتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى