مبادرة الرئيس للحوار بالصومال … خطوة نحو المصالحة الوطنية أم محاولة لكسب الوقت؟

لم يكن إعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عن دعوة القيادة السياسية والاجتماعية إلى اجتماع وطني شامل مجرد خطوة عابرة في المشهد السياسي المضطرب، بل بدا وكأنه إقرار متأخر بحجم الأزمات العويصة التي تعصف بالبلاد. فبعد ثلاث سنوات من سياسة التفرد واتخاذ القرارات بمعزل عن توافق وطني، يجد الرئيس نفسه اليوم أمام واقع معقد، حيث تتصاعد التهديدات الأمنية مع اقتراب الجماعات الإرهابية من أسوار العاصمة مقديشو، بينما تستمر الخلافات السياسية في عرقلة أي محاولات جادة للخروج من المأزق؛ هذه الدعوة تطرح تساؤلات جوهرية حول دلالاتها وتوقيتها: هل هي انعطافة حقيقية في نهج إدارة الدولة، أم مجرد محاولة لاحتواء الغضب الداخلي والضغوط الخارجية؟ وهل يمكن أن تفضي إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي بطريقة تضمن استقرارًا مستدامًا، أم أنها مجرد خطوة تكتيكية تهدف إلى كسب الوقت وإعادة التموضع في مواجهة تحديات متزايدة؟
في هذا التقرير، نسلط الضوء على السياقات السياسية والأمنية التي أحاطت بهذه المبادرة، ونحلل مدى واقعيتها وفرص نجاحها في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية، بالإضافة إلى استكشاف السيناريوهات المحتملة لمستقبل الصومال في ظل هذه التطورات.
دوافع ودلالات مبادرة الرئيس:
بحسب مصدر مطلع، فإن إطلاق الرئيس حسن شيخ محمود لمبادرته الوطنية جاء في سياق ضغوط دبلوماسية مكثفة مارستها الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا. فقد أفاد المصدر بأن المبادرة جاءت عقب اجتماع غير معلن جمع الرئيس بسفيري البلدين في مطار مقديشو، أثناء عودته من زيارة رسمية إلى تركيا، وهو ما يعكس حجم الضغوط الدولية التي دفعته إلى إعادة النظر في نهجه السياسي إلى جانب العوامل الخارجية، فإن التحديات الأمنية المتفاقمة لعبت دورًا محوريًا في دفع الرئيس نحو هذه الخطوة. فقد شهدت البلاد تصاعدًا غير مسبوق في هجمات حركة الشباب، التي باتت تهدد العاصمة مقديشو بشكل مباشر، ما كشف عن محدودية الخيارات المتاحة أمام الحكومة في احتواء الوضع. ورغم إعلان الحملات العسكرية المتكررة، لم يتمكن الرئيس من تحقيق اختراق حقيقي في المواجهة مع التنظيم، الأمر الذي أضعف موقفه سياسيًا، وأجبره على البحث عن حلول بديلة عبر الحوار الوطني.
وبالنظر إلى هذا السياق، تبدو المبادرة محاولة لإنقاذ موقف سياسي هش أكثر من كونها استراتيجية مدروسة لحل الأزمة، مما يثير تساؤلات حول مدى جديتها وإمكانية تحولها إلى نقطة انطلاق لمصالحة وطنية حقيقية، أم أنها ستظل مجرد خطوة تكتيكية تحت ضغط الظروف الراهنة.
ترحيب حذر للمبادرة
لقيت مبادرة الرئيس محمود للحوار الوطني ترحيبًا من قِبَل شخصيات سياسية بارزة وكيانات إقليمية، حيث أصدر كل من الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، ورئيس الوزراء الأسبق حسن علي خيري، والسياسي النائب المعارض عبد الرحمن عبد الشكور بيانًا مشتركًا رحبوا فيه بالدعوة، مؤكدين على أهمية توضيح أجندة الحوار، وتوقيته، وآلية مشاركة الأطراف المختلفة لضمان نجاحه وتحقيق توافق وطني حقيقي وفي السياق ذاته، أعلنت ولاية جوبلاند دعمها للمبادرة، حيث أكد حاكمها أحمد مدوبي، خلال خطابه بمناسبة صلاة عيد الفطر، ترحيبه بالدعوة، مشددًا على ضرورة الحوار والتشاور كمدخل أساسي لمعالجة القضايا الوطنية العالقة، مما يعكس توافقًا متزايدًا حول أهمية الحلول التوافقية لمستقبل البلاد وفي حين لم تُصدر حكومة ولاية بونتلاند حتى الآن أي بيان رسمي بشأن المبادرة سوى تصريح وزير اعلامها بأن الولاية مشغوله بالحرب ضد الارهاب في جبال علمسكاد، مما يترك تساؤلات مفتوحة حول موقفها النهائي ومدى استعدادها للانخراط في مسار الحوار الوطني.
تعقيدات المشهد الداخلي في الصومال:
تواجه الحكومة الفيدرالية في الصومال تحديات سياسية معقدة تعيق الاستقرار وتعزز حالة الانقسام الداخلي. وتتصدر التعديلات الدستورية المثيرة للجدل، ومسألة توزيع السلطات والصلاحيات بين المركز والولايات، قائمة القضايا الخلافية التي أججت التوترات في السنوات الأخيرة وفي الوقت ذاته، لا تزال أزمة الانتخابات تمثل عقبة رئيسية أمام تحقيق توافق سياسي، في ظل انعدام الثقة بين الحكومة والمعارضة. فرغم الدعوات المتكررة للحوار، تظل الأطراف السياسية متباينة في استعدادها للانخراط في محادثات جادة، وسط غياب ضمانات واضحة لتنفيذ مخرجات أي اتفاق، مما يثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق انفراج حقيقي في الأزمة ، وتأتي الخلافات مع جوبلاند وبونتلاند ضمن الملفات العالقة التي تسهم في تعقيد الوضع الداخلي في الصومال. فالعلاقة مع جوبلاند، بقيادة أحمد مدوبي، شهدت توترات كبيرة وصلت إلى حد المواجهات العسكرية في بعض المناطق الحدودية. تعود جذور هذه الأزمة إلى النزاع حول قضايا سياسية، خاصة بعد اعادة انتخاب أحمد مدوبي لولاية رئاسية جديدة، كما تتبنى جوبلاند نهجًا مستقلًا في إدارة أمنها، وهو ما تعتبره الحكومة الفيدرالية انتهاكًا لسلطة الدولة المركزية، خاصة وأن الولاية تُعد جبهة استراتيجية في الحرب ضد حركة الشباب.
في تطور جديد للأزمة، أصدرت محكمة إقليم بنادر أمرًا بالقبض على الحاكم أحمد مدوبي، بتهم تتعلق بالخيانة، وانتهاك الدستور الصومالي، وتسريب معلومات وطنية حساسة إلى جهة أجنبية. كما تقدمت المحكمة بطلب إلى منظمة الإنتربول للمساعدة في احتجازه. غير أن مسؤولي جوبلاند رفضوا هذه الاتهامات، معتبرين أنها ذات دوافع سياسية تهدف إلى تقويض استقلالية الولاية وإضعاف موقف قيادتها في مواجهة الحكومة الفيدرالية وأما على صعيد العلاقات مع ولاية بونتلاند، فقد وصلت إلى قطيعة سياسية شبه تامة منذ عام 2022، في ظل تبني حاكمها، سعيد عبد الله دني، موقفًا معارضًا للحكومة الفيدرالية. وتصاعدت الخلافات بين الطرفين بسبب الصراع على الموارد الطبيعية، خاصة النفط والثروات الساحلية، إلى جانب مطالبة بونتلاند بمزيد من الاستقلالية في صنع القرار، وهو ما يتعارض مع سياسة الحكومة الفيدرالية الساعية إلى فرض سلطتها على جميع الولايات. هذه التوترات السياسية المستمرة تعمّق حالة الانقسام الداخلي، ما يجعل فرص تحقيق توافق وطني أكثر تعقيدًا.
التأثيرات الإقليمية والدولية:
على الصعيد الإقليمي، تتابع القوى الإقليمية في المنطقة مثل إثيوبيا وكينيا وجيبوتي الوضع عن كثب، إذ أن استقرار الصومال يعد أمرًا حيويًا لأمن واستقرار القرن الأفريقي. بينما يمكن أن تعزز المبادرة المصالحة الوطنية وتحقق استقرارًا سياسيًا، فإنها ستتطلب دعماً إقليميًا قويًا لضمان نجاحها من الدول الجارة، خاصة إثيوبيا وكينيا، قد تكون على استعداد لتقديم الدعم السياسي واللوجستي إذا كانت المبادرة ستؤدي إلى تحجيم تهديدات الجماعات الإرهابية، مثل حركة الشباب، وهو ما يعكس مصلحة مشتركة في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
أما على الصعيد الدولي، فإن القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا قد تكون حريصة على دعم هذه المبادرة إذا أسفرت عن توافق سياسي داخلي يؤدي إلى تقليل الصراع وتعزيز حكم القانون والدعم الدولي قد يتخذ شكل المساعدات المالية أو الدعم الفني لمؤسسات الدولة، بالإضافة إلى الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية. لكن، مع ذلك، سيظل الموقف الدولي مرتبطًا بمدى جديّة الحكومة الفيدرالية في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وضمان احترام الحقوق السياسية والعدالة الانتقالية وفي حال تحقق توافق سياسي داخلي، فإن ذلك قد يعزز من موقع الصومال في المجتمع الدولي، مما يسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الكبرى والمنظمات الدولية، ويخلق فرصًا للتعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وتحقيق التنمية الاقتصادية.
فرص نجاح المبادرة وآفاق المصالحة:
تُعدّ المبادرة الرئاسية خطوة هامة نحو المصالحة الوطنية في الصومال، لكن نجاحها يعتمد بشكل كبير على مدى جدية الحكومة في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني. إذا كانت الحكومة قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه تنفيذ الإصلاحات السياسية، وإلغاء التعديلات الدستورية المثيرة للجدل، وإيجاد حلول للملفات العالقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، فإن الفرص ستكون أكبر لتحقيق توافق سياسي شامل. إلا أن هذا يتطلب أيضا تقديم ضمانات حقيقية للأطراف المختلفة، لا سيما حكام الولايات الأعضاء في الدولة الفيدرالية، لتنفيذ الاتفاقات بشكل فعّال ومن ناحية أخرى، إن تحقيق توافق سياسي حقيقي بين الأطراف المختلفة لا يزال أمرًا صعبًا نظرًا للانقسامات العميقة والتحديات المستمرة التي تواجهها الحكومة مع الولايات مثل جوبلاند وبونتلاند. فضلاً عن أن المعارضة التي تملك تحفظات كبيرة تجاه الحكومة قد تتردد في الانخراط بشكل كامل في أي عملية حوار إلا إذا تم توفير ضمانات كافية لتنفيذ نتائج الحوار.
أما بالنسبة للسيناريوهات المحتملة لمستقبل الصومال، فإن نجاح المبادرة قد يؤدي إلى استقرار سياسي نسبي، مع تعزيز الوحدة الوطنية والقدرة على معالجة القضايا الأمنية والاقتصادية بشكل أكثر فاعلية. في المقابل، إذا فشلت المبادرة أو لم تُنفذ بشكل صحيح، قد تزداد حدة الانقسامات السياسية والأمنية، مما يعزز من استمرار حالة الاستقطاب السياسي ويزيد من تعقيد الوضع الداخلي في البلاد.
في النهاية، ستظل قاعدة اللعبة السياسية في الصومال رهينة لتطورات هذه المبادرة وحجم النجاح في تحقيق توافق وطني حقيقي.