الأدب والفنثقافة واجتماعمقالات

قصة مدينتين [ملتقى الحبّ والثورة]

تعتبر رائعة ديكنز قصة مدينتين إحدى أشهر وأحسن الروايات في العالم، وفي رأي معظم النقاد لا ينافسها عمل أدبي آخر أيا كان صنفه في تأريخ فترة مهمّة لمدينتي باريس ولندن، وكم هي مشوقة ومؤلمة معا تلك الحكايات عن حياة بعض الأشخاص والوقائع التي حدثت معهم، من معاناة وأهوال عايشتها الطبقة العاملة في فرنسا أثناء الثورة. واعتماد رواية قصة مدينتين كمبحث تدريس لدى معظم المدارس الثانوية في مختلف بلاد العالم وتحويلها إلى عدّة أفلام ومسرحيات لم تأت صدفة.

شخصيّا قرأت للروائي الإنجليزي الأشهر تشارلز ديكنز عدّة روايات ولعل أولاها رواية ديفيد كوبرفيلد تلتها لي اوليفر تويست، ورغم المأساة والمرارة التي عاشها بطلا الروايتين وأسلوب الكاتب الفذّ في التصوير إلا أن قصة مدينتين في نظري تفوق كلّ أعمال تشارلز ديكنز الأخرى، واستحقّت عن جدارة أن تحتلّ مرتبة مرموقة في تصنيف روائع الأدب العالمي.

كُتبت هذه الرواية التي تدور أحداثها في لندن وباريس عام 1859 لتؤرِّخ فترة قيام الثورة الفرنسية على النّظام الملكي عن طريق تتبّع حياة لوسي مانيت ابنة الطبيب الفرنسي الكساندر مانيت الذي سُجن في الباستيل مدة 18 سنة ظلمًا، واعتقد أهله بأنّه مات منذ زمنٍ بعيد.

وتبدأ الرواية بجملة افتتاحية تتناقلها الأجيال على مرّ السنين هي:”كان أحسن الأزمان وكان أسوأ الأزمان، كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة، كان عهد الإيمان وكان عهد الجحود، كان زمن النور، وكان زمن الظلمة، كان ربيع الأمل وكان شتاء القنوط..” ويطلعنا الكاتب مشاهد بائسة للطبقة العاملة في فرنسا، ويصوِّر لنا من خلالها الفقر الشديد الذي كان منتشرًا آنذاك، ثمَّ ينقلنا إلى عام 1775 ؛ حيث تسافر لوسي مانيت مع موظف بنك تيلسون من إنجلترا ليخبرها بانَّ والدها لم يمت، وبأنّه ذاهبٌ لإحضاره بعد بحثٍ طويل في ضواحي باريس.

 يصوِّر لنا الكاتب المشهد التالي بدخول لوسي مانيت إلى إحدى الحانات مع السيد ديفارج مساعد والدها يصعدان إلى سطح الحانة؛ حيث يجلس هناك رجلٌ كبير السن يعمل على تصليح الأحذية، وتظهر عليه علامات الاكتئاب؛ لنجدَ بأنَّ هذا الشخص ليس سوى الدكتور الكسندر الخارج من السجن والمقيم عند مساعده القديم ديفارج.

ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى عام 1780 ؛ حيث يتمّ استدعاء الدكتور الكسندر وابنته للشهادة في المحكمة ضدَّ المهاجر الفرنسي تشارلز دارني المتّهم زورًا بالخيانة؛ حيث يصادفان هناك المحامي كارتون والذي يشبه دارني تمامًا فيعدّ وجود شبيه له كدليل على براءته.

يتمّ زواج لوسي ودارني بعد قصّة حب، وفي يوم زفافهما يعترف كارتون بحبه لها أيضًا لتبدأ قصّة صراع من نوعٍ آخر، فقد وعدَ كارتون بالدَّفاع عن لوسي والتضحية من أجلها أو من أجل من تحب.

تتوالى أحداث الرواية بتشابكٍ لذيذ وممتع في ذات الوقت منتهيةً بتنفيذ كارتون الوعد الذي قطعه على نفسه عن طريق إنقاذ دارني من حكم الإعدام وموته بدلًا عنه.

لقد شدّتني الجملة الافتتاحية للرواية، واعتقد أن من قرأ قصة مدينتين يوافقني على أنها واحدة من أفضل الجمل الافتتاحية في عالم الكتابة. أما الجملة الختامية فهي الأخرى رائعة وهي “إن ما فعلتَه أفضل بكثير جداً مما فعلتُه على الإطلاق، وأنها لراحة أفضل بكثير مما عرفتُ على الإطلاق”، و قد حازت الجملتان على إعجاب النقاد و القراء على حدّ سواء.

ومع تصنيف رواية قصة مدينتين على أنها من أحسن الروايات العالمية إلا أنها لم تسلم من النقد اللاذع، وانتقدها الروائي الشهير إدوارد مورغان فورستر بشدّة قائلا: «إن شخصياتها سطحية، وتفتقر إلى العمق والدوافع التي تجعل الشخصية الأدبية واقعية ومقنعة». لكنّ ديكنز ردّ على تلك الانتقادات، موضحاً أنه حين بدأ كتابة الرواية، استحوذت الفكرة عليه، بدل أن يستحوذ عليها. وراحت تسيّره بدل أن يسيرها، فلم يهتم ببناء الشخصيات، وإنما بالأجواء السائدة في لندن وباريس، وهذا ما يحدث عادة لدى كثير من الأدباء والروائيين.

وختاما أحاول هنا ذكر عدد من المسرحيات والأفلام والمسلسلات المأخوذة من قصة مدينتين، والتي لاقت رواجا منقطع النظير، وفاز بعضها بجوائز عالمية. وقد عُرضت تلك المسرحيات والأفلام على الخشبات والشاشات الكبيرة في فترات زمنية مختلفة يعود بعضها إلى مرحلة الأفلام الصامتة.

  •  في المسرح

2013 مسرحية «قصة مدينتين» على مسرح كينغز هيد في العاصمة البريطانية، لندن.

1968ثلاث مسرحيات موسيقية، في أعوام: 1968 و1977 و2012.

2006 مسرحية «مدينتان». كتب نصها المسرحي والأغاني، هورد غودبال وجونا ريد. وجرى فيها نقل الأحداث من باريس إلى موسكو، والثورة الروسية بدل الفرنسية.

2007 مسرحية «قصة مدينتين» 2009-2007، قدمت على مسارح: برودواي ومسرح ساراسوتا ومسرح بريتون كونشيرت في أميركا. فازت بثلاث جوائز كأفضل مسرحية موسيقية.

  • في الأوبرا

1957 أوبرا «قصة مدينتين» من ستة فصول كتب نصها آرثر بنجامين، ووضع ألحانها سادلير ويلز.

2008 أوبرا «قصة مدينتين»، على «مسرح باليه الشمالي» في ليد، بريطانيا.

  • في التلفزيون

1957 ثلاثة مسلسلات تلفزيونية، أنتجتها «بي. بي. سي» سنة 1957 و1965 و1980.

1989 مسلسل تلفزيوني أميركي. تمثيل جيمس ويلبي وسيرينا غوردون.

1980 فيلم تلفزيوني «قصة مدينتين» تمثيل كريس ساراندون وأليس كريغ.

  • في السينما

1911 أربعة أفلام صامتة، أميركية وإنجليزية: 1911 و1917 و1922 و1930.

1935 فيلم «قصة مدينتين» إنتاج أميركي. إخراج جاك كونواي.

1958 فيلم «قصة مدينتين» إنتاج إنجليزي. إخراج رالف توماس.

1991 فيلم «قصة مدينتين» إنتاج إنجليزي فرنسي. إخراج فيليب مونيير.

إلى اللقاء……

عبد الرحمن غوري

كاتب وباحث في الأدب والفلسفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى