مظاهر الاسلام في كينيا… انطباعات ومشاهدات
في اليوم الثالث من زيارتي لنيروبي وفي الحادي عشر من شهر اغسطس جاء يوم الزينة فاستيقظت مبكرا على اهبة الاستعداد لصلاة العيد. كنت اظن ان الصلاة ستقام في المسجد الجامع القريب من مكان اقامتي حتى هاتفني احد الاخوة في الساعة السابعة فاخبرني ان الصلاة لا تقام في المسجد الجامع وانما تقام في ساحة مفتوحة تسع الناس جميعا. اخذت منه عنوان الساحة. وفِي الساعة الثامنة اقتلني سيارة أجرة ، وما ان اقتربنا من المكان حتى سمعت دوي تكبيرات العيد في الارجاء عن طريق مكبر اصوات مثبّتة في أركان الساحة التي هي عبارة عن ملعب رياضي لمدرسة ثانوية.
ولما نزلت من التاكسي دلفت متخشعا إلى الجمع واخترت الجلوس حيث انتهى بي المجلس كراهة تخطي رقاب الناس المنهي عنه في الاثار. وشرعت متذللا أكرر التكبيرات بعد تكبيرات الامام حتى جاء وقت الصلاة في الساعة التاسعة فصلى بِنَا الامام ثم قام خطيبا يعد ويوعد ويبشر وينذر ويرغب ويرهب ويحذر من عواقب التفرق والاختلاف ويؤكد على أهمية التوافق والتعاون. ولما قضى خطبته انفضّ الجمع مهللين مستبشرين متعانقين يهنى بعضهم بعضا لفرحة هذا اليوم العظيم.ومما زاد من بهجة العيد الاضحى في هذه السنة ان الرئيس الكيني اهورو كينياتا أعلن في شهر هو رمضان في زيارة له للمسجد الجامع اعتبار الأعياد الاسلامية أعيادا وطنية رسمية.
الوجود الاسلامي في كينيا قديم يرجع الى القرن الأول الهجري على أيدي تجار العرب المسلمين في مدن السواحل. فمظاهر هذا الوجود الاسلامي قوية في مدينة نيروبي وبادية للعيان في جميع ألوان الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المدينة. ويقدر المسلمون في كينيا حوالي ٣٠٪ اي حوالي الثلث من مجموع عدد السكان الذي يبلغ ٥٠ مليون نسمة. والمسلمون في كينيا تتوفر لهم حرية نسبية في ممارسة دينهم وإقامة شعائرهم وبناء دور عبادتهم. وعلى الرغم من ذلك فليست خافية على احد التأثيرات السلبية التى تركتها ما يسمى بالحرب على الارهاب في العلاقة بين المسلمين والحكومات الكينية المتعاقبة، اذ ان القوات الأمنية الكينية متهمة باستهداف المسلمين وتضييق حرياتهم تحت غطاء الحرب المشئوم على الارهاب الذي يوازي في كثير من تطبيقاته الحرب على الاسلام والمسلمين.
المسجد الجامع الواقع على قلب مدينة نيروبي يعتبر الحصن الحصين للمسلمين وابرز معلم من معالم الاسلام فيها. أول ما يلفت نظرك الفن المعماري الجميل للمسجد ومساحته الكبيرة ومناراته الشاهقة وساحاته الواسعة الفسيحة. وعند ارتفاع الاذان في المسجد ترى افواجا من المسلمين يهرعون اليه. وبين الآذان والإقامة يلقي الخطيب موعظة باللغة السواحلية حتى وقت الإقامة. وقد لاحظت بالمنطقة المحيطة بالمسجد محلات سُميت باسم المسجد مثل Jamia coffee ( مقهى الجامع) و Jamia restaurant ( مطعم الجامع) وما الى ذلك، فسالت احد الأصدقاء فأخبرني ان هذه المحلات والدكاكين كلها استثمارات للمسجد الجامع.
ومن ضخامة المساجد كنت لا أتبين في اليومين الاولين مداخل المسجد ومخارجه حتى أضعت احد فردتي حذائي. ولضياع حذائي قصة طريفة اذ اخبرني احد أصدقائي ان هناك في مساجد نيروبي ظاهرة سرقة نعال المصلين ونصحني بأن افرق بين النعالين ولا أجمعهما في مكان واحد فعملت بنصيحته ووزعت نعلاي في مدخلين مختلفين لتمويه السارق، فبعد الصلاة عثرت على نعل واحد ولم أهتد الى مكان الاخرى فشرعت أدور في مداخل المسجد كالهايم على وجهه ولا اري اي اثر لنعلي. وكان صديقي ينتظرني في الخارج، ولما استبطاني هاتفني قائلا أين انت؟ فقلت له في المسجد ابحث عن حذائي. وبعد لأي وجدت توأم حذائي فكنت كمن اراد ان يخدع السارق فخدع نفسه او ان يموَّه غيره فلم يموَّه الا نفسه.
الأفريقي مسلم بالفطرة ودين الاسلام مستقبل القارة الافريقية. فالأفريقي مؤمن بفطرته على قوة عليا قاهرة تدبر هذ الكون، فمن اليسير عليه ان يفهم بسهولة عقيدة التوحيد الاسلامية البسيطة دون تعقيدات والغاز. يفهم وحدانية الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احدا. هذه هي العقيدة الاسلامية كما عرضها القران في وضوحها وفِى بساطتها وذلك فبل نشوء الفرق الاسلامية والمذاهب الجدلية في العقيدة. فإذا كان الأفريقي يجد فطرته في العقيدة الاسلامية فانه يلقى صعوبة كبيرة في استيعاب تعقيدات العقيدة المسيحية القائمة على الأقانيم الثلاث الغامضة، وهي الى مفاهيم الفلاسفة اقرب منها الى توحيد الله ولن تلج في راْس أفريقي في فطرته حتى يلج الجمل في سم الخياط.
وهناك مبدأ اخر مهم يجعل الأفريقي ينجذب الى الاسلام بطبيعته وهذا المبدأ هو مبدأ المساواة. فلا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى ولا تمييز على أساس الحنس او العرق او الطبقة او غير ذلك مما يميز الانسان بينه وبين أخيه الانسان. فلن يجد الأفريقي مهما عاند دينا غير الاسلام يعلى قيمة المساواة ويكره العنصرية والتمييز. لذلك الاسلام انتشر في القارة الافريقية معتمدا على قوته الذاتية وعلى مبادئه السامية على يد تجار مسلمين كانوا قدوة في سلوكهم ومعاملاتهم يخالطون الافارقة ويعاملونهم ويسكنون بينهم ويتزوجون منهم ويصاهرونهم. وكما كان الاسلام بالامس عنصر تحرير لشعوب العالم المضطهدة فكذلك تراه اليوم ملجأ للأمم المقهورة التي تستشعر الظلم والتمييز في قارات العالم.
حملات التبشير المنظمة في أفريقيا مع بذل فيها من أموال ودعم من الهيئات والسلطات لم تستطع إيقاف المد الاسلامي وانتشاره في افريقيا. ويشعر الأفارقة في قرارة انفسهم بالهوة النفسية بينهم وبين المبشرين، فقلّما ترى مبشرا يخالط الافارقة ويتزوج منهم ويصاهرهم كما يفعل الدعاة المسلمون أينما حلوا. ويرى الأفريقي الى المبشرين نظرة ريبة وشك مهما تطاهروا بالإخلاص. ويروى ان الرئيس الكيني قال خدعنا المبشرون المسيحيون اذ وعدونا بمملكة السماء ثم اغتصبوا ارضنا.
بساطة العقيدة الاسلامية ووضوحها مع مبادئ الاسلام في المساواة والاخوة تجعل الاسلام ه الدين الوحيد الذي يوافق الفطرة التي فطر الله الافارقة عليها.
مع ذلك فرص مازالت فى كينيا خاصة ان الدولة سمحت تدريس اللغة العربية. من الأساس
يجب. ان نهتم بهذا الأجانب وكذلك تطوير الثقافة الاسلامية فى المدارس الدولة والجامعات
الدولة سمحت تدريس مادة الدين