
في ظل التحولات والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم اليوم تواجه المرأة الصومالية واقعا معقدا يتجسد في مفترق طرق حاسم،فهي تتصارع مع ضغوط تقليدية عميقة متجذرة في النسيج المجتمعي،تفرض عليها أغلالا صارمة تحد من حريتها وتوجه خياراتها في الوقت ذاته ،حيث تتفتح أمامها بوابات الانفتاح الاجتماعي المتسارع الذي تتيحه العولمة وثورة التكنولوجيا مما يمنحها فرصا جديدة للتمكين والمشاركة الفعالة في الحياة العامة. هذه الديناميكية المتشابكة تضع المرأة الصومالية في تحدي مستمر لإيجاد توازن دقيق بين التمسك بهويتها الثقافية وبين الاستجابة لمتطلبات العصر الحديث، فهي تطمح إلى تحقيق ذاتها وتحقيق مكانتها بين التقاليد والحداثة في آن واحد، بمعنى ان المرأة الصومالية في صراع نفسي عميق بين التقاليد التي تمنحها هويتها وأيضا التي ليس بضرورة آن تمنحها الانتماء وبين أجنحة الحرية التي يفتحها لها العصر الحديث، هذا الصراع لا يقتصر على الخيارات اليومية فحسب بل يمتد إلى البحث عن الذات ،والتمرد على القيود المجتمعية والسعي نحو مستقبل يليق بطموحاتها دون أن تفقد جوهرها وثقافتها وفي هذا التوازن الهش تواجه المرأة الصومالية لحظات من الشك،والتردد واحيانا الإحباط ولكنها في الوقت نفسه تتحلى بالقوة والإصرار لتكون صوت التغيير والقدوة لمجتمعها.
تعتبر التقاليد اداة ضبط اجتماعية ويعد المجتمع الصومالي من أكثر المجتمعات تمسكا بالبيئة العشائرية المحافظة، حيث تمارس العادات والتقاليد كقوة ضغط هائلة تعيد إنتاج الأدوار النمطية، وتقيد خيارات الأفراد وبالأخص النساء ،ترسم للمرأة الصومالية حدود صارمة تلزمها بالبقاء ضمن أدوار محددة مثل الطاعة ،رعاية الأسرة، وصون السمعة التي تعد مقياس حاسما لمكانتها داخل القبيلة والجماعة. في هذا السياق تتحول التقاليد للأداة ضبط اجتماعي تراقب السلوك وتحاصر الطموحات وتهدم الأحلام في مهدها إذ ينظر إلى تطلعات النساء الصوماليات خارج حدود الدور التقليدي على أنها خروج عن القيم الاستحقاق للنمو او التمكين. تواجه المرأة التي تحلم بالاستقلال أو العمل بحرية بجدار من الرفض المجتمعي ،وتحمل أعباء الذنب وكأن طموحها جريمة تهدد تماسك الجماعة ،وهكذا لا تمارس السيطرة على النساء فقط من خلال القوانين والمؤسسات بل أيضًا من خلال الأعراف والعرف التي تجعل كل فرد في المجتمع رجلا كان أو امرأة رقيبا على الآخرين وضمانا لاستمرارية الهيمنة الثقافية.
الانفتاح الاجتماعي وفرص التغيير
في العقود الأخيرة احدثت وسائل التواصل الإجتماعي والتكنولوجيا الحديثة ثورة حقيقية في حياة المرأة الصومالية ،فقد فتح الانفتاح على العالم الخارجي من خلال الإنترنت والمنصات الرقمية آفاقا واسعة أمام النساء بحيث منحتهن فرصا لم تكن ممكنة من قبل حيث أصبحت قادرة علي تأسيس مشاريعها الخاصة في مجالات متنوعة كريادة الاعمال الرقمية فالإنترنت أصبح وسيلة فعالة لعرض منتجاتهن وتسويها، مما ساعد على تعزيز استقلاليتها الاقتصادية وتحقيق طموحاتها المهنية. كما أصبح للمرأة الصومالية صوت أقوى في الفضاء العام حيث شاركن بنشاط في الإعلام والعمل الحقوقي والمجتمع المدني. ووسائل التواصل الإجتماعي باتت منصة حيوية للتعبير عن آرائها وتسليط الضوء على قضاياها ،مما ساعد في زيادة الوعي المجتمعي بحقوق المرأة واهميتها. هذا الانفتاح لم يكن مجرد وسيلة تقنية بل كان خطوة مهمة نحو تغيير ثقافي واجتماعي عميق . فالمرأة الصومالية باتت اليوم تطرح بقوة قضايا المساواة والحقوق وتسهم بشكل فعال في بناء مجتمع أكثر عدلا وتقدما .
التحديات والمقاومة
كناشطة لحقوق المرأة في الصومال أجد ان التحديات التي تواجه النساء في الصومال ليست مجرد صعوبات فردية بل هي انعكاس لصراع مستمر بين الماضي والحاضر. التغيير الذي نطمح اليه لا يأتي بسهولة فالكثير من النساء الصوماليات تحاولن التوفيق بين العادات والتقاليد المتوارثة القديمة التي تربين عليها وبين متطلبات العصر الحديث، في كثير من الأحيان نجد ان التمسك بالقيم الاجتماعية التقليدية رغم حسن نواياها يشكل حاجزا يعزل المرأة ويقصيها من المجتمع، خاصة في المناطق الريفية حيث تكون العادات والتقاليد أكثر تشددا وثباتا. هذه العقبات تجعل من الصعب على النساء الصوماليات ان يحصلن على الفرص التي يستحقنها سواء في التعليم أو العمل أو المشاركة السياسية. الامر لا يتوقف عند هذا الحد ،فالقوانين التي من المفترض أن تحمي حقوق المرأة الصومالية وتضمن لها الحماية والعدالة لاتزال ضعيفة وغير فعالة في كثير من الأحيان. هذا الضعف القانوني يبطىء وتيرة التغيير ويجعل من النضال من أجل حقوق المرأة رحلة طويلة وشاقة. رغم كل هذه الصعوبات فإن اصرار المرأة الصومالية على التغيير ومطالبتها بحقوقها يشكل أملا حقيقيا، فهي بحاجة إلى دعم مؤسساتي وقانوني قوي والى وعي مجتمعي شامل وواسع يقدر دور المرأة ويعترف بحقوقها حتى تتمكن من دفع عجلة التقدم وتمكين المرأة في الصومال .
الخاتمة
في الختام المرأة الصومالية اليوم ليست حبيسة الماضي ولا أسيره الحداثة، بل هي في قلب معركة توازن دقيقة تخوضها بوعي متجذر وإرادة تتجاوز التحديات. إنها لا تتبرأ من تقاليدها بل تحاول أن تعيد قراءتها بما يتناسب مع طموحاتها وحقوقها في عالم يتغير بسرعة فائقة ،هذه ليست معركة ضد المجتمع بل معركة من أجل تطويره من الداخل وبصوت نسائي بات أكثر حضورا وتأثير وجرأة. لقد بدأت المرأة الصومالية بالفعل إعادة رسم موقعها ليس فقط كام أو زوجة أو ابنة بل كقائدة ومربية وصاحبة رأي وشريكة فعلية في البناء .ما نحتاجه اليوم هو أن نرافق هذا التغيير بإرادة سياسية وتشريعات عادلة وتعليم يفتح الآفاق وأهم من ذلك بوعي مجتمعي يدرك أن مستقبل الصومال لا يمكن أن يبنى إلا بجناحين متكاملين هما الرجل والمرأة. فهذه المعركة ليست معركة فرد بل مشروع أمة ومسؤولية جيل ورهان على مستقبل أكثر عدلا ومساواة واتزانا.