آفاق جديدة للعلاقات الصومالية – الأمريكية
التقرير الأسبوعي (3)
تسلّم الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد ” فرماجو” في 17 نوفمبر 2018 أوراق اعتماد السفير الأمريكي الجديد لدى الصومال السفير دونالد ياماماتو في مقديشو، وأعقب مراسم الحفل مؤتمر صحفي مشترك؛ حيث شكر الرئيس الصومالي الولايات المتحدة الأمريكية على مساعدتها في إعادة بناء الجيش الصومالي متعهدا باستعادة السلام والاستقرار إلى البلاد. من جانبه جدد السفير الجديد التزامه بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ومساهمة أمريكا في جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة.
تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
بدأت العلاقات الصومالية الأمريكية بعد استقلال الصومال مباشرة في عام 1960، ومرت بمراحل قوة أثناء الحكم المدني من 1960 – 1969، ودخلت في مرحلة فتور بعد أن تعززت العلاقات الصومالية مع الاتحاد السوفييتي بعد انقلاب العسكر واستيلائهم على السلطة في عام 1969 إلى أن انهار الحكم العسكري؛ مما أدى انسحاب البعثات الدبلوماسية من الصومال بسبب الحرب الأهلية في عام 1991.
ومنذ ذلك شهدت العلاقات فراغا دبلوماسيا حتى تم استئناف العلاقات مع أمريكا في عام 2014 بتعيين رئيس الحكومة السابق عمر عبد الرشيد علي شرمأركي كأول سفير للصومال بعد الحرب الأهلية، وبحسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية الذي صدر الاثنين 27 يونيو حزيران 2018 في واشنطن، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد قررت ملء الفراغ الدبلوماسي مع الصومال؛ حيث أدى السفير الأمريكي السابق لدى الصومال ستيفن شوارتز اليمين القانونية بعد موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي عليه في مايو 2016 كأول سفير أمريكي إلى الصومال منذ 25 عاما، وبذلك صار خلفا للسفير جيمس بيشب آخر سفير أمريكي معتمد، والذي غادر قبل أكثر من عقدين من الزمن بعد اندلاع الحرب الأهلية في الصومال.
وفي 8 سبتمبر 2016 قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الصومالية قدم ستيفن شوارتز أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية الصومالي الأسبق عبد السلام هدلية عمر، ومعروف أن السفير شوارتز كان أحد كبار ضباط الخدمة الدبلوماسية في الخارجية الأمريكية، وسبق أن شغل منصب نائب رئيس البعثة في زامبيا.
وكان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد رشح في البداية لهذه المهمة السيدة كاثرين سيموندس طناني لتكون سفير الولايات المتحدة لدى الصومال بيد أنها سحبت ترشيحها متعللة بأسباب شخصية، الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد اعترفت رسميا بإدارة الرئيس السابق حسن شيخ محمود في عام 2013 .
وفي بداية إدارة الرئيس محمد عبد الله فرماجو استقال من منصبه وأصبح منصب السفير الأمريكي شاغرا إلا أن السفارة ظلت عاملة، وقد تم تعيين السفير الجديد دونالد ياماموتو، والذي هو خبير في شؤون القرن الأفريقي؛ لأنه خدم في السلك الدبلوماسي كسفير في عدد من دول القرن الأفريقي.
ذكريات أليمة وتطلعات لصفحة جديدة
كانت الولايات المتحدة قد قادت عملية إعادة الأمل التي أطلقها الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب، والذي اتخذ قرار التدخل قبل مغادرته المكتب البيضاوي بأسابيع قليلة، وبموجب ذلك القرار نزَّل 27 ألف جندي من البحرية الأميركية (المارينز) في ليل الأربعاء 9 من ديسمبر 1992، إلى شواطئ العاصمة مقديشو لوقف الحرب الدائرة بين الفصائل الصومالية المتناحرة وتأمين الطرق لإيصال المساعدات العاجلة إلى عشرات الآلاف من الصوماليين المتضررين بسبب الحرب الأهلية إلا أن العملية انتهت بفشل ذريع بعد مقتل العديد من المدنيين الصوماليين وإسقاط ميليشيات الجنرال محمد فارح عيديد طائرة هليكوبتر عسكرية أمريكية، ومقتل 18 جنديا. وانسحبت الولايات المتحدة من الصومال في عام 1993 بعد أن وجدت نفسها في مواجهة مفتوحة مع الشعب الصومالي في الوقت الذي كانت تتحدث فيه عن إنقاذ الشعب الصومالي من ويلات الحرب والمجاعة.
والآن يأتي تعيين السفير الجديد كبادرة حسن النية، وكمحاولة لفتح صفحة جديدة مع الصومال في إطار التغير العام على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصومال، والتي كانت تتعاطى عن بعد مع الصومال نتيجة لأخطائها الكارثية في بداية الأزمة الصومالية، وللأسف فإن الذاكرة الشعبية تحمل في طياتها ذكريات ومآسي أليمة للجانب الصومالي أكثر من الجانب الأمريكي، وهذه الخطوة من شأنها محو هذه الذكريات وفتح صفحة جديدة من التعاون في كافة المجالات، وخاصة جهود إعادة مؤسسات الدولة الصومالية الأمنية والاقتصادية التي تتعافى من آثار الحرب الأهلية، وعقود من عدم الاستقرار، وهي مؤسسات تحتاج إلى مساعدة المجتمع الدولي، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة كصديق للحكومة الصومالية.
زيارة وزير الخارجية الأمريكي
قام وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري بزيارة تاريخية إلى مقديشو في مايو 2015، ليصبح أول وزير خارجية أمريكي يزور الصومال على الإطلاق، وأظهر كيري الدعم للصومال الذي يسعى بجهود حثيثة لاستعادة الحياة الطبيعية والتغلب على الحركات المتطرفة، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر داعم للصومال بملايين الدولارات، وخاصة دعم الأجهزة الأمنية مثل قوات التدخل الخاصة المعروفة بغاشان التي تعني الدرع (Alpha group) إضافة إلى الجوانب الإنسانية والتنموية .
تدشين مرحلة جديدة
يقرأ المحللون في الخطوة الأمريكية الجديدة بتغير السياسة الخارجية السابقة تجاه الصومال بعد فشل التدخل الأمريكي المباشر وانتهاء العملية بفشل سياسي وأخلاقي ذريع نتيجة عدم فهم هوية وطبيعة وثقافة المجتمع الصومالي، وبعد فترة من التجاهل التام استعاضت الولايات المتحدة تدخلها المباشر بتدخل غير مباشر؛ حيث سمحت بقوات أفريقية لحفظ السلام، وذلك لاحتواء الوضع في الصومال حتى إشعار آخر، وتعتقد الولايات المتحدة أنه حان الوقت المناسب للعودة إلى الصومال نظرا لعدة متغيرات متلاحقة في الآونة الأخيرة، منها توجس الولايات المتحدة من زيارة رئيس الحكومة الصومالية السابق شرماركي إلى موسكو في أبريل 2016 لتطبيع العلاقات مع روسيا، وخوفها من نسج الصومال علاقات إستراتيجية مع روسيا من جديد، إضافة إلى وجود الصين في الصومال منذ ديسمبر 2014، وقرب سحب قوات حفظ السلام الأفريقية التي تعاني من شح التمويل وتخفيضها.. كلها مؤشرات وإرهاصات بدخول عصر جديد ستنخرط الولايات المتحدة مع الصوماليين مباشرة دون وسطاء ووكلاء، وتعتقد الولايات المتحدة متسلحة بدروس التاريخ بأن الصوماليين وقياداتهم يمكنهم التعامل معها دون وصاية من أحد، ومما يعزز هذا الاتجاه التحولات التي طرأت على المنطقة، وخاصة إثيوبيا وإريتريا، ويشكل ذلك فرصة ذهبية للصومال لبناء مؤسساته دون تدخل سلبي من أحد.
أخيرا، إن الحضور الأمريكي للصومال سيزيد من التمثيل الدبلوماسي في الساحة الصومالية الذي ينمو باطراد منذ طرد حركة الشباب من العاصمة في أغسطس عام 2011.