غياب البرامج الترفيهية في الصومال
إن برامج الترفيه تتضمن العديد من النشاطات والفعاليات المثيرة والذكية والمسلية وعادة ما تناسب الفئات الشبابية وتلبي رغباتهم في المتعة والتشويق، وهذه البرامج فضلا عن كونها مسلية وترفيهية، فإنها تعزز القيم والمبادئ الفضيلة، كما أن اجتماع الشباب وانخراطهم فيها مطلوب للارتقاء بهم سلوكيا وعقليا.
قٌدم لي جدول للأنشطة الصيفية و طُلب مني أن أشارك في تقديم أحد الأنشطة ، ألقيت نظرة سريعة على الموضوعات التي تحتويها القائمة ، كانت أغلبها شروحات للكتب ومحاضرات أكاديمية ، و خُطب مباشرة متكلفة ، ولم تتضمن القائمة أي نشاط رياضي أو اجتماعي أو ثقافي فضلاً عن نشاط ترفيهي ، كل الموضوعات المطروحة هي امتداد لموضوعات المدرسة أو الجامعة أو المعهد . سألت منظم الأنشطة هل من الممكن إضافة بعض برامج الترفيه نظرا لطبيعة البرنامج الصيفي مصمم للشباب ؟ أجابني بأن البرنامج في صورته الحالية متكامل و يلامس موضوعات الشباب والتي تمس الحاجه إليها ، سالته عن الحضور المتوقع ، فرد أن الإقبال ضعيف اجمالا .
لا أستغرب عدم اقبال الشباب على مثل هذه البرامج الرتيبة، فقد كانت القائمة تعبر عن إخفاقنا المستمرة في فهم إنسانية أبنائنا، فمازلنا ندور في فلك الأسلوب التربوي المستهلك الجامد الذي يعتمد على تكتيف و الاستماع و الإنصات حتى خارج أسوار التدريس نحن نستمر في صناعة أسوار تحجم الإبداع و الحركة والمرح و تُنفر أبنائنا منا و تُخرج لنا إنساناً سجين لثقافة الصمت والتلقين و تنفيذ الأوامر دون اقتناع ، فجلوسهم في الطرقات ، وتعاطي بعضهم للممنوعات و هدر أوقات على تفاهات و خوضهم للمشاجرات هي محاولة للاحتجاج على اوضاعهم أملا منهم لإحداث بعض التغيرات في يومياتهم ، وهي أيضا عوارض بأننا فشلنا في احتوائهم ، وبأننا نبحث لهم عن حلول ناجعة بعيدا عن الحلقة المفرغة التي ندور فيها .
الترفيه الهادف لمسه يفتقدها شبابنا داخل الوطن حتى يستطيعوا أن يحيوا حياة طبيعية متوازنة ، ويملؤو مخزونهم الشعوري و النفسي و الجسدي بطاقات تدفعهم للانطلاق إلى الحياة بنفوس تملها الفرح والنشاط ، وبعقول تتقبل المفاهيم الجديدة و المعارف القديمة . إن الترفيه هي الجرعة التي تجعل أبنائنا صامدون أمام ضغوط الحياة العصرية و أمام مفاجئات الواقع الصومالي .ولا يعتبر الترفيه ترفاً أو بذخاً أو ذنباً بل هو مطلب و واقع يحسن جودة الحياة اليومية ، وحقا مشروعا لأبنائنا ، وحماية لهم من الانحراف و التطرف والتعصب، وتنفيس لطاقاتهم السلبية وتفريغ لشحناتهم البدنية الزائدة وترشيد لعقولهم من الوقوع في حبائل الجماعات المنحرفة .
إن إقامة البرامج المجتمعية الإصلاحية الدينية يتضمن كل أنواع الترفيه الفعال من سباقات رياضية و ثقافية ومسابقات شعرية أو نثرية وأنشطة مسرحية درامية ، وإقامة أيام للتراث الصومالي المادي والمعنوي ، وأيام لدعم الاختراعات والابتكارات واكتشاف المواهب العلمية، ومواسم للماراثونات الطويلة و الصيد البحري و تسلق الجبال ، هو البناء الإصلاحي الصحيح الذي يسمح للشباب اكتساب مهارات وتنمية قدراتهم وصقلها بتلك التجارب الخارجية إلى رصيدهم المعرفي والمجتمعي فتساعد على تنمية شخصياتهم تنمية تنعكس على مجتمعاتهم ، وتساهم في التطور الحضاري للوطن ، وتُقرب بين أبناء الوطن الوحد ، وترفع الثقل عن الاهتمام المفرط بالجانب السياسي ، و تفتح أبواب للممارسة الفعلية لقيم دينية اجتماعية وطنية على أرض الواقع.
شكرا جزيلا وفقكم الله