مقدمة
في عام 2019 قمت بزيارة إلى كل من صوماليلاند وبونتلاند، وحاولت تقييم الأوضاع في الإدارتين ولكن عدلت فكرة تناول الموضوع من هذه الزاوية؛ وذلك بعد أن أدركت الفرق الشاسع بين النظامين رغم أن تسليط الضوء على مكامن النقص يعد أمرا إيجابيا، ولكن بعد اندلاع أزمة بوصاصو وتطورها إلى مواجهات مسلحة لم أجد بدا من تناول أوجه القصور في نظام الولاية والذي لا يختلف عن باقي مناطق البلاد.
جذور الأزمة
إن جذور المشكلة تعود إلى دور شيوخ العشائر الذين يمسكون بخيوط اللعبة السياسية كمرجعية للنظام رغم مرور أكثر من عقدين على تأسيس الولاية وتطور أجهزة الدولة والتعويل المبالغ فيه على حل الخلافات التي تنشأ أحيانا بين الدولة والعشائر من جهة وبين أجهزة الدولة نفسها علي شيوخ العشائر، ولذا فإن هذا الاعتماد ا استهلك دور شيوخ العشائر وأفقدهم الهيبة والثقة التي كانوا يحظون بها سابقا لاعتبار بعضهم جزء من اللعبة السياسية.
قوات مدعومة من قبل جهات أجنبية
أنشئت قوات أمن بونتلاند (PSF) في عام 2001 لمحاربة الإرهابيين بدعم وتمويل أمريكي خارج نطاق دستوري ومن دون عمل التنسيق اللازم بينها وبين أجهزة الدولة الأخرى، وكذلك أنشئت قوت شرطة خفر السواحل (PMPF) بدعم وتمويل إماراتي، لذلك حاول كل الحكام المتعاقبين في الولاية تسوية وضع هذه القوات ضمن القوات النظامية التي تندرج تحت قوات بونتلاند ولكن لم تنجح هذه المحاولات سابقا، وبدوره حاول الحاكم الحالي معالجة إشكالية هذه القوات من خلال تعيين قادة جدد للقوات النظامية وقوت بونتلاند لحماية السواحل، وعندما أصدر مرسوما بتعيين قائد جديد لقوات PSF رفض القائد المعفى تسليم المهام للقائد الجديد حتى يتم التفاهم علي بعض الأمور المالية والأسلحة والمعدات التي يدعي أنها تعود لملكيته الخاصة، ومما زاد الطين بلة أن بعض شيوخ العشائر أيدوا موقفه، وهو ما أثار حفيظة حاكم الولاية وجعله يرفض هذا الطرح جملة وتفصيلا. وفي النهاية تطورت الأمور إلى مواجهات دامية بين القوات الموالية للقائد المقال وقوات بونتلاند مما تسبب بخسائر في الأرواح والممتلكات إضافة إلى نزوح الشعب من مدينة بوصاصو الساحلية.
موقف الطرقين
يحاجج القائد المقال لقوات PSF بأن المعدات والأسلحة تعود لملكيته الشخصية كونهم شركة أمنية خاصة لا تخضع للحكومة بشكل مباشر وأن الولايات المتحدة الأمريكية قد إوقفت دعمها لهذه القوات لما يقارب العامين، ولكي يسلمها لابد من تعويضه بينما حكومة الولاية أصرت على تسليم كامل المعدات والأسلحة للحكومة دون تعويض كونها ملك عام يعود للشعب كله، وهنا تدخل ستة من أبرز شيوخ عشائر محافظة بري وأوصوا بأن ملكية المعدات والأسلحة تعود للقائد المقال وذلك في إطار محاولاتهم لتهدئة الوضع ولتفادي اندلاع مواجهات مسلحة ولكن الحكومة أصرت علي موقفها، وهو ما فجر الأوضاع.
تراجع وطلب وساطة
ألقى حاكم الولاية سعيد عبد الله دني خطابا تاريخيا أمر بموجبه بتعليق العمليات العسكرية ضد القوات المتمردة حقنا للدماء، ودعا شيوخ العشائر والسياسيين لحل المسألة سلميا، وهو ما حظي بترحيب كبير من الأوساط الشعبية و النخب السياسية، وبدأت الأوضاع تعود إلى طبيعتها، ولكن السؤال المطروح هو: من المسؤول عما حدث في مدينة بوصاصو المركز التجارية لولاية بونتلاند من دمار وخراب؟ ويبدو أن كافة الأطراف تتحاشى الإجابة على هذا السؤال الملح ! ولهذه الغاية لا بد من إصلاح مختلف الأجهزة الأمنية وأن تخضع لسلطة الحكومة وحدها دون الجهات الأجنبية والعشائر حتي تؤدي واجباتها المنوطة بها على أكمل وجه.
مبادرة إيجابية
بعد فوات الأوان وخروج الموقف من سيطرة كافة الأطراف وتراجعَ حاكم الولاية سعيد عبد الله دني ووقف العمليات ضد القوات المتمردة، ومناشدة شيوخ عشائر الولاية والوجهاء والمسؤولين السابقين للتدخل وحل هذا الإشكال موضحا في مبادرته الإيجابية بأنه سيقبل الحلول التي سيقترحها الوسطاء.
ومن جهتهم يتوقع المراقبون أن تصدر جهات الوساطة قرارا ينهي الخلاف ويحفظ ماء الوجه للحكومة، ولا يدين القائد المقال الذي سيسمح له بالاحتفاظ بجزء من الأسلحة والمعدات التي تعود ل PSF لحماية نفسه ومصالحه الشخصية كما جرت العادة في حل مثل هذه الإشكالات التي تتكرر بين الفينة والأخرى في تعطيل تام للهيئات القضائية المختصة وغياب آليات قانونية تحسم مثل هذه النزاعات في المستقبل.