لقاء تاريخي بين الرئيسين الجيبوتي والأرتيري في جدة
حدث وتعليق (2)
بدعوة ورعاية سعودية عُقد لقاء تاريخي بمدينة جدة بين رئيس جمهورية جيبوتي إسماعيل عمر جيله ورئيس دولة إريتريا أسياس أفورقي في ثاني لقاء بين زعيمين من القرن الأفريقي في بلاد الحرمين الشريفين؛ حيث أقيمت في جدة قبل أيام قمة جمعت كلا من الرئيس الأرتيري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والتي كانت فرصة تاريخية تُوجت بتوقيع اتفاقية جدة للسلام برعاية المملكة العربية السعودية والأمين العام للأمم المتحدة.
وفي بداية اللقاء عبر كل من الرئيس إسماعيل عمر جيله رئيس جمهورية جيبوتي والرئيس أسياس أفورقي رئيس دولة إريتريا عن بالغ التقدير والامتنان لجهود خادم الحرمين الشريفين وولي العهد في دفع الطرفين إلى فتح صفحة جديدة؛ مثمنين حرص واهتمام المملكة على السلام والاستقرار في المنطقة.
وقد حضر اللقاء وزير الخارجية السعودي عادل الجبير و وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء الدكتور عصام بن سعد بن سعيد.
ويأتي هذا اللقاء بعد 10 أعوام من القطيعة بين جيبوتي وإريتريا على خلفية نزاع حدودي حول منطقة جبيلة الحدودية، والذي أدت إلى مواجهات عسكرية بين البلدين.
التعليق
يشهد القرن الأفريقي لحظة فارقة وحراكا دبلوماسيا يهدف إلى جعل المنطقة واحة سلام واستقرار وفق متطلبات المرحلة، وكانت أولى خطوات المصالحة بين أرتيريا وجيبوتي قد بدأت إرهاصاتها من القرن الأفريقي نفسه، وبجهود من الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو و رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قبل أن يكشف وزير الخارجية الجيبوني محمود علي يوسف عن وساطة سعودية بين البلدين في تغريدة على حسابه تلتها تغريدة أخرى شكر فيها جهود الصومال وإثيوبيا على نزع فتيل الأزمة بين الجارتين.
ويُذكر أن ثاني لقاء بين وزيري خارجية جيبوتي وإريتريا قد جرى بعد لقائهما الأول في جيبوتي بمبادرة صومالية إثيوبية مشتركة أثناء عقد لقاء قمة ثلاثي في أسمرا شهد اتفاقا للتعاون بين البلدان الثلاثة على أمل أن يشمل المنطقة كلها.
تساؤل
يتساءل الكثيرون عن الاهتمام السعودي غير المعهود لمنظفة القرن الأفريقي في الوقت الراهن؛ حيث ترعى مبادرات ومصالحات لجمع صفوف زعماء القرن الأفريقي في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الخليجية أسوأ مراحل تاريخها على الإطلاق؛ ويمكن القول أن الدور السعودي ربما يكون مختلفا عن أدوار بعض الدول الأخرى التي لديها نفوذ ووجود عسكري في المنطقة، إذ أن السعودية تعتبر الطرف الوحيد الذي ليس لديه مشاكل مع أي دولة من دول القرن الأفريقي ما يجعلها مقبولة لدى جميع الأطراف.
وتعتبر السعودية وسيطا مقبولا، بكونها تحظى باحترام كل دول القرن الأفريقي لما تتمتع به من علاقات طيبة تقوم على مبدأ احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبعد استكمال تطبيع العلاقات الجيبوتية – الأرتيرية، ستبقى على القرن الأفريقي أن يجد حلا يعجل من تسوية ملف العلاقات الأرتيرية – السودانية التي شهدت في السنوات الأخيرة نزاعا على أراضي و توترات دبلوماسية وتبادل اتهامات بدعم المتمردين؛ وذلك في إطار الجهود الإيجابية الهادفة لطي صفحة الصراعات في القرن الأفريقي وللأبد.
تكامل اقتصادي
تجدر الإشارة هنا إلى أن المنافسة الإيجابية على موانئ القرن الأفريقي لن تكون عامل صراع بين دول القرن بل يجب أن يكون عاملا مساعدا لنهضة وتحقيق التكامل الاقتصادي لشعوب المنطقة ما يسمح بتدفق السلع والبضائع بحرية ولا قيود؛ وذلك بصرف النظر عن الاعتبارات السياسية، كما أن تطبيع العلاقات الجيبوتية الإريترية سيساهم في تحقيق النمو والتكامل الاقتصادي والقضاء على الفقر والبطالة .
وتعتمد موانئ جيبوتي بشكل أساسي على حاجة إثيوبيا لسد حاجاتها وتأمين منفذ لوارداتها وصادراتها كدولة حبيسة، ومع مصالحة إثيوبيا وإريتريا قد تذهب بعض من حصة جيبوتي إلى موانئ أرتيريا، ولكن لا نتوقع أن يؤثر هذا التقارب الأرتيري الأثيوبي سلبا على موانئ جيبوتي، ولن يعني أبدا أن أثيوبيا سوف تستغني عن استخدامها لموانئ جيبوتي كونها أقل تكلفة وأكثر جاهزية من حيث الجوانب اللوجستية والمواصلات، مقارنة مع موانئ إريتريا التي تفتقر إلى الخبرة وإعادة التطوير والتأهيل، وقد يستغرق هذا الأمر بعض الوقت، فضلا عن وجود قواعد راسخة في مبادئ العلاقات الدولية تقتضي بعدم إمكانية استيلاء حصة دولة ما من دولة أخرى؛ لأن القوانين الدولية تنظم قواعد التجارة كما تنظم حصص المياه لدول المنبع والممر والمصب، ولهذا لا تعد هذه الهواجس مبررا للقطيعة بين الدول؛ لأنه يمكن حل أي خلاف بالتفاوض أو اللجوء للتحكيم الدولي.
وبشكل عام، فإن حل أزمة القرن الأفريقي قد تلهم الأطراف الفاعلين في الأزمة الخليجية، وتكون بارقة أمل تؤدي إلى إحداث انفراجة في القطيعة الدبلوماسية، وتدشين حوار بين أطراف الأزمة، على أمل أن يفضي ذلكم في نهاية المطاف إلى حلحلة المشكلة العربية في داخل البيت العربي.