هل انتهى دور الحركات الإسلامية في الصومال
تزامن فكر تأسيس الحركات الاسلامية في الصومال في العهد المدني حيث انطلقت نشاطات شبيبة الصحوة الإسلامية من المدن الكبرى متأثرة بأفكار الحركات الاسلامية في الدول المسلمة المطالبة بإعادة الحكم الاسلامي، وقد نشطت في أوساط الشباب في الستينيات، ولكنها لم تتشكل على أساس تنظيمي إلا في السبعينيات، ورغم أن أغلب المؤرخين يتفقون الدور الرئيسي الذي لعبته دروس الشيخ محمد معلم في خلق هذه الحراك الذي أحيى الصحوة الدينية في أوساط الطلبة إلا أن تلك المصادر لا تذكر عن دور تنظيمي للشيخ، وإن كان يوجد من ينتسب إليه حركيا حتى الآن، وهي حركة تنتمي إلى الفكر الإخواني إلا أنها غير مرتبطة بتنظيم الدولي للإخوان.
التأثير والانتشار:
ورغم تنامي الصحوة الإسلامية في الستينيات إلا أنها تعرضت لضربات متلاحقة من الحكم العسكري مما جعلها تتحول إلى دعوة سرية، ولكن دورها التعليمي في المساجد استمر رغم التضييق، وأصبح تأثيرها في الشارع الصومالي واضحا في أواسط الثمانينيّات، ولاسيما في المدارس والجامعات، ولذلك أصبحت الحركة الاسلامية رقما لا يستهان به في مطلع التسعينيات حتى أضحت بعد انهيار الدولة المركزية ظاهرة ملموسة.
الفكر الحركي:
وفي فترة السبعينيات ظهر في العلن الانقسام الفكري الذي طرأ على الصحوة الاسلامية التي كانت في السابق مجموعات ملتفة حول دروس الشيخ محمد معلم ومتأثرة بفكره التجديدي في الدعوة، ولكن سرعان ما شبًّ المريدون عن الطوق، وقاموا بتأسيس جماعات إسلامية مستقلة عن الشيخ، تحمل الطابع السلفي، والإخواني، وكان هذا بعد محاولة العسكر تجفيف منابع الصحوة وإغلاقهم المدارس الدينية مما أجبر أبناء الحركة الاسلامية الطامحين مغادرة البلاد لاستكمال دراساتهم في الجامعات الاسلامية وخاصة الجامعات السعودية؛ لذلك نستطيع أن نقول إن الفكر السلفي والإخواني كلاهما قدما إلى الصومال من السعودية!، حتى لا يدعي البعص إن الجامعات السعودية كانت ترسل الفكر السلفي “الوهابي” فقط!.
وقد بدأت هذه الحركات في أواسط السبعينيات كما تشير إليها بعض الكتابات، كحركات ذات طابع ثوري تسعى إلى تغيير الأوضاع، وكان الهدف الرئيسي لمشروعها إعادة الحكم الاسلامي وتغيير الوضع السياسي القائم الذي هو صناعة المستعمر، وقد كان الشغل الشاغل للحركيين – سلفين كانوا أم إخوانا- تصحيح الأوضاع السياسية ومواجهة الأفكار المنحرفة وعلى رأسها الفكر الاشتراكي الذي تم فرضه على البلاد من قبل العسكر، وقد تسبب لهم متاعب كثيرة من السجن والإبعاد والذي وصل في أواسط الثمانينيّات إلى الحكم بالإعدام على بعض رموز الحركتين، واستمر هذا النضال السياسي والفكري حتى سقوط الحكم العسكري.
حلم الحكم الاسلامي
وبعد سقوط الحكومة المركزية استمر الإسلاميون وبكل توجهاتهم المطالبة بالحكم الاسلامي كل حسب توجهه وقدرته، بينما كان اهتمام الاتحاد الاسلامي (السلفي) فتح المعسكرات وتشكيل محاكم إسلامية لادارة بعض المناطق، كان توجه حركة الاصلاح (الإخوانية) الدعوة إلى الصلح ومشاركة مؤتمرات المصالحة؛ وإن كانت لا تتمتع بصفة مستقلة كون الجبهات القبلية المتصارعة لم تكن تسمح لغير العشائر دورا ملموسا؛ ورغم وجود كل هذه العقبات كان الجميع يتطلع إلى الحكم الإسلامي، ومع أن جهود هذه الحركات كلها منيت بالفشل ولاسيما أن الحركة “الإتحاد الإسلامي” تأكد لديها أن مشروع العسكرة أصبح عبئا على الدعوة؛ لذلك تسارع قادتها إغلاق المعسكرات، وبصورة نهائية، حتى لا يتحول أعضاؤها حطاما لحروب عبثية، أطلت برأسها بعد سقوط كابل، وبروز ما سميَّ بالأفغان العرب.
عسكرة الدعوة
وبعد تفطن الحركة السلفية الدور التخريبي لعسكرة الدعوة وإغلاق المعسكرات رجعت إلى نشاطها الدعوي، ولكنها لم تكن تنازلت عن السعي إلى الحكم الإسلامي؛ لذلك شارك أغلب التوجهات عندما نشاطات المحاكم الإسلامية أو رحب بها، وكان الهدف المعلن من المحاكم تصحيح الأوضاع الفاسدة وإعادة الأمن وتحقيق الحكم الإسلامي.
متى تغيرت النغمة؟
ومن الملاحظ أنه بعد وصول أول رئيس ذو توجه إسلامي إلى سدة الحكم ظهر نوع من التماهي مع السياسة الدولية، وتوقفت الشعارات المطالبة للحكم الاسلامي، اذا استثنينا الدور الذي قام به البرلمان الثامن حين صوت وبأغلبية ساحقة بأن تكون الشريعة الإسلامية المرجع الأساسي للحكم، ولكن لم يحدث بعد ذلك أي تطبيق عملي لأسلمة القوانين، وقد كان القرار في حينه نوعا من سحب الشرعية من الحركات المسلحة التي كانت تحارب الحكومة التي يقودها الإسلاميون آنذاك كالحزب الإسلامي، وحركة الشباب.
وبعد ذلك الوقت أصبح أبناء التيار الإسلامي شبه أغلبية في البرلمان الصومالي بل نستطيع أن نزعم أن حكومتي شريف شيخ أحمد، وحسن شيخ محمود كانتا تتمتعان بأغلبية مريحة من التيارات الإسلامية من كلا المجلسين، وبالإضافة إلى الرئيس، مما جعل للإسلاميين ثقلا سياسيا لا يستهان به، ولكنه سرعان ما أصبح هذا الثقل منزوع الدسم، وتم تدجينه في الأروقة القوى الدولية الداعمة للصومال حتى أصبح البعض منهم يتبرأُ من إنتمائه السابق لإبعاد تهمة التطرف عن نفسه، فضلا عن أن يدافع عن إجتهاداته الفكرية الجديدة هذا وإن كان يحمل اجتهادا فكريا!، بينما أصبح الحديث عن الشريعة في المحافل السياسية في الصومال نوعا من التغريد خارج السرب.
ما بعد المعترك:
ومع وصول أبناء التيار الإسلامي في أروقة الحكم في الصومال أصبح الصوت التقليدي للحركة الإسلامية يخبو، واختفت المطالبة في تطبيق الشريعة؛ وقد تشكلت قناعة لدى بعض رموز الحركة الإسلامية تشير إلى انتهاء الدور التنظيمي للحركات الإسلامية، وينبغي عليهم أن يهتموا بالجانب الإصلاحي والإغاثي والتعليمي فقط، ويتركوا الشأن السياسي للأحزاب، ومع سهولة إنشاء الأحزاب لم نسمع بروز حزب يمثل أحد تلك الحركات مما يشير إلى تلك القناعة.
ومن المؤكد أن دور التقليدي للحركات الإسلامية في الصومال قد انتهي بعد المحاكم الإسلامية، مع بقاء الدور الدعوي والتعليمي والخيري فعالا، أما المجال السياسي فبات حكرا على الاجتهادات الفردية، ومن يرغب في السياسة ما عليه إلا أن يطلب وُدَ قبيلته والمجتمع الدولي، ويتنكر للمطالب التقليدية للحركة الإسلامية، وحتى في داخل مجلس الشعب لم يستطع الإسلاميون تشكيل كتلة برلمانية تحمل توجهات سياسية واضحة؛ لأن التمثيل القبلي لدى بعض هؤلاء أهم من التمثيل الإسلامي بعد أن عصفت الخلافات القبلية أغلب الحركات التقليدية؛ لذلك تحول شباب الحركة الإسلامية الذين توجهوا نحو السياسة جزء لا يتجزء من سياسة المحاصصة القبلية، وهذا كله يضع علامات استفهام على دور المحاضن التربوية للحركات الإسلامية التي فشلت في مهمتها وانشغلت بحماية الجماعة من الاختراق!
ونظرا لنجاح الدور الدولي في ادخال بعض الإسلاميين في المعترك السياسي، وفشل الحركة الاسلامية في ترويض القبيلة وتشظي أجنحتها، ثم فقدانها الرؤية لاستراتيجية الواضحة للتعامل مع طموحات الأجيال اللاحقة للمؤسسين أصبح دور الحركات الإسلامية التقليدية قد اختفى من الساحة وبلا رجعة رغم بقاء بعض الجيوب لحماية الجندي المجهول!، والتباكي على اللبن المسكوب.
ويبدو أن انتهاء هذا الدور التقليدي ليس حكرا على الحركة الصومالية فقط، بل هو عام للإسلام السياسي في العالم، ولكن أغلب الحركات الاسلامية في العالم تفاعلت مع واقعها الجديد، وما زال بعضها يمارس دورا سياسيا في داخل البرلمانات كحركات ذات توجهات واضحة، لا كأفراد، إضافة إلى ذلك فإن تلك الحركات تنشر أدبياتها الحركية واجتهاداتها الفقهية مما يتيح للباحثين متابعة فكرها السياسي، لمعرفة الإنجازات والإخفاقات، بينما أغلب رموز الحركة الصومالية يعيش في المرحلة المكية ويخاف من الظهور في الإعلام.
وعليه فإن السؤال الذي يلح على الجميع هو هل صلاحية الحركة الاسلامية التقليدية في الصومال قد انتهت، أو أنها في طور المراجعة؟، وهل هناك مشروع سياسي للإسلاميين في الصومال أم أن دورهم يقتصر على دعم الأمن والاستقرار؟، وما هي الطريقة المثلى لتطبيق الشريعة في الدولة المعاصرة.