قراءة في كتاب “الصراع بين السلطة والقانون في الصومال”
أثرى المكتبة الصومالية هذه الأيام إصدار جديد للمؤلف الصومالي المحامي علي شيخ آدم يوسف وهو كتاب ( الصراع بين السلطة والقانون في الصومال – قراءة نقدية في التجربة الدستورية الصومالية) حيث تناول فيه المؤلف موضوعا حساسا لا شك أنه يستحق هذا الجهد العظيم الذي بذله الباحث والذي يعتبر إضافة قيمة للمكتبة القانونية الصومالية.
تضمن الكتاب عناوين كثيرة من أهمها على سبيل المثال لا الحصر : مصادر القوانين الصومالية، التطور التاريخي للنظام القانوني في الصومال، وطبيعة وفلسفة القوانين الصومالية، ونشأة الدساتير الصومالية وعلاقتها بالديمقراطية، النظام السياسي في التجربة الدستورية الصومالية، الصراع بين السلطة التنفيذية والقضائية في الصومال، تقييم التجربة الحزبية في الصومال، وصراع الولايات الفيدرالية مع الحكومة الاتحادية.
وتتلخص رؤية المؤلف في الكتاب أن “المشكلة الصومالية كانت ولا تزال دستورية بقدر ما هي سياسية، فالدساتير الصومالية لم توضح النظام السياسي للدولة، ولم تضمن المشاركة الشعبية أبدا، والدستور الصومالي الفيدرالي 2012 الحالي لم يتكفل بتوزيع الاختصاصات بصورة لا تقبل المناقشة، كما أنه أهمل نوع النظام السياسي، إضافة إلى محدودية دور المجتمع المدني في سير العملية بناء الدستور، لاسيما في المؤسسات الأهلية ومراكز البحث العلمي وكليات القانون التي لم تعقد ورشات عمل حول الدستور ولم تصدر دراسات في جوانب مختلفة من الدستور رغم ما لها من أهمية في مشاركتها، ولم يتكاتف المجتمع في توعية الوعي السياسي والإصلاح الدستوري ومواجهة التحديات التي تزيح الدولة الفيدرالية برمتها والإستفادة من تجارب الأمم مع رعاية الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد وفتح حوار جاد حول الملفات المهمة”.
وفي ثنايا حديث المؤلف عن الصراع بين السلطة التنفيذية والقضائية في الصومال يقول: “إن القضاء الصومالي لم يستقل عن السلطة التنفيذية في تاريخه رغم بيان الدساتير باستقلاليته،وأن الإصلاح القضائي يتطلب مراجعة القوانين التي صدرت في ظل ظروف معينة، وتفعيل دور المجلس الأعلى للقضاء وتوسيع صلاحياته ” ويتفق الباحثون في مجال القانون أن الصومال لم يشهد في تاريخه الحديث قضاءً مستقلا، فالحكومات الصومالية المتعاقبة هيمنت على القضاء وظهر الفساد في كل شيء واستخدم القضاء للاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم واستشرى الفساد والرشوة في نظام القضاء الصومالي ما أفقده هيبته في الوسط الشعبي الصومالي.
ويرى الباحث أن التغير السياسي الذي طرأ على النظام السياسي في الدولة الصومالية عام1969 عمل على تعليق الدستور والأحزاب السياسية، وأدار الدولة بمراسيم رئاسية تمهيدا لتفرد الحكم على هذه الخطوات، والتي كانت بمثابة عمليات تمهيدية للتخلص من القضاء العادي، وأنشأ المجلس الثوري محاكم عسكرية والتي وسعت اختصاصاتها فيما بعد لتشمل المدنيين وجرائم لا تخل بأمن الدولة مثل المشاجرات والسرقة.
وفي عام 1974 صدر قانون نظام القضاء الذي فجر الأزمة حيث أنهى ما تبقى للقضاء من سلطات، فقد أعطى اختصاصات مجلس القضاء لوزير العدل، ووضع النيابة العامة تحت إشرافه، والأغرب من ذلك إعطاء المحافظات سلطات قضائية للنظر في بعض المنازعات والتي تدخل ضمن اختصاصات القضاء العادي، وهكذا استمرت هيمنه السلطة القضائية حيث حل الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود المجلس الأعلى للقضاء بحجة عدم موافقته للدستور تمهيدا لعزل رئيس المحكمة العليا، وإخضاع القضاء لإمرته، وحتى الآن لازال القضاء تحت حكم السلطة التنفيذية.
وكحل لهذا المعضلة يرى الباحث أن إصلاح القضاء مرتبط بتطوير النصوص القانونية والتشريعات التي يعود تاريخ بعضها للستينات من القرن الماضي، والتي صدرت ضمن ظروف معينة، حتى يتماشى مع متطلبات العصر، وتلبية احتياجات المرحلة التي تمر بها البلاد.
وفي تقييمه للأحزاب السياسية التي تنشط حاليا في الصومال يرى الباحث أنها بمثابة أحزاب لا تستند إلى قاعدة جماهيرية بقدر ما هي جماعات مصلحية تعبر عن مصلحة شخص أو فئة معينة وذلك بغرض الوصول إلى سدة الحكم، كما أنها أحزاب لا تتمتع بالقدر الكافي من الأيديولوجية الحزبية ذات الأهداف الوطنية والقضايا الجوهرية، ولا تمت بصلة للقضايا الوطنية وتفتقر إلى الرؤية الوطنية والإستراتيجية السياسية البناءة، كما أنها لا تزال غير فاعلة في المشهدين السياسي والاجتماعي، بحيث إنها لم تتغلغل في العمق الاجتماعي الصومالي، من حيث خلق بيئة اجتماعية يتألف منها هياكل الحزب الإدارية وقيادته وشعبيته الجماهيرية
وفي الختام خلص المؤلف إلى خلاصة واستنتاجات أهمها:
إن أهم ما يمكن استنتاجه من هذه الجولة للتجربة الدستورية الصومالية ما يلي:
- الدساتير الصومالية لم تتبنى المنافسة لنظام اقتصادي معين النشأة – حسب اضطلاعي – ما عدا الدستور الصومالي 1976 الذي أعلن أنه اشتراكي في 21 أكتوبر.
- الدساتير الصومالية تتنوع في طرق وضعها حيث غلب عليها الطرق غير الديمقراطية باستثناء دستور 1960.
اهتمت الدساتير الصومالية بحقوق الأفراد وحرياتهم والارتباط بالجانب الأخلاقي حيث بينت جميعها أن الإسلام دين الدولة وأن الشريعة مصدر القوانين بصورة مختلفة . - إن الفساد السياسي والمالي الذي قامت الأحزاب السياسية وتزييف الانتخابات كان سببا في سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم.
- إن العامل العسكري وتشخيص السلطة كان سببا في تشكيك شرعية النظام وتفكيك التحالف بين المؤسسة العسكرية والشعب إلى اليوم.
- إن التجربة الحزبية سواء التعددية والأحادية لم تستطع التغلب على النظام القبلي في تاريخها ولا تتمتع بشعبية جماهيرية حاليا.
- إن كل دستور أو وثيقة صومالية تترجم عن وضع سياسي واجتماعي معين كان قائم في وقتها.
ملاحظة :
مع أن المؤلف بذل جهدا كبيرا في هذا الكتاب ولكنه جهد بشري يعتريه النقصان ولعل أبرز الملاحظات الذي تظهر لقارئ الكتاب أنه كان على المؤلف أن يتوسع في بعض المواضيع فالكتاب صغير الحجم نوعا ما حيث يتكون من ثمانين ورقة فقط من القطع الورقية الصغيرة، كما كان يستحسن أن يقوم المؤلف بطرح الحلول لبعض الإشكاليات التي أوردها في كتابه ولا يكتفي بذكر المشكلات فقط، وهناك أخطاء إملائية بسيطة تظهر لدى قارئ الكتاب تحتاج لمراجعة في إخراج الطبعة الثانية من الكتاب، ولاشك أن هذه ملاحظات بسيطة لا تخل بقيمة الكتاب والجهد الكبير الذي بذله الباحث.
شكر الله سعيكم على هذه البحوث النافعة