الصومالثقافة واجتماعمقالات الرأي

جرائم صادمة للشارع الصومالي

شهدت بلادنا خلال الشهور القليلة المنصرمة عددا من الحوادث والجرائم التي أثارت انتباه الكثيرين بحكم فظاعتها وقسوتها ولكون بعضها مؤشرا خطيرا يدل على تحول كبير في مسار القيم الاجتماعية والثقافية وحتى الدينية، كما أنها تبرهن مدى درجة التفسخ والانحلال الخلقي لمنظومة القيم والعادات والتقاليد للمجتمع.

وبما أن الجريمة حسب بعض التعريفات القانونية هي: انحراف عن مسار المقاييس الجمعية التي تتميز بدرجة عالية من النوعية والجبرية والكلية، فإن ممارستها على النحو الذي رأيناه من حرق الإنسان وهو لا يزال على قيد الحياة توجه عدواني خطير ينم عن وحشية تجذرت في نفوس أصحابها، وهذا الأمر يستدعي التكاتف للوقوف على وجه هذه الجرائم، وللحيلولة دون انتشارها في المجتمع.

جريمة القتل ليست جريمة جديدة على وجه الأرض؛ فهي جريمة قديمة قدم الإنسان نفسه ومنتشرة منذ أن قتل أحد ابني آدم أخاه على وجه الظلم، لكن عندما تكون جريمة القتل بين الزوجين وشريكي الحياة فإن الجريمة تأخذ منحى آخر أكثر إيلاما ووقعا على النفوس، وفي مدينة كسمايو الساحلية قتل أحد الجنود زوجته رميا بالرصاص دون معرفة الأسباب الحقيقة الكامنة وراء تلك الجريمة النكراء، مع العلم بأنه لا يوجد سبب يبرر قتل الإنسان ناهيك عن قتل أحد الشريكين في الحياة شريكه على الإطلاق.

وعلى الرغم من أن العدالة أخذت مجراها في حق ذلك القاتل إلا أن الجرائم المماثلة أخذت في المقابل في الاتساع مما يؤشر بأن الأمر جد خطير ما لم تضع السلطات المعنية حدا لتلك الجرائم وتتخذ إجراءات كفيلة بوقف هذه الجرائم أو الحد منها بحزمة قوانين رادعة.

لقد كانت الفجيعة الكبرى عندما أقدم أحد الأشقياء الموتورين ممن انتزعت الرحمة والشفقة من قلوبهم قتل زوجته الحامل، وعلى الأغلب يعاني من أمراض عقلية ونفسية في بلد لا توجد فيه علاج نفسي واستشارات تقدم لمن يعاني من هذه الأمراض قبل أن يقدموا على أفعال شنيعة، فلقد كانت الضحية إضافة إلى حملها أماً لعدد من الأولاد الذين أنجبتهم للجاني نفسه، ولم تشفع لها الأمومة حتى بعد زوال المرحمة الزوجية من ذلك المجرم القاسي، كما لم يشفع لها أولادها الصغار الذي يقاسون فاجعة فقْد الأم وهم في سن الطفولة، أي يد تلك التي قتلت نفسا عاشرت معها سنوات عديدة؟ دع عنك الحب وأحاديث المودة والرحمة، فأين الرجولة والشهامة والنخوة؟ ألم يكن من الأجدر أن يفارقها بالطلاق إذا لم يرغب العيش معها؟

فإن تعجب فعجب قصة ذلك الخائن الذي قتل زوجته فترة شهر العسل، وهي حادثة جديدة في المجتمع الذي يستقبل كل يوم قصة قتل غريبة، وبالفعل هذا ما حدث لعروس كانت تحلم بالعيش مع فارس أحلام ظنت انه هو منقذها من الضياع؛ لكنه صار الذي يشربها من كأس المنية.

من الجرائم البشعة التي شهدت بلادنا مؤخرا مقتل طفلة لم تبلغ العاشرة من عمرها على يد حرس أحد الجنرالات في الجيش، لقد كانت الرصاصة التي اخترقت في جسمها الغض الطري بمثابة قنبلة نسفت أحلام أسرتها التي تنتظر عودة ابنتها الصغيرة من المدرسة على أحر من الجمر؛ ولكن لهول الفاجعة دعيت الأسرة لاستلام جثة طفلتها.

وفي نهاية فصول المشهد الدامي كان مقتل رجل وإحراقه، وهو لا يزال على قيد الحياة بسبب زواج ابن أخيه من بنت أسرة تعتقد استعلاء عرقها ودونية عرق الضحية، إنه مرض نفسي واجتماعي خطير ظل يستحوذ ويسيطر على عقول مجتمع لا يرى بأسا بتزويج بناته للمسيحي الأجنبي القادم من أمريكا الشمالية، ويرفض باستهجان من الزواج من أحد أفراد المجتمع المسلم بداعي انتمائه لقبيلة معينة صُنفت زورا قائمة القبائل المحتقرة لمهنٍ يمتهنها بعض رجالهم أو ما شابه ذلك.

وأخيرا وليس آخرا، فإن الجرائم البشعة التي ذكرناها في ثنايا هذا المقال غيض من فيض، وهي بدون شك تحمل في طياتها مؤشرات خطيرة، وقد تكون بوادر لمشكلات وتحولات اجتماعية أخطر؛ لذا من أوجب وجباتنا في هذه المرحلة تكاتف جهود الدولة مع جهود المجتمع المدني لوضع إستراتيجية شاملة لحل هذه المعضلات الكامنة في المجتمع؛ بهدف التوصل إلى حل ناجع ونهائي، مع إشراك علماء الدين في إرشاد وتوعية المجتمع لبيان خطورة هذه الجرائم، كما يجب على أصحاب السلطات في جميع المستويات تطبيق القوانين بصرامة للحيلولة دون تكرر تلك المشاهد الأليمة في مستقبل الأيام.

أنيسة صلاد

طبيبة وكاتبة مهتمه في الشؤون الاجتماعية وتوعية المجتمع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى