مقالات

ختان الإناث في الصومال… عنف وعادة قاسية

مازالت هذه الازمة المروعة مستمرة منذ زمن طويل في الصومال هذا القاتل الصامت الذي يعرف بختان الإناث مصطلح اشتهر حسب منظمة الصحة العالمية على انه تشويه للأعضاء التناسلية الأنثوية وهي عملية تتضمن إزالة كلية  او جزئية لأعضاء التناسلية الأنثوية مع ترك فتحة صغيرة فقط لأغراض التبول والحيض دون وجود سبب طبي لذلك  وإنما يمارس ذلك باعتباره احد العادات الثقافية او الدينية الخاطئة في الصومال و تعرف الصومال بالبلد الذي تحدث فيه أعلى نسبة ختان الإناث في العالم حيث تعاني الفتيات الصغيرات في سن من احتمالية تدهور صحتهن وفقدان طموحاتهن وحريتهن  وان التبعات النفسية والجسدية لهذه الطقوس تكشف جانبا اخر من المعاناة والعنف وانتهاك الحقوق الأساسية للإنسان وتصنف ضمن القضايا الملحة التي تتطلب تدخلا قويا جازما لإيقافه.

ومن تلك المخاطر المضاعفات الطبية في ولادة الامهات،الألم الحاد والنزيف،مرض التيتانوس والاصابة بالعدوى والعلم والتكيسات وتكون الخراج وسلس البول بالإضافة إلى المتاعب النفسية والجنسية وحتى انها من ممكن ان تتعرض للموت ويتعرض سنويا ملايين الفتيات في الصومال للختان باستخدام سكين او شفرة ولا تستطيع هذه الفتيات اختيار مالذي سيحدث لهن فهن لا يستطعن الرفض وليس لهن الحرية الاختيار وإنما يجبرن على القيام بذلك ،والكثير منهن في سن صغيرة جدا بحين لا يعين ويفهمن ما يحدث لهن ولجسدهن وانه لأمر مؤسف وموجع بأن يكن غير قادرات على الهروب من هذا الإجراء الظالم المجحف بحقهن بحيث يحكم عليهن ما دمن ولدن كفتيات في الصومال، ان ما يتعرضن له كأنه شبح يطاردهن و لا يعرفن التخلص منه ويتم ذلك بإشراف النساء من أفراد الأسرة وتقوم بذلك بامرأة متخصصة ليست طبيبة وإنما بالممارسة والتكرار وقد تخطىء في كثير من المرات مما يؤدي لوفاة الفتيات الصغيرات.

ويختلف أنواع الختان التي تتعرض له الفتيات حسب منظمة الصحة العالمية لأربع أنواع : الفئة الأولى يتم استئصال الجزئي او الكلي للبظر او غطاء البظر  ،الفئة الثانية إزالة جزئية او كلية للبظر والشفرتين الصغيرتين مع او بدون إزالة الشفرتين الكبيرتين،الفئة الثالثة هو الختان الفرعوني بحيث يتم تضيق فتحة المهبل مع بتر ولصق الشفرتين الصغيرتين او الكبيرتين مع او بدون ازالة البظر، الفئة الرابعة هو القيام بجميع الإجراءات الضارة في الأعضاء التناسلية مثل الكي ،الشق،الثقب،الوخزالابري وغيرها الكثير.فحسب آخر تقرير لصندوق الأمم المتحدة للطفولة فإن 98% من النساء الصوماليات يتعرضن للختان من هذا النوع وهن في سن الطفولة بين عمري 4 و11 عاما،

وأثناء فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا، كان هناك ارتفاع بنسبة تزيد عن 61٪ في حالات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المبلغ عنها حيث تركت معظم الفتيات المدرسة وتدعو منظمة الأمم المتحدة إلى وقف ممارسة ختان الإناث دائما وبالتحديد في اليوم العالمي لعدم التسامح مطلقا إزاء تشويه الأعضاء التناسلية للإناث الذي يوافق السادس من فبراير/شباط من كل عام وفي حلقة نقاش رفيعة المستوى عقدها مجلس حقوق الإنسان في جنيف قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان فيما معناه ان ختان الإناث يعتبر شكلا من أشكال التمييز المبني على النوع الاجتماعي ويمثل أحد أشكال العنف يعد انتهاكا للحق في السلامة الجسدية والنفسية، كما يمس الحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة،ولأنه يمارس غالبا على الأطفال الصغار، فهو يعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الطفل. إن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث ينتهك الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية. وفي الحالات التي تؤدي فيها هذه الممارسة إلى وفاة الضحية، فإنها تمثل انتهاكا للحق في الحياة.

تتعدد الأسباب التي يتم الاستناد إليها لتبرير الختان، ومن أبرزها السعي للقبول الاجتماعي، والمعتقدات الدينية الخاطئة، والمفاهيم غير صحيحة حول الصحة، بالإضافة إلى اعتباره وسيلة للحفاظ على العذرية و”تهيئة المرأة للزواج”، وزيادة المتعة الجنسية للرجال، وكذلك ربطه بالطهارة، والعفاف، والجمال، فضلاً عن الضغط المجتمعي ورغبة بعض الأسر في الالتزام بالعادات والتقاليد المتوارثة كجزء من الهوية الثقافية وترى الناشطات في حقوق المرأة في الصومال أن حملات التوعية وحدها لا تكفي للحد من ممارسة الختان الفرعوني في الصومال، بسبب تأثيرها المحدود وعجزها عن كبح هذه العادة المتجذرة والمنتشرة في المدن والأرياف. ويؤكدن على ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة لمواجهتها، ورفعت الناشطات  شعارات مثل “كفى للختان الفرعوني” و”أوقفوا هذه الممارسة الآن” وعلى الرغم من أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية لا يزال واسع الانتشار في الصومال، فإن الوعي المتزايد بمخاطره يدفع جيل الشباب المتعلم، من كلا الجنسين، إلى رفضه بشدة، لكن في ظل ضغط كبار السن وتأثير الأعراف الاجتماعية، تستمر هذه الممارسة بين كثير من العائلات في الصومال خصوصا في الأرياف ، حيث تطغى رغبة الالتزام بالتقاليد على المعرفة بأضرارها الكثيرة ويتبع الصوماليون  المذهب الشافعية الذي ينص على أن الختان واجب على الذكور والاناث ثم إن الواجب في حقّ الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة وفي حقّ الإناث قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج وقيل أيضا: الختان واجب على الذكور، دون النساء.

ان صمت العلماء أمام معاناة النساء مع ختان الإناث هو صمت يشبه الغصة العالقة في الحلق، يعيشه المجتمع يوميا بدموع النساء وآلامهن. هذه الممارسة البشعة التي تفرض على الأجساد البريئة ليست ظاهرة؛ بل هي ناقوس ـ أمل وألم يلازمان المرأة ذكرى طول حياتها ويمحوان ثقتها بنفسها ويجعلانها سجينة جراح نفسية لا تندمل. ورغم كل ذلك, لا يزال الكثير من العلماء في الصومال يترددون في إصدار فتوى صريحة تمنع ختان الإناث وتعيد للمرأة كرامتها وحقوقها. ان موقف الأزهر الشريف في مصر، بإصداره فتوى قاطعة تحرم ختان الإناث، لم يكن مجرد كلمات؛ بل كان طوق نجاة، أملا جديدا للكثير من الفتيات،أعطى هذا الموقف شجاعة للعائلات لتتخلى عن هذه العادة الضارة، وللمجتمع أن يتحرر من عبء ثقيل جثم على صدره طويلا و الصومال؟ ما زالت نساؤنا يتأملن بعيون ملؤها الرجاء والخوف أن يتحرك علماء الدين ليقولوا كلمة الحق. إنهن بحاجة إلى صوت يعلن أن الإسلام دين رحمة وعدل, وأنه يحمي الإنسان – المرأة والرجل على حد سواء – من الأذى الجسدي والنفسي.

لا بد من أن يتم توعية و تثقيف مكثف للمجتمع الصومالي على الأضرار الصحية والنفسية لهذه الظاهرة الخبيثة التي تؤدي إلى إعاقة المجتمع وإيجاد حلول صارمة وقوانين رادعة تمنع هذه الممارسة التي تدمر مستقبل المرأة واستقلاليتها انه من محزن أن تعيش المرأة الصومالية التبعات الضارة لهذا الطقس المخيف الذي ينعدم فيه الرحمة و الفطرة الإنسانية السليمة  وانه من مؤسف جدا كذلك أن يكون هناك اعتقاد سائد ان حلات الاغتصاب التي تعتبر آفة اخرى في الصومال ستتوقف بعد ختان النساء الا  لسوء الحظ فإن ذلك لن يوقف المغتصب، بل سيضيف فقط إلى معاناة المرأة، تحتاج النساء والفتيات في الصومال لسن قوانين تضمن حمايتهم من الجرائم التي تمارس في حقهم ويجرم بشدة هذه الممارسات وتوعية الرجال الذين لديهم ايمان  بالمعتقدات الوهمية بأن الختان يضيف إلى قيمة المرأة كزوجة وأم أو يحسنها ويجملها، بل إنه في الواقع يؤذيها و يقلل من قيمتها كامرأة وزوجة وأم .

في الختام يعد التخلص من عادة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية تأكيدا لحقوق وأصوات ملايين النساء في الصومال ويعتبر التخلي الجماعي، حيث يختار مجتمع كامل أن يتوقف عن ممارسة ختان الإناث، خطوة قوية ومؤثرة نحو القضاء على هذه العادة الجائرة ، فبتبني هذا القرار، يحفظ كرامة الفتيات وتحترم حقوقهن، دون أن يتعرضن أو تتعرض أسرهن للتمييز أو الأذى. يعتقد العديد من الخبراء أن هذا التحول الجماعي هو السبيل الأكثر تأثيرا لإنهاء هذه الممارسة إلى الأبد، وبناء مجتمع أكثر عدلا ورحمة .

ليلى جامع

باحثة وكاتبة صومالية مهتمة بشؤون المرأة والسياسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى