الصومالبحوث ودراساتثقافة واجتماعمقالاتمقالات الرأيوجهات نظر

دور منظمات المجتمع المدني في الصومال

تعتبر منظمات المجتمع المدني من المنظمات غير الرسمية فى العصر الحديث، وقد كان لبعض هذه المنظمات دور كبير في خدمة وتنمية المجتمع بأكمله نظراً لنشاطاتها المختلفة، وتعد هذه المنظمات حلقة وصل بين المجتمع والدولة وعندما نتحدث عن نشاة منظمات المجتمع المدني الصومالي ترجع إلى فترة بعيدة، حينما ظهرت جمعيات ثقافية ونقابات عمالية، ولكن ممارسة مصطلح منظمات المجتمع المدني فى الصومال حديث نسبيا، ومر  تاريخ منظمات المجتمع المدني فى الصومال بأربعة مراحل مختلفة وهي كالتالي:-

المرحلة الأولى يمكن وصفها بمرحلة الأعراف والتقاليد والتى كانت قبل مجيء الإستعمار الأوروبي إلى قرن إفريقيا فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ما بين 1920م إلى 1943م إتسمت هذه الفترة بأن منظمات المجتمع المدني كانت تتكون فقط منظمات التعليم الإسلامية، وطرق الصوفية، وخلال تلك السنوات تم تدشين أول حركة مجتمع مدني على يد الحاج فارح أومار إلييي فى المناطق الصومالية الخاضعة أنذاك تحت الاحتلال البريطاني، وأسس أول منظمة مجتمع مدني باسم الرابطة الاسلامية  الصومالية فى عام 1925م فى عدن، وهذه المنظمة كانت تساعد المجتمع المدني لسد حاجاتهم وخاصة العمال الصوماليين الذين يعملون تحت الإدارة البريطانية.

وفى جنوب الصومال ظهرت منظمات المجتمع المدني خلال الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة الإيطاليين؛ ونال الصوماليون الخبرات من المنظمات الحديثة بالخارج، ومن المنظمات الأوائل التى تم تأسيسها الجمعية الخيرية الوطنية في عام 1942م، نادي الشباب الصومالي عام 1943م، والذى تحول فيما بعد الى حزب سياسي وأصبح اسمه وحدة شباب الصومال، ومن أهداف هذه المنظمة تحرير الوطن ووحدة الأمة ومحاربة الإستعمار، وتأسيس التعليم الأهلي الخاص والعام فى الوطن، وتشجيع المجتمع لتأسيس منظمات اجتماعية وطنية.
 المرحلة الثانية: بدأت خلال فترة الاستعمار  والتى إتسمت ما يسمي بالحداثة وتكوين المنظمات مثل إتحادات التجارة، والأندية الثقافية، والمنظمات الإسلامية، لكن معظم هذه المنظمات تحولت أخيرا إلى أحزاب سياسية ولعبت دورا مهما النضال الوطني لأجل الاستقلال.

المرحلة الثالثة:  بدأت بعد إستقلال الصومال فى عام 1960م وخلال هذه المرحلة يمكن تقسيمها إلى قسمين هما:-

أ- المرحلة الديمقراطية والحكم المدني فى الصومال ما بين 1969-1960م، وخلال تلك الفترة أعطيت منظمات المجتمع المدني حريات مطلقة وغير محددة.
ب- مرحلة الحكم العسكري والثورة ما بين 1969-1991م، ولكن خلال فترة الحكم العسكري تم تقييد أنشطة منظمات المجتمع المدني بدواعي أنها تضر بأمن الوطن، ولذلك تم تحويل بعضها إلى منظمات تحت سيطرة وإشراف الدولة، والبعض الأخر تم حلها نهائيا، وفى عام 1980م مع بداية عصر الليبرالية والتنويع سمحت الحكومة العسكرية السابقة بتأسيس منظمات محدودة، وجاءت تلك السياسة خلال التأثيرات الدولية مثل ظهور حركات حقوق الإنسان، وزيادة الدعم والمساعدات الخارجية للمنظات الدولية.
المرحلة الرابعة:  بدأت بعد سقوط الدولة الصومالية فى عام 1991م حيث ظهرت عدة منظمات غير حكومية فى شهر ينايرعام 1991م، كانت بداية لعهد جديد للصومال بعد سقوط النظام العسكري السابق وسيطرة المليشيات المسلحة على المدن الكبرى ، وكانت نقطة تحول لتاريخ الشعب الصومالي، وظهرت كثيرا من منظمات المجتمع المدني بلا حدود ولا قيود، وأيضا تم تأسيس منظمات محلية غير حكومية والتى أصبحت موضة جديدة تم تحفيزها من قبل الأمم المتحدة وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ما بين عام 1992-1995م، والتى ساهمت لإيصال مساعدات إنسانية إلى الصومال، وكانت هناك مئات من المنظمات الدولية غير الحكومية بشراكة مع منظمات محلية غير حكومية يعملون معا لإيصال مساعدات إغاثية للمحتاجين من الشعب الصومالي ومعظم المنظمات المحلية غير الحكومية البارزة فى مقديشو آنذاك كانت:-
منظمة طريق السلام عام 1995م، ومركز إسماعيل جمعالي عسبلي لحقوق الإنسان عام 1996م، ولجنة المصالحة الصومالية عام 1994م، ومنظمة ألمن للسلام عام 1990م، وفى عام 1996م تم تدشين منظمة كوغوو أكبر شبكة لمنظمات محلية غير حكومية  فى مقديشو وجنوب الصومال، وفى عام 1997م تأسست شبكة السلام وحقوق الإنسان.

من جانب آخر تم تأسيس أول شبكة للتعليم الأهلي الخاص فى الصومال FPENS عام 1998م، ومن أهداف تأسيس هذه المظلة تنسيق الخدمات التعليمية للمدارس الأهلية فى الصومال، ومن الخدمات المتوفرة للمظلة منها: تطوير المناهج، وطباعة الكتب المقررة، وتأسيس نظام إمتحاني معترف به فى الداخل والخارج، وصيانة العلاقات الخارجية مع الجامعات الأجنبية للحصول على منح دراسية.

وقد كان ظهور منظمات المجتمع المدني فى تاريخ الصومال المعاصر نتاج عدد من العوامل كان أبرزها، ضعف القيادات التقليدية (قيادات وشيوخ القبائل) حيث كانت شريحة كبيرة من تلك القيادات تتعاون مع القوى الإستعمارية، الإتصال بالخارج، تأثرت منظمات المجتمع المدني فى الصومال بالظروف التى خلقت أجواء الحربين العالميتين على العالم العربي والإفريقي، ونمو الوعي، نما وعي المجتمع الصومالي عامة والطبقة المثقفة بصورة خاصة فى شأن الحاجة الإجتماعية لتنظيم الجهود المجتمعية المحلية والأزمات المبكرة، نشأت كثير من منظمات المجتمع المدني وتطور نتيجة للأزمات والمشكلات الإجتماعية والإقتصادية المترتبة عن الإنقلابات والثورات الداخلية والحروب الأهلية التى تكرر تأثيرها والتى لم تلق حكومة فعالة قادرة على حل تلك المستجدات.

وقد شملت  المنظمات التى برزت فى تاريخ الصومال المعاصر في مجالات متعددة، حيث كانت منظمات عمالية وثقافية ودينية وإجتماعية، وكذلك منظمات طلابية، وتعتبر أزمة سقوط الحكومة المركزية فى الصومال عام 1991م العامل الأساسي والرئيسي لنشأة وتطور منظمات المجتمع المدني الحرة التى قامت من أجل سد الفراغ الحكومي فى شئون الخدمة المجتمعية، بل وإنقاذ المجتمع من ويلات الحروب الأهلية التى دمرت كافة الأنساق الإجتماعية وأكلت الأخضر واليابس، فكان ذلك سببا لظهور منظمات ذات طابع اغاثي فى الفترة ما بين(1992-1994م) التى كانت تقوم بتوصيل المواد الغذائية والطبية اللازمة للمجتمع، وبصفة عامة يمكن تقسيم شبكات منظمات المجتمع المدني فى الصومال إلى ثلاثة جهات فاعلة غير حكومية وهي كالتالي:-

1- SOSCENSA وتعمل فى وسط وجنوب الصومال
2- PINSA  وتم تأسيسها فى بونتلاند شرق الصومال
3- SONSAF وتعمل فى صوماليلاند الأقاليم الشمالية

وبشكل عام يمكن القول إن المنظمات المجتمع المدني واجهت وتواجه عقبات وتحديات كبرى، أغلبها نتيجة الظروف الموضوعية السياسية والقانونية المحيطة بها، وبعضها يعود لعوامل ذاتية وهناك مجالات عمل عدة  لمنظمات المجتمع المدني فى الصومال ومنها الخدمات الصحية، والتعليمية، والخدمات الدينية، والخدمات الثقافية ومجال الرعايةويهتم هذا المجال بتقديم رعاية الأسرة، ورعاية الأمومة والطفولة والأيتام، ورعاية المعوقين وذوي الإحتياجات الخاصة.

العقبات أمام منظمات المجتمع المدني 

هناك عقبات وتحديات كثيرة واجهها منظمات المجتمع المدني فى الصومال ومنها:

عدم إهتمام وتشجيع الحكومات المتعاقبة فى الصومال شأن هذه المنظمات
وعدم إصدار قوانين تنظم منظمات المجتمع المدني حتى يشاركوا فى تنمية المجتمع
وغياب التنسيق بين مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني فيما بينهم، مما يؤدي إلى عدم إشراكهم فى صنع القرارات ذات العلاقة بقضايا المجتمع ومشكلاته
وضعف الوعي المجتمعي بأهمية نشاطات وأعمال منظمات المجتمع المدني لحداثتها
وضعف الدور الإعلامي فى التوعية والتثقيف لمفاهيم تلك المنظمات
ورؤساء القبائل والعشائر بدورهم لا يرحبون بمنظمات المجتمع المدني لأنهم يعتقدون أن هذه المنظمات تسعى إلى بسط نفوذها السياسي والإجتماعي فى المجتمع لذلك يخافون أن يخسروا مكانتهم السياسية والإجتماعية فى المجتمع الصومالي الذي يمثلونهم بإسم قبائلهم وعشائرهم، وكذلك بعض علماء الدين يشكون بدور منظمات المجتمع المدني ويعتقدون بأن منظمات المجتمع المدني كما يصفون هم أيادي الكفار والجواسيس الدولية فى المجتمع.

وبالرغم من كل الجهود التى بذلتها وتبذذلها منظمات المجتمع المدني فى الصومال خلال الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة وحتى الآن، إلا أنها لم ولن تستطيع أن تسد الفراغ الذى خلفته الدولة الصومالية بعد سقوطها، ولا يمكن لأي منظمة محلية كانت أو أجنبية مهما كان حجمها الإغاثي والإقتصادي أن تسد مثل هذا الفراغ الذى تركته أوضيعته دولة ما فى العالم، لأن الخدمات الاجتماعية مثل الصحة، والتعليم، والنظافة، والمياه الصالحة للشرب، وبيئة صالحة للعيش، والأمن، وغيرهم من الأمور والخدمات الأساسية لكل دولة تجاه مجتمعها، ولذلك لا يمكن لأي جهة أخرى غير حكومية أن تلبي كل هذه الرغبات للمجتمع، وأن تلعب هذا الدور الأساسي والمهم على الوجه المطلوب.

المراجع

1) أماني قنديل، الموسوعة العربية للمجتمع المدني، مكتبة الأسرة، القاهرة 2008
2) عبد الغفارشكر، نشأة وتطور المجتمع المدنى: مكوناته وإطاره التنظيمى
3) عبدالرحمن عبدالله باديو، (2Making sense of Somali history (Volume، دارAdonis &Abbey
4) للنشر، لندن
5) فاظمة أبو بكر أحمد، دور منظمات المجتمع المدني فى التنمية الإجتماعية فى الصومال، ط1، أوراق الشاهد 3، القاهرة
6) يسرى مصطفى، المنظمات غير الحكومية، ط2، مركز القاهرة لحقوق الانسان، القاهرة
7) عبدالله محمد شروع، مدير منظمة طريق السلام الصومالية ( مقابلة معه( فى 10أبريل 2018م، مقديشو

يوسف حسن محمود

كاتب وباحث اجتماعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى