مشروع القرن الأفريقي الكبير.. إلى أين؟
ما يجري في القرن الأفريقي من تطورات يشبه من جوانب كثيرة بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تداولته الأوساط الغربية في بداية الألفية الثالثة. ويقوم هذا المشروع على إعادة تقسيم خريطة الشرق الأوسط وتفتيت الدول الكبيرة الموجودة مثل العراق وسوريا والسعودية ومصر إلى دويلات وكانتونات صغيرة على أسس طائفية أو عرقية.
ويقوم المشروع أيضا على دمج هذه الدول في مشروع ظاهره شراكة اقتصادية تكون إسرائيل جزءا منه ومهيمنة عليه؛ ولكنه في الباطن مشروع إمبريالي مصمم للحفاظ على مصالح الدول الكبرى وحلفائهم دون الأخذ في عين الاعتبار بمصالح دول المنطقة.
لدي شك كبير في أن تحصل كل هذه التطورات بهذا الحجم وبهذه السرعة في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم مثل منطقة القرن الأفريقي دون علم الدول الكبرى إذا لم يكن ذلك بتخطيط مباشر منها أو غير مباشر بواسطة حلفائها في المنطقة. وهنا يمكن لنا أن نفهم الوجود الإماراتي في هذا التطورات ودورها في الوصول إلى اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا والدعم المالي الكبير الذي قدمته إلى إثيوبيا لدعم اقتصادها حتى لا يتعرض لخطر الانهيار. وكذلك السعودية ودورها الخفي في تقريب وجهات النظر بين جيبوتي واريتريا حسب ما أعلنه وزير الخارجية الجيبوتي محمد يوسف.
ليست مفاتيح هذه الأحداث المتلاحقة في المنطقة لدى عراب هذه التطورات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي احمد كما يظهر في سطح الأحداث وإنما في العمق هناك قوى خارجية إقليمية ودولية تحرك هذه الأحداث وتتحكم فيها لتحقيق مصالحها.
وَمِما يؤكد شكوكنا هو هذه الخطوات السريعة التي يتخذها أبي أحمد وضربه يمينا وشمالا دون الالتفات إلى إي عواقب خطيرة يمكن أن تترتب على خطواته تلك وكأنه ينفذ خطة معدة سلفا كانت تنتظر التنفيذ. ويمكن أن تكون تلك القوى الكبرى قد أعطت لأبي أحمد دور قيادة تلك التغيرات المطلوبة في المنطقة، وقد يكون قد حصل على وعود لتكون الدولة الإثيوبية هي المهيمنة والمسيطرة على الدول الأخرى في مشروع الشرق الأفريقي الكبير مثلما كانت إسرائيل هي المهيمنة في مشروع الشرق الأوسط الكبير مقابل لعب إثيوبيا دور القيادة في هذا المشروع وتسويقه لدي الدول الأخرى في المنطقة.
وهذا ما أكده بوضوح الجنرال المتقاعد في المخابرات السعودية أنور عشقي في كلمة له أمام مجلس الشئون الخارجية الأمريكي في عام ٢٠١٦، إذ أنه تحدث عن الترابط بين الشرق الأوسط الكبير والقرن الأفريقي الكبير، وتحدث عن الحقل النفطي في إقليم أوغادين ( إقليم تقطنه القومية الصومالية في إثيوبيا) وذكر أن هذا الحقل سيوحد القرن الأفريقي بقيادة إثيوبيا، ووعد أيضا بتدشين جسر سماه جسر النور بين جيبوتي واليمن يربط بين الجزيرة العربية والقرن الأفريقي. وفِي لقاء آخر أجرته معه جريدة الوطن السعودية في يناير عام ٢٠١٧ ذكر اللواء المتقاعد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد خططت في المستقبل لإنشاء اتحاد فيدرالي بين دول القرن الأفريقي بقيادة إثيوبيا.
وفِي هذا الإطار يندرج أيضا التصريح الذي أطلقه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بعد أول زيارة له إلى الصومال ولقائه مع المسئولين الصوماليين، إذ صرح في أديس أبابا أنه والمسئولين الصوماليين اتفقوا على التوحيد بين الدولتين في المستقبل، ولم يصدر عن الحكومة الصومالية حتى الآن أي تعليق رسمي ينفي أو يثبت هذا الكلام.
وليس للصومال أي دور أو إستراتيجية واضحة في هذه التطورات إلا دور المسايرة أو المماهاة مع الدور الإثيوبي موهمة للبعض أنها شريكة في توجيه التطورات الجارية. وقد تماهت جميع الحكومات الصومالية المتعاقبة منذ انهيار الدولة الصومالية مع سياسات أقلية التيجراي التي كانت تحكم في إثيوبيا قبل هذا الغليان الأخير، وتخلصت من جميع الأوراق المؤثرة في يدها لصالح تقوية نفوذ التيغراي حتى وصل الأمر بالحكومة الصومالية الحالية إلى أن أعلنت جبهة تحرير أوغادينيا بأنها منظمة إرهابية، وقامت بتسليم أحد مناضليها إلى الحكومة الإثيوبية دون النظر إلى ما يشكل ذلك من خسارة كبيرة لدورها التاريخي في المنطقة، وتصفية آخر أوراقها في يدها إرضاء لنخبة التيجراي في إثيوبيا فلا هم كسبوا رضى التيغراي ولا هم احتفظوا بالموقف الأخلاقي للوقوف إلى جانب قضية إخوانهم المضطهدين في إثيوبيا.
منطقة القرن الأفريقي في مفترق طرق، وهناك كرة ملتهبة أُطلقت فيها، وما زالت متدحرجة حتى الآن، ولا نعرف مصيرها وضحاياها من الأفراد والدول؛ ولكن الشيء المؤكد هو أن القرن بعد هذه التطورات لن يكون القرن قبله، فقد تختفي دول عن الخريطة وتطهر دول أخرى، وقد تتفتت دول وتتوحد أخرى في خارطة إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة.
بقلم: عبد الواحد عبد الله شافعي