السياسةالصومالتحليلاتمقالاتمقالات الرأيوجهات نظر

قراءة تحليلية لاتفاقية أمنية مبهمة بين الصومال والإمارات

مقدمة :

وافق مجلس الوزراء في 06 فبراير2023 على اتفاقية أمنية لم تعرض بعد علي البرلمان الصومالي بين وزارة الدفاع الصومالية ونظيرتها الإماراتية تحت مسمى مكافحة الإرهاب والتّعاون الأمني في أبوظبي ب 05 يناير 2023 وقد نصّت على بنود خطيرة تمس الأمن القومي والسيادة الوطنية وتدخل البلاد في مرحلة حرجة من التدخلات على الجسد الصومالي المكشوف أصلا.

نص الاتفاقية المسرب

وحسب المسودة المسربة من الاتفاقية المشار إليها فقد شملت على مفردات أهمها :مكافحة الارهاب وتجفيف منابعه وتدريب الجيش، والسماح للإمارات باستخدام أراضي الجمهورية الصومالية لتنفيذ عمليات أمنية نوعية، وتوظيف الإمارات أفرادا جددا من الصوماليين وتدريبهم في الإمارات أوفي أيّ بلد آخر وإنشاء قواعد عسكرية تحت الإدارة الإماراتية وشنّهم عمليات أمنية في أيّ مكان من البلاد. كما يتيح البند السابع للإمارات ـ وهو الأخطر ـ حقّ استخدام كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية لتحقيق تلك المهام . ولعل الاخطر من ذلك جميعاً هو الموافقة على اعتقال الأشخاص داخل الصومال من قبل الإمارات . وتغطى الاتفاقية أيضا على بعض البنود التي تسمح للإمارات إدخال تجهيزات عسكرية وذخائر وأسلحة في البلاد بدون ذكر شرط الموافقة للحكومة في كل مرة وإن كان ذلك صوريا .

سيناريو متكرر

لا يحتاج القارئ إلى الكثير من التحليلات ليفهم مدى خطوة هذه الاتفاقية ، التي كانت طي الكتمان ولولا تسريبها لم تكن لتخرج للرأي العام ؛نظرا لحساسية الموضوع، ولأنّ الاتفاقية نفسها تلزم أن يكون الأمر محاطا بالسرية التامة ، وتتجه أغلب المخاوف أن تكون هذه ذريعة لاستهداف العقول والأصول المالية للأفراد بدعوى مكافحة الإرهاب أشبه بكثير بذاك السيناريو الذي حدث أيام ما قبل المحاكم الإسلامية؛ حيث كانت أمريكا تمول خلايا مسلحة من زعماء الحرب لاعتقال وقتل أشخاص بتهم الإرهاب .كما أنها محاولة إعاقة بناء الجيش الذي سار على وتيرة سريعة في عهد الرئيس السابق فرماجو وأن يتم استخدامهم كمرتزقة وأحزمة أمنية في أماكن أخرى، وشراء العقيدة العسكرية والذمم والولاء في أوساط الجيش، وإنشاء تشكيلات عسكرية خارج إطار الدولة؛ وهو ما يدخل البلاد في حقبة جديدة من الاقتتال الداخلي و إحياء أمراء الحرب وتسليحهم على حدة؛ الأمر الذي يجعل الصومال تواجه نفس المصير المحتوم اللذي وصلت إليه بعض دول المنطقة التي تركت عليها تلك الدولة بصمات سيئة حيث أصبحت بعض مناطق اليمن تحت سيطرة إماراتية كاملة في حين أعيق التعافي السياسي في ليبيا باستخدام أمراء حرب.

انتهاك للسيادة:

تعد هذه الاتفاقيةـ وربما ما يخفى أعظم منهاـ بمثابة بيع للسيادة الوطنية بثمن بخس وترقى إلى درجة الخيانة العظمى للمسئولية والأمانة ، وهو أكبر خطأ وتهوّر سياسي يرتكبها الرئيس الحالي : حسن شيخ محمود، ما يكشف عوار الإدارة الحالية وغياب فهمها السياسي والاستراتيجي ..ويتمثّل الخطأ الفادح في الأمر أيضاً تعيين تلك المناصب السيادية كوزارة الدفاع وقيادة جهاز المخابرات لأسماء غير مؤهلين البتة، وعادة ما يتمّ تكليف تلك المهام لأشخاص أكفاء ويتمتعون بالنزاهة والثقة بين أوساط الشعب والطبقة السياسية . وقد وصف الأستاذ عبدالوهاب شيخ عبدالصمد المحلل للشؤون الإفريقية الاتفاقية بأنها بداية مؤامرة لجعل الصومال مسلوبة الإرادة، أما النائب في البرلمان الكيني فارح معلم فقد قال في تغريدة له؛إن الاتفاقية ستحول موارد الصومال وترهن مستقبله فعليا إلى الإمارات.

غياب المحاسبة :

مما يحسب للرئيس السابق فرماجو ـ وإن كان عليه الكثير من المؤاخذات ـ دفاعه عن سيادة الدولة ورفضة للإملاءات والتدخلات الأجنبية، لكن تركه للمنصب خلّف صمتاً مطبقا من جانبه والقيادات المحسوبين عليه من إدارته، لكافة القضايا السياسية والأمنية، مما أتاح للإدارة الحالية فرصة عمل تجاوزات خطيرة، والتخبط عشوائيا وبدون مبالاة حتى بما يمس الأمن القومي والسيادي ؛أمور كانت بمثابة خط أحمر في الحقبة الماضية .

إن دور المعارضة هو أن لا تمنح الوقت للحكومة لتعبث بالوطن دون القيام بدور المراقبة والمحاسبة الشاملة، كما هو المناخ السياسي العام في الدول؛ حيث يكون المرشح الأقوى نقاطاً بعد الفائز هو الذي يقود المعارضة وترتكز حوله أحزاب المعارضة ؛ لا للارتهان بالوقت بعد أن تنفرط الأمور وتصل إلى مرحلة قياسية من التخلف في كل شيء، وإضاعة المكتسبات السابقة الّتي استغرقت جهوداً مضنية ومصادر مالية من أجل تحقيقها . كما أن البرلمان أصبح معلقا لا يتم اكتمال النّصاب في أغلب الأحيان؛ بسبب غياب النواب من الجلسات ويعتقد أن ذلك يعود إلى مخاوفهم الأمنية ؛ وحتى إن بعضهم لديه شكوك أمنية من الإدارة الحالية. وبناء على ما سبق لا ينفك الأمر عن جملة من الخطوات الغير المتاحة في الوقت الراهن، من أجل إفشال هذه المخططات للسيطرة على البلاد، ولعل من أهمها :

1ـ رفض شعبي واسع لهذه الاتفاقية المشينة، والتفطن لما تحتويه مما يدخل البلاد والعباد في خطر محدق، وعلى العقول والطبقة المثقفة التحذير والكشف عن المخاطر، ولا يخفى العجلة التي تم تمريرها والرأي العام منشغل بقضية لاسعانود ؛وذلك للحيلولة دون التنبه للقضية.

2ـ حسب خبراء القانون فإنه يلزم مصادقة البرلمان على أي اتفاقية خارجية، وعليه فعلى النواب التدقيق في الملف وحيثياته وعدم التصديق على هذا المشروع، والمحاسبة على الحكومة وتمثيل المسئولين أمام النواب وأخذ إجراءات ضدهم، وما عمل المجلس النيابي إذا لم يشرف على مهام الحكومة، لا أن يطلق حبلها على غاربها أو يكون معلّقاً وفي سبات عميق كما هو اليوم !

3ـ على المعارضة الأخذ بدورها السياسي وعدم إعطاء الوقت للحكومة، وبدلا من الصمت والسكوت عما يجري ومنحهم الجو المغطي الأشبه ما يكون وفق المقولة: خلا لكِ الجوّ فبيضي واصفري، تتجه نحو تجهيز نفسها بنفسها وفتح المكاتب والأحزاب السياسية وإرغام الحكومة في إعداد وتنفيذ خطوات محكمة نحو الاستحقاقات الوطنية.

جعفر سعيد محمد

كاتب مهتم في شوون القرن الإفريقي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى