تواجه السياسة الخارجية الصومالية معضلات كبيرة، تتمثل في انتشال صورة البلد المشوهة من أنقاض “الصوملة” “والدولة الفاشلة” التي التصقت اسم الصومال طوال العقود الثلاثة الماضية، وتكريس جهودها في محاولة تغيير تلك الصورة النمطية، بالإضافة إلى استعادة مكانتها الإقليمية والدولية وحضورها في الساحة العالمية؛ حيث إن غياب الصومال عن الساحة الدولية والإقليمية، بفعل الظروف السياسية الصعبة التي مر بها طوال العقود الثلاثة الماضية، والتي شهدت فيها المنطقة تغيرات كبيرة على المستويين السياسي والديموغرافي، أدت إلى اختلال التوازن في ميزان القوة في المنطقة.
علاوة على التحديات التي تفرضها البيئة الداخلية من ضبابية الأوضاع السياسية المتدهورة وانعكاساتها على الأداء السياسي الخارجي للصومال، إلى جانب التحديات التي تفرضها البيئة الخارجية، لاسيما فيما يتعلق بضمان استمرار الدعم الأممي لإنجاح العملية السياسية الصومالية وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، مما يتطلب إلى بناء الثقة بين النظام السياسي والدول المانحة، وهذه المسئولية تقع على عاتق الوزارة الخارجية الصومالية.
-
الأزمة الخليجية
وقد وجدت السياسة الخارجية الصومالية نفسها في مأزق صعب نتيجة التوترات وحالة الاحتقان في أجواء منطقة الخليج العربي، إثر المقاطعة الدبلوماسية لبعض الدول الخليج على دولة قطر وفرض الحصار عليها متهمة بدعم الإرهاب والجماعات المتطرفة – وهو ما تنفيه قطر – وبالتقرب من إيران.
وكان الموقف الصومالي من الأزمة هو البقاء على الحياد، ورغم تعرضها الكثير من الضغوط بسبب موقفها المحايد إلا أنها ظلت متمسكة به. وألقى الخلاف الخليجي المرير ظلاله على الوضع الداخلي في الصومال الذي بات منقسما ما بين موقف الحكومة الاتحادية المحايد وموقف الولايات الفيدرالية الذي يرى أن الفوائد الاقتصادية لدعم السعودية والإمارات أكبر من تلك الناجمة عن موقف حيادي؛ ما شكل عاملا جديداً وخطيراً يضاف إلى عوامل عدم الاستقرار في الصومال.
كما أثرت الأزمة الخليجية العلاقات بين الصومال ودولة الإمارات، على خلفية انزعاج الحكومة الصومالية علاقات أبوظبي مع الأقاليم الفيدرالية وشخصيات سياسية نافذة، في محاولة لإضعاف موقف الحكومة المركزية من الأزمة الخليجية، وتوقيع الإمارات عقد تشغيل ميناء بربرة مع حكومة إقليم أرض الصومال(غير المعترف بها) وإقامة قاعدة عسكرية على أراضي الإقليم، دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية، وهو ما قد وجدت السلطات الصومالية ما يكفي من دواعي التحرك لوقف ما تراه تدخلا إماراتيا في شؤونها الداخلية وانتهاكا لسيادتها الوطنية.
ومما لا شك فيه أن السياسة الخارجية لأي دولة انطلاقًا من تعبيرها عن سلوكها الخارجي تتأثر بالحالة أو الوضعية التي هي عليها البيئة الدولية أو النسق الدولي، الذي تتفاعل فيه الدولة مع غيرها من الدول، وتتحدد الصورة التاريخية لهذا النسق الدولي تبعًا لعنصرين أساسيين هما؛ بنية النسق وذلك من حيث عدد أعضائه وعدد قواه القطبية، ونمط التفاعلات السائدة في إطار هذا النسق، والتي تتمثل في القواعد السلوكية التي تحكم العلاقات بين أعضائه.
أضف إلى ذلك المتطلبات التي تفرضها ظروف البيئة الدولية ومتغيراتها المتواصلة عبر المراحل الزمنية المتعاقبة، والصومال جزء من تلك المنظومة، وليست بمعزل عن المتطلبات التي تفرضها عليها هذه البيئة، والتي تشكل محددًا من محددات سياستها الخارجية ضمن علاقة ثنائية ومتبادلة التفاعل ترتكز على عنصري التأثير والتأثر.
-
التغييرات الوزارية
إضافة إلى ما سبق؛ هناك معضلة أسياسية أدت إلى بتقزيم الأداء المؤسساتي وتعطيل الدور الوظيفي للسياسة الخارجية الصومالية. وهي معضلة التغييرات الوزارية الطارئة.
بما يشبه هواية حب التغيير لدي المهوسين، ظلت التغييرات الوزارية بمثابة تسلية مثيرة لدى النخب السياسية الصومالية، أو ربما أحيانا صارت الرقصة المفضلة التي يلجأ إليها الهرم السياسي، إما لتمديد البقاء وإطالة المدة (prolonging) في الحالة التي يواجه الهرم مشكلة التعايش مع جزيئاته ويدخل فيها مأزق صراع مكوناته لتفادي السقوط الجماعي في هوة الإفلاس السياسي( مسلسل الخلافات داخل السلطة التنفيذية… الرئيس vs رئيس الحكومة على سبيل المثال) أو لقتل الملل والهروب عن الواقع المتهالك، في حالة الاحتقان والوهج السياسي المتلهف على التغيير والذي يتوقع منه الجميع أن تكون له نتائج عملية على صعيد إجراء تحسين ملموس يتناول المشكلات الأمنية، السياسية، الاجتماعية والاقتصادية.
وعلى الرغم من وجود قناعة تامة لدى الأطراف السياسية تقطع الشك باليقين من عبثية تلك الخطوة وأن أي تغيير وزاري لن يحدث تبديلا ايجابيا في الوضع السائد، إلا أنها كانت دائما النقلة الوسطية والبديل الأفضل الذي يضمن حفظ ماء الوجه للطرف الأقوى في اللعبة..
أصبحت ظاهرة التغيير الوزاري تلازم العمل الحكومي خلال السنوات الأربعة عشر الماضية، ولم تكن الدوافع ولا القصد شريفا يتجاوب مع متطلبات ورغبات الشارع. وبما أن التغيير الوزاري ليس سلبيا في كل الأحوال، إذا كان الهدف منه القضاء على مراكز القوى القديمة وتبديلها بكفاءات وخبرات نوعية جديدة، أو أسلوبا ذكيا يرسخ ثقافة الانتقال السلس والسلمي للسلطة وتواصل الأجيال وليس الصراع بينهما ولمواكبة متطلبات العصر عبر التقنيات وعبر الفكر المتواصل. إلا أن سلبياته تتجسد أكثر عندما يكون الهدف منه تغيير الأشخاص دون وجود رؤية واضحة.
التغييرات الوزارية الطارئة كانت ولا تزال عقبة في سبيل العمل الحكومي للمضي قدما، ويهدد الاستقرار المؤسساتي في الصومال، فالوزير الذي يجد نفسه بمرمي التعديل الوزاري ويتوجس من قرب خطر التغيير لن يقدم الكثير، ولن يرجى منه أن ينجز شيئا في بلد انهار فيه النظام البيروقراطي، ويعاني من ضعف النظام المؤسساتي.
ويمكن القول أن هذه المعضلة أثرت سلبا على العمل الوزاري بشكل عام وعلى عمل الوزارة الخارجية بشكل خاص؛ حيث أدت التغييرات الوزارية الطارئة إلى تخبط بوصلة السياسة الخارجية الصومالية، وعدم بلورة اتجاهاتها ومحدداتها تجاه البيئة الدولية.
إن تغيير وزراء الخارجية ليس تغيير أشخاص بقدر ما هو تغيير في السياسة الخارجية نفسها، ولأن السياسة الخارجية الصومالية بحاجة ماسة إلى الثبات في العمل على قدر الديمومة في متابعة الأهداف واستقرار مؤسساتي في المرحلة الراهنة، ولتنبؤ موقعها في المسرح العالمي مجددا يستلزم وجود وزارة خارجية قادرة برسم وتنفيذ سياسات الدولة الخارجية وفقا لمبادئ ونصوص الدستور، وتكون قادرة على التنبؤ بالأزمات، وتحديد الأولويات والقرارات التي يجب على الدولة اتخاذها تجاه القضايا الدولية والإقليمية، سواء على وجه السرعة أو في القريب العاجل. ولا يمكن لهذا الأمر أن يتحقق سوى تفعيل دور وزارة الخارجية الصومالية، وإتاحة الفرصة للقيام بهذه المهمة والمسؤولية العظيمة.
وأخيرا؛ نشير إلى أن السياسة الخارجية لأي دولة تستهدف حماية مصالحها وتحقيق أهدافها في المجال الخارجي، بما يتناسب مع حجم والموقع الحيوسياسي والقدرات الحقيقية للدولة؛ حيث تبحث لنفسها عن دور إقليمي أو دولي يسمح لها تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وقد تتوجه إلى محاولة إقرار أو تغيير الوضع الراهن للعلاقات الدولية، وذلك بما يتلاءم مع استراتيجياتها ومصلحتها القومية. ويعتمد نجاحها على مدى توظيف القدرات وتسخير الإمكانيات اللازمة لتحقيق مجموعة الأهداف المرسومة. والسياسة الخارجية الصومالية، على غرار أي سياسة خارجية لدولة أخرى تتأثر بمختلف المتغيرات والأحداث، التي تفرضها عليها بيئتها الداخلية. بالإضافة إلى تبعات الوضع السياسي الهش الذي يلقى بظلاله آفاق السياسة الخارجية الصومالية ويحدد تحركاتها واتجاهاتها.