قراءة في كتاب “النظام الدستوري في الصومال وفكرة تأسيس الدولة”
صدر حديثا من مؤسسة دار الفكر العربي في القاهرة مؤلف جديد للنائب في البرلمان الصومالي ونائب وزير الدستور معالي الدكتور حسين عبده علمي، والذي يحمل اسم “النظام الدستوري في الصومال وفكرة تأسيس الدولة، “دراسة مقارنة” وفي هذه السطور التالية نحاول أن نقدم عرضا وتلخيصا لهذا الكتاب الذي لاشك أنه يمثل إضافة قيمة للمكتبة الصومالية، وخاصة مجال القانون الدستوري والذي يتخصص فيه الباحث مؤلف هذا الكتاب.
كما أن مثل هذه الدراسة قد تساهم في إيضاح عوامل المشكلة السياسة الصومالية وإصلاح النظام السياسي الذي يعاني منه المجتمع الصومالي بأسره منذ أكثر من عقدين، وكذلك تقديم توصيات من أجل إيجاد الحلول المناسبة لها، وسد الفراغ العلمي الموجود في الأنظمة السياسية والدستورية في الصومال.
- محتوى الكتاب
استهل الباحث في هذا الكتاب فصلاً تمهيديًا، تناول فيه تطور مفهوم الدولة ابتداءً من المجتمعات القبلية القديمة ومرورًا بالحضارات القديمة المتجددة، وكذلك مفهوم الدولة في الإسلام حتى وصلت إلى الفكر السياسي الحديث.
وكذلك اشتمل هذا الكتاب على ثلاثة فصول: حيث تناول فكرة تأسيس الدولة الصومالية وإمكانية قيامها في الفكر السياسي المعاصر، والتطور التاريخي للنظام الدستوري الصومالي، وفكرة تأسيس الدولة، ابتداءً من المصادر التي كوّنت القانون الصومالي القديم، والدساتير واللوائح التي صدرت عبر المراحل التاريخية المختلفة في الصومال، من خلال دراسة وتحليل نظم المؤسسات الدستورية التي عرفتها الصومال، ومدى دورها المؤثر والمهم في بناء الدولة، ثم تعرض لمظاهر العلاقة بين مفهوم الدولة والمفاهيم القبلية، ومدى تأثيرها على المؤسسات في الدولة، ثم تناول النظام الفيدرالي ومدى إمكانية تطبيقه أو ملاءمته لطبيعة المجتمع في ظل الأزمات والانقسامات السياسية في الصومال.
- أهداف الكتاب
لخص الباحث أهداف الكتاب في إعطاء فكرة عامة عن النظام الدستوري الصومالي, وفكرة تأسيس الدولة ومدى إمكانية بناء دولة صومالية مركزية حديثة بالصومال؛ حيث لا حظ أنه منذ زمن الحكومات السابقة 1960 وحتى الآن؛ أن النظام السياسي في الصومال اتصف بعدم تطبيق الدستور واحترام القوانين؛ مما أدي إلى عدم استقرار الصومال، لهذا تمس الحاجة التركيز- قدر الإمكان- على فكرة تأسيس الدولة الصومالية في الوضع الراهن، وتحديد شكل هذه الدولة من المنظور السياسي والقانوني والاجتماعي.
ويرى الباحث أن دراسة النظام الدستوري الصومالي وفكرة تأسيس الدولة في الوقت الحاضر يجب ألا تقتصر علي بيان شكل الحكم فيها من خلال القواعد الدستورية المطبقة، وإنما يلزم أن تكون هذه الدراسة شاملة للفلسفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع الصومالي من ناحية، ومدى التفاعلات التي قد تنشأ عن وجود القوى الاجتماعية الفاعلة وتأثيرها علي القوى الحاكمة في مباشرة سلطاتها، وعلاقة هذه السلطة مع الأفراد من ناحية أخري.
- القيمة العلمية للكتاب
الأهمية التي يحظى بها هذا الكتاب والتي تجعله يجذب اهتمامات القراء هي كون المؤلف ناقش فيه نقاشا علميا مدى ملائمة النظام الفيدرالي للصومال كنظام حكم، وطبيعة النظام الفيدرالي وملاحمه التي تبدو مناسبا للصومال في ظل الجدل الذي يدور بين أوساط المثقفين حول هذا الموضوع، وفي ظل الخلافات المتكررة بين الحكومة المركزية والولايات الفيدرالية إضافة إلى قلة المراجع التي تهتم بهذا الموضوع، والتي تجعل مثل هذا الكتاب منطلقا لدراسات عميقة من المفترض أن يقوم عليها كثير من الباحثين، كما أن المؤلف أورد في كتابه المراحل التي مر عليها نظام الحكم في الصومال والدساتير المختلفة التي وضعت للصومال في عهد الحكومات السابقة ومدى تداخل النظام القبلي مع السياسة الصومالية.
- نتـائـج الدراسـة:
من خلال هذه الدراسة تبيّن للمؤلف أن النظام الدستوري الصومالي وفكرة تأسيس الدولة – من الناحية القانونية والعملية – يعد أمرًا صعبًا في الوقت الحالي؛ نظرًا لعدم وجود رؤية معيّنة بين النخبة والقيادات السياسية الصومالية لحل المشكلة الصومالية المستعصية وبناء الدولة؛ مما يدفعنا إلى أن نلقي الضوء ونركز الاهتمام حول النظام الدستوري الصومالي وفكرة تأسيس الدولة الصومالية، وهى القضية التي تشغل العالم أجمع، حتى أصبحت من أهم القضايا المطروحة على الساحة الإقليمية والدولية.
كما أنه من خلال دراسة المراحل التاريخية لأنظمة الحكم في الصومال، ودراسة تطور مفهوم الدولة والمفاهيم القبلية ومدى تأثيرها على مؤسسات الدولة، تبين أن الدستور الصومالي الصادر سنة 1960م، كان أول دستور يعطى المواطن الصومالي حقوقه الأساسية، كما أنه يعد مصدرًا لجميع الدساتير الصومالية التي صدرت بعد ذلك، حيث كان النظام في ذلك الوقت نظامًا برلمانيًا، مع أنه تأثر بالنظام القانوني الإيطالي.
- أنه منذ الدستور الصومالي الصادر سنة 1979م، وحتى الدستور المؤقت الصادر سنة 2012م، فقد اتسمت هذه الدساتير بعدم التطبيق، وتميزت تلك الفترة بقصور الرقابة البرلمانية؛ وعدم احترام الدستور أو سيادة القانون، بالإضافة إلى استخدام السلطة التنفيذية للعديد من الصلاحيات غير المخولة لها؛ مما أدى إلى شلل السلطة التشريعية وتطويق عملها، وتحويل النظام البرلماني – نظريًا – إلى نظام دكتاتوري.
- إن من يطرح موضوع الفيدرالية في الصومال كنظام؛ يفترض أن الصومال تعانى من مشاكل سياسية، وليست إدارية، وأنها ليست مجتمعًا واحدًا ومتجانسًا، فهو يريد تكريس القبلية؛ بحيث تسيطر كل قبيلة على منطقة معينة، مع أن القبائل القاطنة متداخلة وكثيرة، وبالتالي لا تستطيع قبيلة أو عشيرة لوحدها أن تعلن إقليماً مستقلاً كما لا يمكن أن تهيمن قبيلة على قبيلة أخرى.
- وعلى ضوء المعايير المتقدمة التي تتعلق بفكرة الفيدرالية وتطبيقها على الأزمة الصومالية، يتضح لنا أن المشكلة ليست عدم نظام أو قانون بالدرجة الأولى؛ وإنما في التطبيق لهذا النظام أو ذاك؛ كما نرى أن الفيدرالية تؤدى إلى تقسيم الصومال وتفكيكه إلى دويلات ضعيفة؛ إذ ليست الفيدرالية حلاً للأزمة الصومالية، بل ستسهم في تضخيم الأزمة، وتأجيج الصراعات القبلية القائمة حول السلطة.
#معلومات_الكتاب:
اسم الكتاب : النظام الدستوري في الصومال وفكرة تأسيس الدولة.
اسم المؤلف: الدكتور حسين عبده علمي.
الناشر: دار الفكر العربي للنشر والتوزيع، 1440ه-2019م.
عدد الصفحات: 236 صفحة.