فكر إسلاميمقالات

خواطر دعويــة (١)..كيف أصبح خطيبا ناجحا؟

قال: في كل يوم جمعة ينتابني شعور لا إرادي، وأسأل نفسي أين أصلي الجمعة اليوم، فقد تنقلت بين عدد من المساجد، واستمعت عددا كبيرا من الخطباء من أجل الاستفادة وتكوين الخبرة عن كيفية إلقاء خطبهم ومعرفة مواطن القوة والضعف إن وجدت، لست في مقام التقييم والتصويب أو تفضيل خطيب على آخر، فلكل واحد منهم له طريقته ومنهجه، وقد مارست الخطابة في أوقات متفرقة، أحاول تطوير نفسي، ولكن لا أجد من أتجاذب معه أطراف الحديث عن كيفية تطويرها وتحسينها بصورة مباشرة، ومن خبرة ميدانية، فقد قرأت ما كتب عنها ولكن الكلام النظري والإنشائي يكون محدود التأثير ما لم يصاحبه بتجربة شخصية من رجل خبر الموضوع ومارسها في أبهى صورها، وتعرض لمواقف حرجة جعلته يندم على ارتقاء درجات المنبر، أو شاهد حالات تمنى أن يكون مثل هذا الخطيب أو ذاك، أو حظي بتهنئة وثناء بعد أن ألقى خطبته ووجد من يشد عضده في مواصلة مشواره الخطابي والحفاظ على تميزه.

كثير من الخطباء والدعاة الذين يقومون بهذه المهمة منذ فترة طويلة سواء استوفرت الشروط في حقهم أم لا ، أو اعتقد أحدهم بأنه خطيب ناجح أو مجرد قارئ لكلمات أجادته قريحة غيره أو غير ذلك من الأسئلة التي تثار حول كيفية الخطبة ومهارة الخطيب .

والسؤال الذي يتردد على تفكيري ولم أجد له جوابا وبلسما شافيا هو كيف يصبح الواحد منا خطيبا ناجحا أو مقبولا على أقل تقدير ؟

قلت: الخطابة ليست نزهة كلامية ولا دردشة عابرة أو موقفا ومرحلة يستعرض فيها الشخص عضلاته أو يرفع صوته الجهوري أمام من يجلسون تحت منبره، بل هي مهنة تحتاج إلى موهبة ورغبة تصاحب التطوير والتثقيف والتدريب.

يمكن تشبيه المراحل التي يمر فيها الخطيب خلال مشواره الخطابي حتى يصل إلى القمة أو ما يقاربها كمراحل الطالب في التعليم التقليدي أو النظامي حتى يحصل أخر شهادة في التعليم العالي، فبعض الطلاب من الموهوبين وخارقي الذكاء يستطيعون فعل ما لا يقدر عليه بعض أقرانهم ممن هم أقل منهم ذكاء أو أضعف منهم صبرا وجلادة في التعلم ، فكذاك الخطباء يحتاجون إلى سنوات لكي يصبحوا خطباء بمعنى الكلمة، وليس هناك مدة معينة تكون الفيصل في اعتبار الشخص بأنه خطيب ناجح أم لا، بل يتعلق ذلك بجهده وإصراره في تحقيق هدفه، فمنهم من يتمكن في تحقيق ذلك في فترة غير طويلة، ومنهم من يبقى طول حياته يصعد إلى المنبر ولكنه لا يزال في مرتبة خطيب سنة أولى من الابتدائية وهو يظن أنه من الخطباء البلغاء في زمانه، ومنهم من لم يخلق لهذا ولا يريد أن يطور نفسه ومع ذلك يصر أن لا يخطب في منبر مسجده إلا هو.

فمن أراد أن يحقق جزءا من صفات الخطيب الناجح ينبغي له أن يخطو بهذه الخطوات التالية:

  • الاستعداد النفسي للوقوف أمام الناس؛ لأن التماسك له دور كبير في ذلك، وأن كثيرا من الخطباء ( وليس الجدد منهم فقط كما يظن بعض الناس ) ينتابهم نوع من الخوف والوجل عندما يشاهدون بأن أعين الحضور تتوجه إليهم ، ما يجعل يفقدون توازنهم ويتلعثمون في قراءة أوراقهم .
  • القراءة الواسعة والتثقيف المستمر وحضور الدورات التدريبية إن وجدت والاستماع إلى الخطب المسجلة من خطباء مشهورين أو الحضور إلى المسجد في يوم الجمعة كمستمع من أجل الاستفادة.
  • تسجيل الخطبة بجهاز خاص والاستماع إليها لمعرفة الأخطاء العلمية واللغوية التي ارتكبتها أثناء الخطبة ، حتى لا تتكرر منك مرة أخرى .
  • عدم الاسترسال بالكلام الإنشائي أثناء الخطبة، بل الإكثار من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال أهل العلم المعتبرين؛ لأن ذلك يعطي الخطبة طعما خاصا ويسهل على المستمع فهم مدلولها ولو لم يتمكن في فهم كثير من ألفاظها؛ لأن من أهداف الخطبة ربط الناس بكلام ربهم وسنة نبيهم (ص) .
  • الاحتراز والتثبت من الخطب الجاهزة؛ لأن بعضها إن صلحت في زمن ومكان ما لا تصلح في كل وقت ومكان ، حتى لا تقع في حرج أنت في غنى عنه .
  • قراءة الخطب المنقولة بصورة جيدة مرة أو أكثر حسب الحاجة، وتصحيح أو تقويم بعض الأخطاء اللغوية والإملائية الموجودة إن كنت أهلا لذلك أو على الأقل قراءتها قراءة صحيحة؛ لأن ذلك يعينك أن لا تفضح نفسك أمام الناس .
  • الابتعاد عن الخطب التي كتبها ممن هو معروف ببلاغته الأدبية وفصاحته اللغوية؛ لأن مثل هذه الخطب معروفة ومشهورة بين الناس إلا إذا ذكرت في البداية بأن هذه الخطبة للشيخ الفلاني ( ولا أظن أن أحدا يستطيع البوح بذلك ) والأسوأ من ذلك أن تكون ضعيفا في اللغة فتلحن لحنا يجعل الأديب يتحسر على من اعتدى وأساء إلى كلماته .
  • الاستعانة ممن له إلمام شرعي ولغوي في متابعة خطبك حتى يهدي إليك أخطاءك .
  • التدرب في خارج المسجد كالبيت مثلا وتسجيلها ثم الاستماع بها أو إرسالها لمن يدقق فيها .
  • اختيار موضوع واحد في كل خطبة إلا إذا كان هناك ضرورة تُوجب ذلك .
  • إياك ثم إياك أن تحاول الارتجال في خطبتك وخاصة إذا كانت لغتك العربية لا ترتقي إلى أدنى مستوى للمطلوب أو حافظتك ضعيفة أو لا تستطيع ربط الجمل بعضها ببعض .
  • اعتمد الفصحى في مواعظك وخطبك وابتعد عن اللهجة والدارجة إلا في أضيق الحدود وعند الضرورة فقط .
  • تقليل الاعتماد على خطب الغير ، وحاول كتابة خطبتك بنفسك ولو كانت شاقة عليك مع الاستعانة من له إلمام في قواعد اللغة العربية؛ لأن الاعتماد الدائم على الخطب الجاهزة دليل على العجز وعدم الجدية في تطوير النفس والادعاء بما ليس لك .
  • ضع نصب عينيك بأسوأ الاحتمالات التي قد تحصل لك وأنت على أعواد المنبر ، مثل أن الأوراق غير موجودة في جيبك أو سقط بعضها منك أو غير ذلك من الحوادث التي تحول بينك وبين إتمام الخطبة بصورة صحيحة ، ففي هذه الحالة ينبغي لك أن تتصرف بحكمة وروية وأن يكون لديك خطة بديلة بأن حفظت من قبل خطبة قصيرة جدا ولو كانت كلماتها لا تتجاوز عن الحمدلة والصلاة على النبي(ص) وآيات التقوى ثم الدعاء للمسلمين والمسلمات، وإلا فستكون عرضة للانتقاد والاستهزاء.
  • لا تستخدم ولا تقرأ الخطبة من الموبايل أو الأجهزة اللوحية؛ لأنها قد تنطفئ بدون سابق إنذار ، وإن كنت ممن يطبعون الخطب الجاهزة فلا تنتظر إلى صبيحة يوم الجمعة ، فجهز نفسك قبل حلول موعد الخطبة بيوم أو يومين على الأقل ، فقد يتعطل الجهاز أو يغيب الانترنت أو ينقطع الكهرباء .

هذا بعض انطباعاتي وتوجيهاتي لمن يتطلع أن يكون خطيبا مبدعا، وأما من يكتفي بأن يكون مجرد ظل للآخر وقارئا لما كتبه غيره فله الحق في اختياره، ولكن يجب عليه أن يعلم موقعه ومكانه دون مواراة .

ومن أراد الزيادة والتعرف على كيفية تطوير مهاراته في مجال الخطابة عامة وخطبة الجمعة خاصة هناك كتب وبحوث ومقالات خصصت لهذا المجال فليراجع مظانها.

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

كاتب وداعية إسلامي صومالي مقيم في لندن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى