الاقتصادالقرن الأفريفيثقافة واجتماعمقالات

من يجرؤ على محاربة القات فى القرن الأفريقي (١)

هل تعرف أن القات هو العدوّ الأول للشعوب المسلمة في القرن الأفريقي واليمن؟ وهل تعرف أن القات معيق للنهضة والتقدم في هذه المنطقة؟ وهل تعرف أن الإنسان يتعاطى القات بالمتوسط في اليوم الواحد أكثر من سبع ساعات؟ وهل تعرف أن تأثير القات باق عليه أكثر من ثلاث ساعات؟ وهل تعرف أن حاجة الإنسان للقات تتجدد بعد سبع ساعات؟

يعيش الإنسان مع القات يوميا، ويبقى حينا معه متعاطيا، ويبقى حينا آخر تحت تأثيره المباشر، ويصبح حينا ثالثا تحت تأثيره غير المباشر، فهو عبد للقات، ولا يملك أدنى حرية إزاء هذه الشجرة، فهو بلا حرية، ويضيع منه يوميا قريبا من ثلث عمره، وهذا يعنى أن الإنسان لو عاش ستين عاما، فقد أضاع من عمره أربعين عاما، وهذا هو الضياع، وتلك هي الخسارة الكبيرة في حياته.

في كل يوم تستقبل جيبوتي سيارات ضخمة محمّلة بالقات، وكذلك كل المناطق في الصومال الكبير، وبها مجموعة كبيرة من القات مخصصة لرئاسة الدولة، ورئاسة الوزارة، والوزراء، ومدراء الحكومة، ورجال الأعمال، وهناك مجموعات من القات مخصصة لمن هو دون ذلك، فالكل يتعاطى القات، وبشكل يومي، وتتوقف الحياة لأجل القات، فلا حركة في الشعب حين يتم تعاطي القات، فالحياة تخلو من الحراك لأجل استقبال السيد، وللعلم، هناك بروتوكول خاص لاستقبال القات، مثله مثل استقبال الوفود ذات الثقل .

في كل بلد مشكلة، ولكن وجدت أن الناس يتعاطون الخمور، ومع البلاوي في أوقات خاصة، هنا، في كندا مثلا، لا يخرج الإنسان ليتعاطى الخمور، واللهو إلا في ليلة الجمعة، أو السبت، أو هما معا، ولكنه في سائر الأسبوع يبقى في عمله بلا توقف، للجد وقت، والراحة وقت في زعمه، فلا تداخل بينهما، ومن هنا نلاحظ التقدم غير العادي في كندا، بينما الإنسان عندنا في الأسبوع كله في راحة، وفي لهو، ولعب، وكم يكون الإنسان تائها بسبب هذه الشجرة؟

إن القات مشكلة سياسية، فهو يخدر الشعوب، والسبب أنه يمنح الإنسان راحة وهمية تجعله يخرج من الحياة، ويعيش فيما يسمى بعلم النفس لحظة ( الراحة ) الوهمية، وهي لحظة تتميز بأمرين، الخروج الاضطراري من الحياة مؤقتا، والبقاء في موقع آخر، لا وجود له في الواقع، ولكن هو واقع موجود في ذهنية متعاطي القات .
لو كان متعاطي القات سياسيا، ويعيش يوميا في هذه اللحظة، فكيف تكون القرارات التي يأخذها ؟ وكم هي خطيرة تلك القرارات التي يأخذها إنسان غاب عن الواقع اضطرارا ؟

يعتبر القات مشكلة اجتماعية، فهو يصنع الوالد السلبي، الموجود الغائب، الحاضر بجسده، والغائب عن الواقع بسبب هذه اللحظة، وتزداد المشكلة سوءا بانتشار مجالس القات، وهي مجالس بلا غاية، المهم أن يجتمع الناس لأجل الاجتماع، وأن يتحدث الناس قليلا، ثم يدخل كل واحد منهم بعد لحظات عالمه الخاص، فهو يشعر لحظة خاصة به، ولكل واحد منهم لحظته، هناك من يصبح وزيرا في لحظة، أو تاجرا ورجل أعمال في لحظة، وهناك من يسافر ويرجع، وهكذا، ولكنهم جميعا في مجلس واحد، وتحت سقف واحد، ولكن القلوب ليست واحدة بسبب تعاطي هذه الشجرة .

إن القات في جيبوتي، والصومال لاند، وغيرهما من بلادنا ليس فقط مشكلة تخص جيلا دون جيل، أو جنسا دون جنس، أو طبقة دون طبقة، فقد عمت البلوى في هذا المنطقة، فالمرأة تنافس الرجل، والصغير ينافس الكبير، والجاهل ينافس المتعلم، والفقير ينافس الغني، والمريض ينافس الصحيح، والحاكم ينافس المحكوم، والكل في منافسة مع الكل، ولكل طبقة نوعية، وفي كل نوعية قيمة مرتفعة، وقيمة القات قابلة للازدياد، وتستورد هذه الأوطان أوراقا من الشجر فيه تخدير وجنون، ويبادلونه بالعملة الصعبة، والغريب أن الناس لا يشعرون الخطورة، بل رأيت البعض وهم يخرجون زرافات وفرادى نحو الحبشة بعد افتتاح القطار الجديد فرحين، لأنهم سوف يعيشون لحظات قليلة في خارج التاريخ .

إن متوسط الأعمار في هذه البلاد لا تتجاوز الخمسين، والسبب هو تركيبي، الفقر الذي يسبب سوء التغذية، وتعاطي القات الذي يسبب الجلوس الطويل، وعدم الحركة، ومن هنا ينتشر في بلادنا، وخاصة في متعاطي القات الأمراض الناتجة من عدم الحركة كأمراض القلب، والسكر وغيرهما، ومن هنا انخفض متوسط الأعمار في هذه البلاد، فلا تجد دراجات تتحرك، وتجوب، وقل أن تجد من يمارس الرياضة، والمشي، والبعض يمارس الرياضة حين يكون في الوقت بدل الضائع، فلا مستقبل لشعب يتعاطى القات بهذا الشكل.

في الفقه ما يسمى برعاية الضرورات الخمسة، وهي الدين، والنفس، والمال، والعقل، والعرض، فالقات عدو رئيسي لهذه الضرورات الخمسة، وقاتل لها بلا ريب، فهو يصنع إنسانا بلا دين، ومن أهم أركان الدين الصلاة، فهو يصلى دوما صلاة الخوف؛ لأنه في خوف مستمر، ودعك عن الضرر البالغ على النفس، والمال، والعقل، والعرض.

 ومن هنا فلا شك عند المحققين من علماء الأمة في حرمته، وليس في كراهته، فهو قاتل للنفس ببطء، وأعتبره شخصيا سمّا قاتلا ببطء، والذين أفتوا سابقا بحله لم يعرفوا مضاره بشمولية وإحاطة كما عرفناه اليوم، ولو رأوْا ما رأيناه، لقالوا ما قلناه، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأعراف، وأضاف القرضاوي بعض البنود، ومنها تغير المعلومات، وتجدد المعارف، ولهذا فلا ريب أن الفتوى المحكمة تؤكد حرمة القات تعاطيا، وتعاملا، فلا يجوز تعاطيه، بل أرى أن القات كمشكلة حضارية أخطر من الخمر، ولهذا وجدت في بلادنا الآلاف من البشر الذين يجوبون في الشوارع بلا ستر، وهم شبه مجانين، ولأجل هذا يكون القات أخطر على الحياة، ويعيق التقدم، ويجعل الناس متخلفين عن الركب.

إن القات مشكلة حضارية، ذلك لأن المفكر الكبير مالك بن نبي رحمه الله قرّر بأن الحضارة هي = الإنسان + الأرض + الزمن، والسؤال هو كيف يصنع حضارة إنسان يتعاطى القات في نصف عمره على الأقل؟ وكيف يصنع حضارة إنسان فقد صحته، وبنية جسده؟ وكيف يقيم حضارة إنسان يخرج من التاريخ لأجل الذهاب إلى لحظة وهمية؟
إن الإنسان الذي يصنع الحضارة هو الإنسان ( القَلِق )، ذلك الذي يبحث الحل لمشكلاته، ومشكلات شعبه، والذي لا يفقد عقله، ويتعامل مع التاريخ بحضور العقل والشعور معا، ولكن الذين يحاولون الهروب من التاريخ لأجل لحظة وهمية يصنعون وهما حضاريا، ولهذا يصدّق الناس وجود تقدم ونهضة في جيبوتي، وهي المصنفة عالميا من أفقر البلاد في العالم، لديها تعليم متدنٍ، وخدمات صحية متدنية، ومتوسط أعمار منخفضة، ومياه غير صالحة للشرب، ومناخ قاتل، والعيش مع الملاريا، والكوليرا الذي تم محاربته عالميا، فهو يزور إلى جيبوتي بشكل دائم، وغياب الكهرباء في أحيان كثيرة مع ارتفاع سعره، وتدنى المعيشة، وتأخير الرواتب، وكثرة الديون والتي وصلت أكثر من ( ٨٤%)، كل ذلك موجود، ولكن أصحاب القات يتحدثون عن نهضة حقيقية، ويتعجبون من ينتقد ذلك، يا حسرة على العباد !

من يجرؤ على محاربة القات؟ السياسي يخاف ويهاب من شركات استيراد القات، والعالم الديني (أستغفر الله) الواعظ يخاف من مواجهة الحقيقة؛ لأنه من المشكلة، فهو معهم في التعاطى، وقديما قال بعضهم: القات قوت الأولياء، وتلك حقيقة فهو قوت أولياء الشيطان، والمثقف لا يكتب كثيرا عن القات؛ لأنه ظن بأن القات مشكلة عادية، بل والبعض منهم ينافس في التعاطي حتى لا يكون بعيدا عن الوسط، فالقات سبب مهم للدخول في الوسط، وخاصة في وسط ( علّية ) القوم، كما يقولون.

للعلم، رأيت سياسيين ناجحين لا يتعاطون القات، لم يكن الرئيس جوليد من أهل القات، ولهذا فهو لم يأخذ في حياته قرارات بلا معنى، ورأيت أيضا السيد أحمد ديني أحمد بعيدا عن القات، وعرفت عن كثب عظمة الرجل، فهو لا يخرج من التاريخ، ورأيت كذلك السيد محمد عيلابى، والسيد إسماعيل جيدى حريد، فقد كانا إداريين ناجحين، والسبب أنهما لم يفقدا عقلهما بسبب القات، ووجدت كذلك سياسيين في الصومال، ليسوا من أهل القات، ورأيت أيضا شباب الصحوة، وهم أمل الأمة في المنطقة لا يتعاطون القات، وإن كان هناك من القلة من عاد، وتعاطى القات، ولكنه يبكى دما من الداخل، ووجدت في الصومال طولا وعرضا أن الناجحين من رجال الأعمال لا يتعاطون، ولا يتعاملون مع الشجرة، فهم في واد، وتلك الشجرة في واد، ولهذا فهم ناجحون، والسبب أنهم يملكون عقولهم.

في مقال لاحق، سوف أضع بين يديكم حلولا عشرة، لعلها تكون سببا في الإقلاع، وبعدها يكون لنا موقع تحت الشمس، وإلا سنبقى مع القات بلا بوصلة، ولا حراك، ولا حضارة، فالعالم من حولنا ينطلق، ونحن ننطلق نحو الوراء، ولا يملك من عنده ضمير إلا أن يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله.

عبد الرحمن بشير

الشيخ عبد الرحمن سليمان بشير من جمهورية جيبوتى، داعية، ومثقف ، وناشط سياسي، وباحث فى الشؤون الإجتماعية، وقضايا القرن الأفريقي، خريج كلية الشريعة والقانون، عمل فى السلك التعليمي، والقضائي، والإنساني، ومارس الخطابة منذ نعومة أظفاره، وما زال، وله مقالات حول الدين والسياسة والفكر، ويعيش الآن فى كندا، ويعمل فى رفع الوعي فى القرن الأفريقي، والجالية الإسلامية والصومالية والجيبوتية فى المهجر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى