
تباينت الآراء حول أداء الحكومة الصومالية، وتعددت وجهات نظر المحللين المثقفين وأعضاء البرلمان إزاء قدرة بعض الوزراء على تحمل مسؤولياتهم تجاه الوطن والمواطن. في حين تصف قطاعات عريضة من الشعب الصومالي الحكومة الحالية بأنها حكومة توافق وطنية قادرة على جعل البلاد تجتاز هذه المرحلة الصعبة والعبور به إلى ما بعد 2020، وتحقيق انتخابات مباشرة، يرى آخرون أنها حكومة ضعيفة غير قادرة على تلبية مطالب الشعب الحقيقية، وتضم في صفوفها شخصيات ليس لهم خبرة في ممارسة العمل السياسي، وأن معظمهم ممن رجعوا من الخارج وليس عندهم معلومات كافية عن الواقع الحقيقي التي تمر به البلاد في هذه المرحلة، كما أنها تحمل أجندات سياسية أثبتت فشلها ولا تتوافق مع طبيعة المرحلة؛ وبالتالي من جرّب المجرّب كان عقله مخربا.
بعيدا عن المناكفات السياسية والجدل العقيم، فإن الحكومة الصومالية التي يرأسها رئيس الوزراء حسن علي خيري هي حكومة الأمر الواقع، وهي الجهة المسؤولة لإدارة البلاد، ولا بد أن نقر جميعا بهذا الأمر، دعما للاستقرار السياسي والأمني في البلاد، فقد ناقش نواب مجلس الشعب على مدار يومين ملف الأمن، وهذا- فيما يبدو- دليل واضح على أن مسألة الأمن مطلب حيوي وبالذات أهالي مقديشو، وبعيدا عن الخوض في تفاصيل نقاش أعضاء البرلمان المتعددة والمتشعبة، والتي تندرج في إطار عناوينها العريضة التي تضمنته برامج الحكومة.
وما يثار حول أداء الحكومة نفسها من آراء وتحليلات متباينة التي تعكس تنوع نبض الشارع السياسي، واختلاف مشارب المحليين ومدارسهم الفكرية وتعارض مصالحهم، فإن غالبية الأصوات وآراء المحليين السياسيين ذهبت إلى ضرورة محاسبة الحكومة في برنامجها الأمني، والسعي معا في تحقيق الأمن وبالذات أمن العاصمة؛ حيث أن استتباب أمن العاصمة يقود إلى بسط الأمن في الولايات، وفي السطور القادمة نركز على ضرورة مساندة الحكومة والوقوف إلي جانبها، حتى نعبر إلى الشاطئ الآخر بسلام وأمان، لأسباب كثيرة من أهمها:
أولا : هيكلة القوات الصومالية وبناء أجهزتها المختلفة بشكل متطور يرقى إلي مستوى طموح المواطن الصومالي المتعطش إلى الأمن والاستقرار، وإعادة النظام وهيبة الدولة، وهذا لا يمكن تحقيقه أبدا دون بناء مؤسسة الجيش.
ثانيا : تعزيز مسارات التنمية والاستثمارات بهدف إعادة بناء الوطن، وتحسين علاقات التعاون في شتى المجالات مع دول العالم عموما والدول المجاورة على وجه الخصوص لتحقيق المصالح المشتركة بين شعوب المنطقة.
ثالثا: الحفاظ على وحدة البلاد وترميم جسور الثقة بين شعبه، وفي هذا الإطار من الضروري أن تواصل الحكومة مفاوضات السلام مع إدارة أرض الصومال التي بدأتها الحكومة السابقة، وأن تفتح صفحة جديدة مع الإدارات الأخرى بغية تطبيق النظام الفيدرالي، وتحقيق الوحدة وإحلال السلام الدائم والشامل، وإجراء انتخابات مباشرة حرة ونزيهة في البلاد عام 2020 وفقا لبرنامج الحكومة التي أعلنها الرئيس محمد عبد الله فرماجو أمام البرلمان.
رابعا : إعادة بناء مؤسسات الدولة ورفع كفاءة العاملين فيها، وهو أمر ضروري في اجتياز الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وتجاوز التحديات الأخرى التي تواجهها الحكومة؛ بحيث تتطلب المرحلة العمل بوتيرة عالية، وبجهود غير عادية وفق آليات جديدة وبرامج عصرية وخطط علمية واضحة ومدروسة تؤدي إلى إنهاء معاناة الشعب الصومالي، والتخلص من كافة أشكال السلوكيات السلبية من خلافات وفساد بأنواعه السياسي والإداري والمالي الذي يعتبر عقبة كأداء أمام مسارات البناء والتنمية وتحسين أحوال المعيشية للمواطن الصومالي.
خامسا : تحقيق دعم الاستقرار السياسي؛ لأن مسيرة البلاد لا يمكن أن يسيطر عليه فصيل دون آخر ، هذا ما عرفناه خلال العقود الثلاثة الماضية، وعلى ضوء تلك التجربة فقد يتم تقسيم المناصب العليا في الحكومة على حصص عشائرية حتى لا تتكرر أخطاء الماضي ويتحقق توافق سياسي على الحكومة؛ لأن غياب هذا التوافق يمكن أن ينقص من شرعية الحكومة، ويفتح الباب على مصراعيه، وخاصة الصراع السياسي الذي يعرقل مسيرة التنمية.
في بلادنا لا يوجد أحزاب سياسية قوية تمارس الديمقراطية وتنافس علي السلطة بالأغلبية وإنما هناك فصائل سياسية وشيوخ عشائر يجب إقناعهم والحصول على تأييدهم. كذلك نؤكد ضرورة اختيار الموظفين في المناصب الحكومية علي أساس الكفاءة والخبرة تطبيقا لأبجديات الإدارة التي تدعو إلى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
- إيجاد تعاون وثيق بين الحكومة والشعب والإدارات المحلية، وعدم وجود هذا التعاون لاشك أنه يؤدي إلى عدم تحقيق تلك الأهداف السامية التي أوضحها رئيس الوزراء الصومالي في كلمته الأخيرة أمام مجلس البرلمان، وتبقى خططه وبرامجه السياسية مجرد أحلام جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع؛ لذلك لابد من أن نتحرك جميعًا ودون إقصاء أي طرف أو تهميشه نحو العمل والإنجاز، فمن المعلوم أنه لا يمكن حل المشاكل الصومالية دون إصلاح المجتمع وإحياء روح التسامح فيما بينهم.
- تحقيق التغيير المنشود، لابد من تغيير الأوضاع الراهنة في البلاد منذ انهيار الحكومة المركزية في عام1991م، وهذا التغيير الذي نقصده ليس تغيير المناصب أو الأشخاص بالأشخاص وإنما نقصده تحقيق التغيير والانتقال من هذه الحالة التي يعيش فيها المجتمع إلى حالة أفضل منها، وهذا التغيير لم ولن يتأتى دون إرادة قوية وتحرك حقيقي يبدأ من الفرد إلي الأسرة ثم إلي الجماعة، ويتطور إلى مشاركة المجتمع بأسره؛ لأنه بدون تكاتف الجميع سواء الشعب أو الحكومة لا يتحقق التغيير المنشود. ومعني التغيير الانتقال من مرحلة إلى أخرى، إذن يتحتم علينا جميعا الانتقال من آفات الحرب إلى نفحات السلام، ومن التفرقة والخلافات إلى الوحدة، ومن الهدم إلى البناء، ومن التخلف إلى التطور والازدهار، و من النزوح والهجرة إلى الاستقرار والعودة إلى البلاد، ومن المجاعة والبطالة إلى الرخاء والعمل.
ومن هذه المنطلقات نرى تأييد الحكومة دون التطبيل لها في تعام عن مجريات الأحداث والوقائع اليومية؛ فقد آن الأوان وحان وقت التغيير وبناء مستقبل أفضل، والتغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، ولا بُد من أن ينبع من قناعةٍ داخل النفس، ومهما قام الآخرون بمساعدتنا فلن يحدث التغيير إلا إذا قمنا، التغيير يحتاج إلى البدء الفوري فيه، وسرعة المبادرة إليه، وعدم التسويف أو التأجيل و التأخير، “حتى يكون التغيير إيجابيا، فلابد أن يكون صادقاً، ومستمراً، ومنتظماً، وشاملاً”[1]
الهوامش:
[1] – http://www.saaid.net/Doat/arrad/73.htm
“نحو تغيير إيجابي في حياتنا”