الأخبارالصومالمقالات

من نوبات الجفاف إلى موجات الفيضانات

الصومال يحتلّ موقع جغرافي إستراتيجي مهم، ويتميّز موقعه بأهمية ربط بين الممرات العالمية للطاقة والبضائع  حيث يطلّ على المحيط الهندي وخليج عدن، ولديه ثروات طبيعية هائلة يسيل لها لعاب العديد من الدول، وكما يتميّز باعتدال مناخه بوجه عام، إلا أن البلاد تشهد أحيانا اضطرابات مناخية رهيبة؛ قبل فترة وجيزة كانت البلاد أسيرة نوبات جفاف حادّة ممتدّة لأكثر من عام والتى أدّت إلى انهيار النظام الزراعي في البلاد التى هي مصدر زق أساسيّ لدى الكثير من الصوماليين، والمزارع يستنجد ويرفع يديه تضرّعا من أجل ولو زخة عابرة من المطر، وتحوّلت إلى كابوس قضى على كثير من قطعان الماشية، وتسبّب بهجرة السكّان وتشرّد الكثير منهم، وتسبب في وفاة الآلاف بأمراض ذات صله به أو بسوء التغذيه وخلل فى المناعة، ويعاني جراء ذلك الملايين من الناس الذين انقطعت بهم السبل، فكان الكلّ يصبّ اللعنة على وطن يمرّ عبرها أنهار ويمتلك أطول شاطئ فى المنطقة يعاني من شحّ المياه. إلّا أننا نسطّر اليوم نكبات جديدة وقصص حزينة رسمت الفيضانات العارمة التى اجتاحت البلاد مؤخرا على صفحات ذكريات الوطن مما أدّت إلى نزوح آلاف الأُسر وخسائر فى الأرواح ، الذين أصبحوا فجأة بلا مأوى بعد أن دمّرت الفيضانات منازلهم، إلى أن اضطرّ بعضهم أن يتعلّقوا طيلة الليل بأغصان الأشجار، والتسلّق بالجدران، كم كانت تغمرنا السعادة حين نسمع أنه تم العثور على أحدهم بخير، وتقهرنا الغصّة كلما زاد عدد الراحلين.

أين تكمن المشكلة؟

نحتاج إلى دراسة وتحليل  إدارة المياه فى ظل عدم وجود نواظم وتصريف، وغياب التخطيط المسبق واستراتيجيات السيطرة على الأسباب التي تقف وراء كوارث الجفاف المتكرر  والفيضان العارمة.

هناك حديث يتجدد كلما صربت البلاد نوبات جفاف حاد أو اجتاحت البلاد السيول أن  سياسات دولة المنبع هي من يقف وراء الامر وذلك بحبس المياة وقت الحاجة وغرق البلاد في وقت الوفرة !!! لا يوجد دليل على الامر وعلى الأغلب يصب في خانة نظرية المؤمرة التي نعلق عليها كل فشلنا؛ كما لا يمكن استبعاد الامر برمته ؛ اذا الامر يحسم بدراسات علمية معمقة تبحث عن الأسباب الجذرية للمشكلة وليس عوارضها .

الموت عطشا أو الموت غرقا

إنها ثنائية بائسة يتقلّب بين براثنها الشعب وتتكاتف عليه فما يكاد يخرج من مصيبة حتى تداهمه الأخرى، إما الجفاف والعطش أو الفيضان والغرق! معادلة صعبة وغريبة فى نفس الوقت تنعكس تداعياتها على السكان، إضافة إلى التدهور الأمنى الراهن الذي مازال يُشكّل تحدّيا لمواصلة أنماط الحياة، وإيجاد حلّ لهذا صار أكبر تحدّ وأصعب رهان، ومما يلفت الأنظار أن السياسيين يتناطحون كالثيران على كرسيّ الرئاسة، والمناصب مكتظّة بالأسماء، والأدوار مُحتَجزة، وما يكلّفهم الأمر إلّا أن يُطالبوا البلدان الأخرى بالمساعدات لمن لم يدركهم الموت وكتب الله لهم البقاء، بينما الأحزاب السياسية يهاجمون بعضهم البعض، ويتبادلون الاتهامات حول العجز عن حل مشكلة الأمن، نفس الحكاية تتكرر بأسلوب قديم وأبطال جدد وموضوع واحد، والشيء ذاته ينطبق على مجلسي البرلمان الذي لا ينفع بقدر ما يضرّ، إنما يجتمعون كما تجتمع الأصفار بجوار بعضها، ومهما أضفت اليهم صفرا جديدا يبقى الناتج لا شيء، وليسوا سوى مسامير لمطارق خارجية، يمثّلون الشعب ولا يمتثلون لرغباته، بل سعوا إلى الحياة على حُطامهم، دوما يلقون بالمسؤولية على كل أحد ويخرجون منها ملائكة، هم الخصم وهم الحكم.

ورغم إطلاق بوادر وحملات عاجلة لإغاثة المتضرّرين من الفيضانات التى اجتاحت معظم ولاية “هير شبيلي” ومناطق واسعة فى “بلدوين”، والتى إن لم نتداركها سريعا راح كل شيء، ويُكبّدنا خسائر قد يصعب علينا تعويضها، والحملات تهدف إلى توفير الدعم لمزيد من المساعدات التي ستقدم للمتضررين من الفيضانات في مجالات الغذاء والإيواء والصحة والتعليم، إلا أنها لا تسدّ رمق الحاجة بل الأمر يفتقر إلى تخطيط مسبق لتحليل أثر مخاطر الكوارث المحتملة ليتسنّى مقدما وضع ترتيبات كافية ومناسبة بغرض الاستجابة فى الوقت المناسب وبصورة فعّالة وملائمة لاحتياجات السكان المتضررين، بدل أن نقف وننتظر لحين وقوع الكارثة عندها نتحرك عاجزين بعد ما هلك من هلك ونجى من نجى، ونتناسى ما حدث لنا من ويلات الأمس، أو أن النسيان سيشقّ طريقه إلى قلوبنا.

ايها الصوماليّون لا ترفعوا أيديكم بالدعاء من أجل مزيد من المياه ولا مزيد من الامطار فأنتم في جفاف وفي نفس الوقت مهددون في الغرق! بل لا تنسوا أن تقولوا مطرا نافعا للعباد والبلاد، ليس مطر عذاب أو هدم أو غرق، كما أهلك الله قوم نوح بالسُّيول الجارفة.

وعلى هذا لن نستسلم للواقع ولن نخفض رؤوسنا للذل من أجل البقاء على قيد الحياة! بل نكافح ونموت من أجل تحقيق مستقبل أفضل!
وارجوا أن يأتي الأمل لا أدري من أين لكني أحسّ أنه سيطرق بابنا يوما ولو على سبيل الخطأ.

أنيسة صلاد

طبيبة وكاتبة مهتمه في الشؤون الاجتماعية وتوعية المجتمع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى